مجتمع

“عقرب” انهيار القطاع الصحي يقتل زهراء وأخواتها

كتب محمد قدوح

توفيت الطفلة زهراء طليس بسبب لسعة عقرب، لكن وفاة زهراء ليست قدراً محتوماً، إذ كان يمكن إنقاذ حياتها فيما لو توفر اللقاح المضاد للسعات العقارب في الوقت المناسب. قبل وفاة زهراء توفيت الطفلة جوري السيد و…. بسبب عدم توفر دواء مضاد للالتهابات في  الصيدليات، ما أدى إلى تفاقم حالتها الصحية، ونقلها إلى مستشفى وصلت إليها بعد أن فات أوان انقاذها. أخواتهن وأخوانهم من الاطفال المتوفين لم يستطع ذووهم الحصول على أبسط الأدوية أي حبوب البنادول فغادروا الحياة.

أشخاص آخرون كان مصيرهم نفس مصير زهراء وجوري بسبب فقدان الأدوية أو عدم الحصول على فرصة الاستشفاء في الوقت المناسب. ومن المتوقع أن يلقى الكثير من المرضى المصير ذاته، بمن فيهم أشخاص منتسبون للصناديق الضامنة، بعد أن باتت التعرفة الاستشفائية لا تساوي سوى 10 أو 20 % من كلفة العلاج. وهو أمر لا يمكن لهؤلاء تحمل أعبائه في ظل الضائقة المعيشية الناجمة عن انهيار قيمة الليرة اللبنانية، وأرتفاع بدل الخدمات الاستشفائية بنسب خيالية ورفض الكثير من المستشفيات استقبال هؤلاء المرضى وكذلك مرضى الوزارة، ما يعني أن حياة غالبية المرضى أصبحت في خطر حقيقي نتيجة “لسعات” الزيادات التي لا تجد ترياقاً علاجياً لها.

وبما أن لسعات الأفاعي والعقارب، والعديد من الأمراض يعتمد بشكل أساسي على التدخل الطبي السريع في الوقت المناسب، فكل تأخير يقود إلى تعريض حياة المريض أو المصاب للخطر. وهو ما يحصل لدى البحث عن أدوية منقذة لا يمكن العثور عليها الا بمحض الصدفة. ما يقود إلى وفيات بعض اخبارها يصل إلى أجهزة الاعلام، وبعضها الآخر يسجل في خانة الحظ السيء والقضاء والقدر.

من الناحية الاستشفائية يمكن وصف هذه الوفيات على الصعيد القانوني بأنها قتل متعمد. أما المرضى الذين يتعذر عليهم الحصول على الدواء، أو الدخول إلى المستشفيات فتوصف حالتهم بمحاولة قتل، نظراً للخطر الذي يتهدد حياتهم. أما المتهمون في الحالتين، القتل المتعمد ومحاولة القتل فهم:

أولاً – مستوردو الأدوية / الوكلاء الحصريون لجميع الأدوية، والذين يرفضون بيعها للصيدليات والمستشفيات لأسباب محض مادية.

ثانياً – مستوردو المستلزمات الطبية، وهم أيضاً وكلاء حصريون لها ويرفضون بيعها حالياً على أمل تحقيق أرباح خيالية بعد زوال الدعم حالياً.

ثالثاً – المستشفيات التي ترفض استقبال المرضى الذين لا يستطيعون دفع كلفة العلاج نقداً.

رابعاً – المصرف المركزي الذي يتلكأ في دفع فواتير الأدوية والمستلزمات تبعاً للسعر المحدد.

خامساً – السلطة العامة المعنية بالأمن الصحي وفي مقدمها وزارة الصحة، وذلك بسبب امتناعها عن مداهمة المحتكرين والمستشفيات بحجة أن الدستور والقوانين المرعية الإجراء تحمي الملكية الخاصة. علماً أن الوضع الصحي الراهن يتطلب تطبيق قانون الإغاثة نظراً للأخطار الفعلية التي تهدد حياة المرضى اللبنانيين وغيرهم. إذ ينص القانون المذكور على إغاثة الأشخاص المعرضة حياتهم للخطر، وذلك تحت طائلة ملاحقة الممتنعين عن تقديم المساعدة بموجب قانون العقوبات.

وبناءً على ما تقدم، وبما أن السلطة تمتنع عن القيام بدورها المطلوب لإنقاذ حياة المرضى فلم يعد أمام اللبنانيين من خيار سوى الدفاع عن أنفسهم، وهو حق تقر به جميع القوانين والمواثيق والأعراف المحلية والدولية، مع ما يسمح به من إقامة دعاوى على المتسببين بالوفيات.

وتجدر الإشارة في هذا الاطار إلى أن تقرير منظمة الأمم المتحدة للطفولة – اليونيسيف أفاد أن 70% من أطفال اللبنانيين يتناولون وجبتي طعام يومياً. ولدى تتبع تصاعد الأزمة المعيشية في ضوء انهيار الرواتب والأجورالمتواصل، يمكن القول إن الوجبتين باتتا وجبة واحدة يومياً. وعليه، لا بد من توجيه السؤال إلى القوى ومجموعات وتشكيلات الانتفاضة عن الجواب الذي تملكه على هذا الواقع؟ وبأي اتجاه يجب تصويب الضغط ؟ وهل يستمر التصويب على السلطة المستقيلة من مهامها أم على السلطات العميقة المتمثلة في أصحاب الوكالات الحصرية والمستشفيات والغذاء والمحروقات وهم من الداعمين للسلطة السياسية، وجزء لا يتجزأ من تركيبتها الطائفية ومن احتكاراتها.

الثابت أن حياة اللبنانيين في خطر، وهي بحاجة لمن يدافع عنها على مختلف الصعد، ولا سيما الصحية والمعيشية، بما فيه الخلاص من طوابير الذل التي يتعرضون لها على محطات المحروقات ومن أصحاب المولدات التي تستنزف مداخيل مستنزفة أصلاً .

لقد أثبتت التجربة أن تجديد الانتفاضة لا يمكن أن يحصل بوضع برامج وشعارات عامة يصعب تحقيقها، وأن البرامج والشعارات يجب أن تنطلق من الوقائع ومكامن الخطر الذي يتهدد حياة اللبنانيين من الدواء إلى الاستشفاء والمحروقات، وكل ما له علاقة بحياة الناس اليومية. لذلك فالجميع معني بالبحث عن الآليات التي يمكن اعتمادها للدفاع المشروع عن النفس ولكن بطريقة سلمية ديموقراطية ورفضاً للعنف الأعمى الذي لا يقود الا إلى مزيد من خراب “البصرة” اللبنانية!      

Leave a Comment