مجتمع

نيران مخيم “بحنين” والمواقف من قضية اللاجئين السوريين

كتب عماد زهير

ليل 26 كانون الأول الماضي، أي في ليلة عيد ميلاد السيد المسيح، كان المئات من السوريين من مختلف الأعمار يهرعون من مخيم “بحنين” في المنية وسط حالٍ من الرعب الشديد. الرصاص يحيط بهم من كل جانب والنيران تهدد بالتهامهم. والمخيم مطوَّق من مدخليه ولا منجاة من الخطرين سوى بالصعود على سلم ورمي أنفسهم خارج بقعة المخيم التي لا تتجاوز الـ 1500 متر مربع. وعلى جاري مخيمات اللاجئين السوريين تتراصف الخيم البلاستيكية، ولا تترك منفذاً للهرب، فقط تترك مجالاً للنار كي تنتقل من خيمة إلى أخرى حتى تصل إلى الأخيرة التي تحمل الرقم مائة. عدد العائلات المقيمة قرابة 93 عائلة. والحصيلة أن مايزيد عن خمسماية نفس بشرية، لو لم يفروا لقضوا حرقاً.

الأرجح تبعاً للروايات أن عمالاً سوريين اختلفوا مع ضمّان لبناني، من آل المير يستأجر بساتين الليمون، على أجور سابقة لم يدفعها لهم .. ملاسنة ثم غادر الضمّان ليرسل أزلامه المسلحين لتنفيذ الجريمة التي لم يشهد لبنان مثيلاً لها، رغم حالات احتقان متعددة هنا وهناك، ناجمة عن الاكتظاظ والضائقة الاقتصادية والمنافسة وصعوبة الأحوال. المسلحون أقفلوا بوابتي المخيم متقصدين إحراقه بمن فيه، وأطلقوا رصاصهم بغزارة لتختلط أصواته بانفجار قوارير الغاز..

كتلة النار التي تحول إليها المخيم أماطت اللثام في اليوم التالي عن جريمة كاملة. لم يتبق للاجئين أي شيء يساعدهم على تدبير الحد الأدنى من حياتهم اليومية. هربوا عُراة إلا من الثياب التي على أجسادهم. عائلات لبنانية وقرى في المنية والجوار وطرابلس فتحت بيوتها ومساجدها وكنائسها للمنكوبين.  بعض منظمات المجتمع المدني والهيئات الدولية  قدمت لهم مساعدات عاجلة، لكن الحاجات أكبر مما توفر من إغاثة، تبدأ من حليب الأطفال ولا تنتهي بربطة الخبز للكبار.

هذه هي الوقائع المرعبة وهي تتطلب التدقيق في مواقف أكثر من جهة معنية.

 نبدأ من السلطات اللبنانية التي راكمت خلال السنوات التسعة من تهجير مئات ألوف السوريين إلى لبنان موقفاً يتكرر دوماً، مفاده أن اللاجئين هم سبب أزمة لبنان الاقتصادية والمعيشية. وعليه كان المسؤلون يطالبون المجتمع الدولي بمساندة سلطة لا همّ لها سوى سرقة المساعدات التي تصل باسم هؤلاء اللاجئين. أيضاً وأيضاً يجب أن نستذكر تهم الارهاب المتكررة ومنعهم من دخول بعض القرى والبلدات، أو العبارات التي  ُخطت على الجدران، والتي تصفهم بالأعداء، وتدعو إلى ترحيلهم إلى أي مكان  بعيداً عن لبنان. إذن هناك تحريض على الوجود الاضطراري السوري في لبنان رسمي وأهلي بالأصل، والإدعاءات تتجاوز الاقتصاد إلى الديموغرافيا والتركيبة الطائفية وما شابه. 

الطرف الثاني الذي يجب التوقف عنده هو أرباب العمل. فقد استغل معظم هؤلاء الضائقة المعيشية التي يعانيها اللاجئون لفرض شروط وعلاقات أقرب إلى العبودية منها إلى علاقات عمل. وما على السوري الذي عليه أن يعمل لتحصيل قوته الا أن يرضخ لهذه الشروط. ومثل هذا الأمر له علاقة مباشرة بقانون العمل الذي استثنى العمال الزراعيين وحراس وخدم البيوت من أحكامه، ما جعل رب العمل يتصرف كيفياً مع من يعمل لديه. باعتباره مجرداً من حقوقه في الحد الأدنى للأجور والضمان وساعات العمل وغيرها. كل الذين يشاهدون كيف يتم نقل العمال والعاملات إلى ورش العمل بالشاحنات مكدسين فوق بعضهم البعض، يدرك أنهم لا يعاملون كالبشر، خصوصاً في زمن تفشي وباء كورونا. إذن يتصرف أرباب العمل أو معظمهم على الأقل مع هؤلاء المحتاجين للعمل أنهم أقرب إلى العبيد من الناس الأحرار. وعليه يعمد قسم منهم إلى حرمانهم حتى من  الأجر المتفق عليه. بالطبع لايمكن أن يصل هؤلاء إلى حقوقهم بطريقة قانونية، فالطريق إلى محاكم العمل مقفلة امامهم، ولا من يدافع عنهم نقابياً، نظراً لأنهم لا يدخلون في حسابات اتحادات ونقابات أحزاب السلطة وملاحقهم.

الفريق الثالث هو السلطات السورية التي يجدر مواجهة موقفها من اللاجئين إلى لبنان وغيره من الدول. إذ لا يدخل هؤلاء في حسابات العودة إلى “سوريا المفيدة”. وقد تم تهجيرهم أصلاً بطريقة مدروسة لتعديل التوازن السكاني في البلاد لصالح أقلية مهيمنة لها مركز ثقل فئوي،  وإن كانت تضم شرائح وفئات من مختلف الطوائف والمذاهب. الخارجية السورية أصدرت بياناً استنكرت ما جرى ودعت السلطات اللبنانية إلى التحقيق في الحادثة وإحالة المسؤولين عنها إلى القضاء. أما التحقيق في أحوال مواطنيها من اللاجئين وكيف هربوا من بيوتهم وأرزاقهم، وما تعرضوا له من قصف  بالبراميل المتفجرة وسوق إلى السجون  والمعتقلات، فهي أمور لا تقع في باب اختصاص تلك الوزارة، التي لم تجد هي أو سواها سبيلاً للاعتراف أن سوريا التي أرغمت أبناءها على الرحيل باتت في غضون سنوات المحنة عبارة عن مسلخ كبير لا يتيح الحد الأدنى من البقاء على قيد الحياة لأبنائه أو العودة بعد تهجيره.

الجهة الرابعة المسؤولة هي المنظمات الدولية المعنية بشؤون اللاجئين السوريين، والمقصود هنا هي المفوضية السامية لشؤون اللاجئين خصوصاً، التي ارتضت من الدولة اللبنانية هذه المخيمات العشوائية التي تفتقد مقومات الحياة الانسانية السوية. وهذا المستوى من العلاقات والتعامل مع اللاجئين يجري وينفذ خارج اطار القوانين والمواثيق الدولية التي تضمن لهم حقوقاً ثابتة ومعترفاً بها، بما فيها القوانين اللبنانية. لقد صمتت هذه المنظمات على أداء السلطات اللبنانية منذ أن بدأت قوافل اللاجئين تصل للاراضي اللبنانية وما تزال حتى اللحظة.

يبقى أن نشير إلى أن العديد من الجهات كررت أن الحادث فردي… ما يستدعي طرح العديد من الأسئلة حوله وكيف تم التحضير له، ومن أين وكيف جاء المسلحين بعدتهم الحربية الكاملة… ثم كيف يمكن تفسير الصمت من بعض السلطات عما جرى… أسئلة كثيرة ولا جواب، تضاف إلى أسئلة أهالي وضحايا تفجير المرفأ، التي لا تجد جواباً يحدد أسبابها ومسبباتها وأبطالها من مسؤولين سياسيين وإداريين.

Leave a Comment