سياسة

الخليج والمشرق العربي وواقع الاستباحة الاميركية الايرانية

كتب محرر الشؤون الدولية

في إطار المواجهة المستمرة والمحتدمة منذ أربعة عقود، بين النظام الإيراني والولايات المتحدة وحلفائها، ومع كل حدث  له الطابع العسكري أو الأمني، يتجدد تبادل التهم والتهديات بالرد. وفي امتداد ذلك، يستمر الحصار الخانق لإيران وشعبها، منذ ما قبل الاتفاق النووي الموقع معها، وفي اعقاب خروج الولايات المتحدة منه بذريعة تجاوزه من قبل النظام الايراني، ومساعيه المحمومة لتكريس وتوسيع مواقع نفوذه في منطقتي الخليج والمشرق العربي. وهي المواقع التي تأسست له، عبر نجاحه في استغلال التركيب الاجتماعي الموروث لكيانات المنطقة وانقساماتها المذهبية والطائفية، وما هي عليه من تخلف اجتماعي واستبداد سياسي.

في موازاة ذلك نجحت اسرائيل في استغلال تهديدات قادة إيران بتدميرها وإزالتها من الوجود، والعمل على تطوير وتعزيز ترسانتها العسكرية والأمنية الاستراتيجية  لحماية وجودها ودورها ومصالحها في المنطقة. كما في توظيفها لتغطية تصعيد مواجهتها لنضال الشعب الفلسطيني المحاصر، ومتابعة تنفيذ مخططات الاستيطان التوسعية والتصفية لقضيته الوطنية. يضاف إلى ذلك الاستثمار في تراجع مستوى حضور الصراع العربي الاسرائيلي بمساهمة إيرانية، وتبدل وجهته للسلام معها وفق خارطة طريق اميركية، انتجت عقد مؤتمرات دولية واقليمية وتوقيع اتفاقات تعاون وتطبيع متعددة.

وفي معادلة الصراع  المفتوح والمتصاعد بين اميركا وحلفائها مع إيران، وبالنظر لاختلال موازين  القوى لمصلحة حليفتها الاستراتيجية، فإن اسرائيل فعلياً هي خارج دائرة الاستهداف المباشر، رغم استمرار قادة إيران في رفع شعار”زحفاً زحفاً نحو القدس”. بينما  التهديد يطال وحدة كيانات دول الجوار العربي جراء الاستباحة المستمرة لدواخلها.

يؤكد ذلك المشاركة العسكرية والأمنية الإيرانية المباشرة في الصراعات والحروب الاهلية  الدائرة، خاصة في العراق وسوريا واليمن ولبنان، في امتداد التدخلات الدولية والاقليمية بإدارة ورعاية اميركية كاملة. كما يؤكدها أيضاً ما تتعرض له دول الخليج خاصة السعودية من تهديدات، نتيجة تحالفها مع اميركا وتدخلها في حرب اليمن، ومن ضربات عسكرية وعمليات تخريبية، تطال مؤسسات ومواقع منشآت داخل حدودها، كما في مياهها الاقليمية، سواء من ايران أو بواسطة الميليشيات والأذرع التابعة لها في المنطقة. 

 وما يؤكد الضعف العربي وتحديداً الخليجي، هو تطلب الحماية الاميركية  والدولية الدائمة لدول المنطقة وأنظمتها. الأمر الذي  أجادت العهود الاميركية المتعاقبة الاستفادة منه والاستثمار فيه بما يتوافق ومصالحها الاستراتيجية، وأن يكن الرئيس الحالي ترامب قد تفوق في استغلاله بشكل استثنائي. بدءاً من توسيع وتطوير ما الاتفاقات  العسكرية والأمنية  المعقودة سابقاً، تحت راية حماية المنطقة من الخطر الإيراني، إلى إنشاء وتوسعة  العديد من القواعد العسكرية الاميركية فيها. بالاضافة إلى عقد صفقات شراء شتى انواع الاسلحة التقليدية والاستراتجية مع اميركا بشكل رئيسي.  وصولاً إلى تنظيم  مئات العقود الاستثمارية الضخمة لمصلحة شركاتها، سواء لتطوير المنشات النفطية أو في ميادين الصناعة والسياحة والبنى التحتية والاعمارية، في إطار مشروع النهوض السعودي20/30، والتي تجاوز مجموعها كلفتها مئات مليارات الدولارات، ما شكل اكبر مشروع إخضاع ونهب منظم للمنطقة شهدته البشرية والعالم.

رغم ذلك، استمر ولم يزل الضعف الخليجي، موضع ابتزاز اميركي لأنظمته مع كل حدث عسكري أو أمني تتعرض له داخل بلدانها يأتيها من إيران أو من الميليشيات التابعه لها في اليمن وبلدان الجوار.

  أما انعدام الردود على ما تتعرض له دول الخليج، فسببه سيف التهديات الإيرانية القائم بالمرصاد. وفي هذ المجال لا بد من تسجيل اختلاف الأداء وردود الفعل بين كل من السعودية والإمارات التي ادانت اغتيال المسؤول النووي الإيراني، بعدما نجحت تهديدات الحرس الثوري لها  بإخراجها من حرب اليمن. كما وأن التصعيد الاميركي الاسرائيلي  ضد إيران، ورغم كل الاتفاقات فإن كيانات الخليج وتحديداً السعودية لاتزال هدفاً  دائماً وجاهزاً للانتقام الايراني. أما استهداف مدنها ومؤسساتها ومنشآتها النفطية من قبل ميليشيات الحوثيين وكلاء ايران في اليمن، فالرد الاميركي لا يتجاوز التهديد بوضع الحوثيين على لائحة الارهاب. في الوقت الذي تتعمّد فيه اسرائيل إحراج النظام السعودي، والاعلان عن تسريع  وتيرة الاتصالات واللقاءات معها برعاية اميركية في اطار مسار التطبيع المتسارع الخطى في المنطقة.

واستناداً إلى هذا الواقع وبصرف النظر عن  المفاجآت التي سيقدم عليها ترامب  خلال ما تبقى من ولايته الرئاسية، فإن كل الدلائل والمؤشرات تؤكد أنه من الإستحالة بمكان، أن يقدم خلفه الديمقراطي جو بايدن على تغييرات دراماتيكبة في سياسة بلاده حيال أزمات المنطقة، التي لن تكون في جدول أولوياته التي تتقدمها معالجة ملفات الاقتصاد والتصدي لمضاعفات أزمة انتشار وباء كورونا، وترميم العلاقات مع الحلفاء وعلى الصعيد الدولي.

وخلافاً لتوقعات ورهانات قادة ايران وأنصارها الفرحين بهزيمة ترامب، من غير الوارد أن يقدم بايدن على رفع الحصار وإنهاء العقوبات المفروضة على النظام الايراني ومؤسساته واجهزته والميليشيات الملحقة، بالسهولة التي يتوقعها هؤلاء أو يرغبون بها. هذا ما تؤكده تصريحاته المعلنة والمتعلقة بصعوبة العودة للاتفاق قبل تعديله وتضمينه المزيد من الشروط والقيود على البرنامج النووي الايراني، وتوسيعه ليشمل الاسلحة البالستية الاستراتيجية. إلى جانب التزام ووقف كل اشكال التدخل في أوضاع دول الجوار التي ستشارك في المفاوضات القادمة، بالإضافة للتوقف عن المشاركة في الحروب والنزاعات المندلعة حالياً، ووقف الدعم للميليشيات التابعة لها، بما يفتح الأفق لمعالجتها وفق الشروط والمصالح الاميركية، وبما يلبي مطالب اسرائيل في ضمان وجودها وأمنها وتكريس دورها الاستراتيجي كشريك اميركي في مخططات السيطرة والهيمنة على دول ومجتمعات المنطقة وشعوبها، وإدارة شؤونها واستغلال ونهب مقدراتها.

 وعليه ليس غريباً أن تلجأ أنظمة الاستبداد والتخلف إلى طلب الحماية الاميركية، وتجاهل ما حل بأمثالها عند التخلي عنها. وليس مستهجناً أن يتجدد رهان بعض القوى والنخب على الإدعاءات الاميركية  بنشر الديمقراطية وحماية حقوق الانسان، الأمر الذي تعاكسه سياساتها ووقائع تدخلاتها ونتائج حروبها في شتى أرجاء العالم. كما ليس مستغرباً أن يستمر البعض في الاعتقاد أن أنظمة الاستبداد يمكن أن تأتي بالتقدم والتطور لمجتمعاتها والتحرر الوطني لحلفائها من الدول والقوى المرتهنة لها. تبقى الحقيقة المرة، أن الحماية الخارجية  ليست سوى احتلال مقنّع، والارتهان للخارج والإستقواء به أبعد ما يكون عن الوطنية. 

Leave a Comment