سياسة مجتمع

“حزب الله” والاعتداءات على قوات اليونيفيل والشيخ عودة: أزمة مستفحلة يرد عليها بتصعيـد العنف السياسي والاهلي

زهير هواري

 بيروت 15 حزيران 2025 ـ بيروت الحرية

رغم بيانات الاستنكار التي يصدرها حزب الله مع كل مناسبة ينفذ فيها “الأهالي” الاعتداءات على قوات “اليونيفيل” في الجنوب، فمسار الاحداث لا يعبر سوى عن قرار ضمني بممارسة المزيد من الاعتداءات على هذه القوات، لأهداف لها علاقة بالمأزق الذي يعانيه الحزب حاليا، ومنذ التوصل إلى وقف اطلاق النار قبل ثمانية أشهر. كما يمكن ربط هذه التعديات بما تشهده المفاوضات الايرانية – الاميركية في كل من عُمان وايطاليا، وما تمر به من صعوبات التوصل إلى صياغة اتفاقات محددة على صعد تخصيب اليورانيوم والدور الاقليمي لايران والاسلحة البالستية والحصار الاقتصادي وغيرها. ويكتمل المشهد مع الهجوم الاسرائيلي على ايران وما أحرزه من نتائج على صعد مصرع العديد من القيادات العسكرية والأمنية والعلماء والمفاعلات النووية.

ومع أن البعض أشار إلى تباين في مواقف قيادات الحزب من التعديات على اليونيفيل، بين فئة مستنكرة وفئة مؤيدة، الا أن تواتر الاعتداءات وشمولها يؤكد أن هناك ما يشبه “أمر عمليات”، بات معه أي عنصر أو “أخ من الأخوة” في هذه القرية أو تلك المدينة، يتجرأ على ممارسة التعدي على جنود هذه الوحدات. وهو ما جوبه باستنكار واسع من جانب المراجع السياسية الأساسية والرأي العام، نكتفي بما أورده الرؤساء الثلاثة. فقد شدَّد رئيس الجمهورية جوزاف عون خلال استقباله الموفد الفرنسي جان ايف لودريان على الإدانة بـ «أشد العبارات الاعتداءات المتكررة على اليونيفيل»، ورأى أن «هذه التصرفات تعرّض أمن واستقرار جنوب لبنان وأهله للخطر وتمس بالمصلحة الوطنية». وطلب رئيس الحكومة نواف سلام من الأجهزة المعنية «ضرورة التحرك لإيقاف المعتدين على قوات الطوارئ الدولية وإحالتهم إلى القضاء المختص». أما رئيس المجلس النيابي نبيه بري فقد أعلن أنه مع اليونيفيل ظالمة أو مظلومة، مؤكدا على أهمية بقائها في الجنوب لمصلحة أهله ولبنان. ما يؤشر إلى غياب موقف موحد من الثنائي، الذي طالما تلطى خلفه المعتدون. أما الرئيس السابق للحزب «التقدمي الإشتراكي» وليد جنبلاط فقد اعتبر ” الحفاظ على القوات الدولية في جنوب لبنان أكثر من ضرورة تفادياً للدخول في المجهول في زمن الفوضى والحروب الذي يسود في العالم”. والمجهول الذي أشار له جنبلاط بات جانب منه معلوما، في ضوءالاشتباك المندلع بواسطة القوتين الاسرائيلية والايرانية، مع تراجع الحديث عن المفاوضات السياسية بين كل من اميركا وايران. ما يعني أن الدبلوماسية أخلت السبيل للمواجهة العسكرية بينهما.

وبالعودة إلى موضوع اليونيفيل، من المعروف جنوبيا أن هناك تباين واضح بين موقفي حركة أمل وحزب الله حيال القوات والقرارات الدولية وممارستها مهامها في الكشف عن مخازن الاسلحة ومصادرتها تنفيذا للقرار 1701 .

وعلى الرغم من الموقفين الشعبي والرسمي المدين لهذه الاعتداءات، فذلك لم يمنع من التمادي، في هذا النهج بدليل تلاحق الاعتداءات، وتحول أي عنصر من عناصر حزب الله إلى “مقرر” عن ضبط التحرك الميداني للقوات الدولية، وما اذا كانت تتم بالتنسيق مع الجيش اللبناني من عدمه. ومن المعروف أن الاعتداءات لم تقتصر على منطقة الجنوب اذ تجاوزتها قبلا إلى العاصمة حيث جرى  الاعتداء على وحدة من هذه القوات على طريق المطار، ونهب أموال قائدها الذي تعرض للضرب ودخل إلى المستشفى.

وتأتي الاعتداءات فيما يتصاعد الحديث عن عدم التمديد للقوات الدولية المقرر أن يعرض على مجلس الامن في شهر تموز المقبل. ومع أن أنباء نشرتها الصحافة الاسرائيلية تحدثت عن توجه اميركي – اسرائيلي بعدم التمديد للقوات الدولية، وترك الامور على غاربها في منطقة الجنوب واستطرادا نحو مجمل الجغرافيا اللبنانية، الا أن هذه المعطيات جرى نفيها لصالح معطيات شبه راجحة تتحدث عن أن الولايات المتحدة لم تلحظ في موازنتها للعام الحالي، المساهمة الاميركية في تمويل عمل القوات الدولية في الجنوب. ومن المعلوم أن أميركا هي من أكبر الدول الممولة لها. ومعنى مثل هذا الكلام الضغط الاميركي لتخفيض عدد القوات العاملة في الجنوب، إلى ما لا يزيد عن 2500 عنصر أي بقاء ربع القوات لا أكثر ولا أقل، كما تشير بعض المعطيات. ومن شأن ذلك أن يفتح المجال أمام القوات الاسرائيلية لمضاعفة اعتداءاتها البرية على طول الحدود الجنوبية، وكذلك الاستباحة الجوية لسائر المناطق اللبنانية وآخر نسخة منه ما جرى عشية عيد الاضحى في القصف الذي تعرضت له الضاحية الجنوبية لبيروت.

على أي حال تضج الاوساط السياسية والدبلوماسية بالأسئلة المقلقة حول طبيعة الاهداف المقصودة من مسلسل الاعتداءات، وهل هي موجهة ضد العهد والحكومة، أم أنها أبعد من ذلك ومرتبطة بالعلاقات الايرانية – الاميركية ومجمل الوضع الاقليمي وما يخطط له. ويظل سؤال الأسئلة هو: مَن هو المستفيد من حشر أو دفع «اليونيفيل» ووحداتها إلى الانسحاب من جنوب لبنان؟ وبالتالي ما هو مصير تنفيذ القرار 1701؟ الذي وافق عليه حزب الله والثنائي والحكومة اللبنانية، ونحو ماذا يمكن أن تتطور الامور في حال سقوطه؟ وهنا تصبح الاسئلة أكثر الحاحا وتتعلق بمستقبل لبنان عموما، على صعيد الملفات الساخنة المفتوحة، لجهة حصرية السلاح بيد الجيش اللبناني، وبسط سلطة الدولة على سائر اراضيها والاصلاح السياسي والقضائي وعملية الإعمار وهلمجرا من مسائل مطروحة.

وبالطبع ما هو عندها مستقبل الجنوب ولبنان وسط ما يترافق مع ذلك من استمرار الدمار والعجز عن إعمار ما تهدم، وانتشار الفوضى المحتدمة على الحدود وبين مكوناته الاجتماعية، خصوصا وقد تبين من بيان مجلس بلدية بدياس المحسوبة على حركة أمل والعالي اللهجة، اعتبرت ما جرى بمثابة «تصرف فردي مرفوض ولا يعبر عن موقف أهالي البلدة أو أبناء الجنوب عموماً»، مؤكدة كل الاحترام والتقدير لقوات «اليونيفيل» ودورها في حفظ الأمن والاستقرار في المنطقة، مشيدةً بـالتعاون البنّاء بينها وبين البلدة.

وبدورها أعلنت قوات «اليونيفيل» في بيانها أنه “بينما كان جنود حفظ السلام يقومون بدورية مُخطط لها بالتنسيق مع الجيش اللبناني، جوبهوا من قبل مجموعة من الأفراد بملابس مدنية في محيط الحلّوسية التحتا، جنوب لبنان. وحاولت المجموعة عرقلة الدورية باستخدام وسائل عدوانية، بما في ذلك رشق جنود حفظ السلام بالحجارة. تعرّض أحد جنود حفظ السلام للضرب، ولحسن الحظ، لم تُسجّل إصابات”. ورداً على ذلك، استخدم عناصر «اليونيفيل» تدابير غير فتّاكة لضمان سلامة أفراد الدورية والموجودين فيها.

ومن المعلوم أن كل الاعتداءات التي تتعرض لها وحدات الطوارئ الدولية يتم تنسيبها من جانب حزب الله إلى الاهالي، وهو أمر بات ممجوجا ولا يبرئ القائمين به. وقد نجم عنه مقتل عنصر من القوة الايرلندية بعد أن انحرفت القوة عن خط سيرها الرئيسي المقرر، ما أدى إلى اطلاق النار عليها وسقوط قتيل من بين أفرادها. وقد أحيل مطلق النار على المحاكمة العسكرية، وصدر بحقه حكم قضائي، لكن جرى الافراج عنه بدعوى إصابته بمرض السرطان كما قيل عندها. وتربط بعض الاوساط بين مسلسل الاعتداءات وبين ما يعتزمه الحزب من عملية تستهدف في المحصلة دفع قوات الطوارئ إما إلى الانسحاب أو الانكفاء والبقاء في مراكزها. دون القيام بدوريات منفردة أو مع الجيش اللبناني.خصوصا وأن عديد هذه القوات عشرة الآف جندي مقابل سبعة الآف للجيش اللبناني. ما يعني خلو ساحة الجنوب لـلحزب، لعودة وممارسة سلطته، وبالتالي رجوع الوضع إلى ما كان عليه سابقاً قبل فتح معركة الإسناد، رغم اختلاف الظروف في المنطقة ولبنان وعلى صعيد قيام السلطة، وأوضاع البيئة الحاضنة للحزب التي دفعت أكلافا باهظة في الارواح والممتلكات ، ناهيك بما تعرض له الحزب من نزيف قاتل في عناصره وكوادره وقياداته. .

على أي حال يبدو أن الحزب يتخبط في سياساته ليس فقط على صعيد العلاقة مع اليونيفيل، بل مع مجمل البيئة المعارضة لسياساته مهما كانت حدود التعارض، وهو ما بات معتمدا من جانب الحزب كأحد ثوابته. وفالوجه الآخر للاعتداء على اليونيفيل هو ما يعمد الحزب إلى تنفيذه مسلسل من الاعتداءات الميليشياوية على الشخصيات الشيعية المناهضة لـخطه السياسي، سواء أكانوا من المعممين أو المدنيين، بدليل ما تعرّض له مؤخرا الشيخ ياسر عودة من اعتداء بالضرب المبرّح في منطقة حارة حريك، وأمام مكتب مختار المنطقة محمد كمال شحرور. ووفق شهود عيان، فإن مجموعة من شبان الحزب أو الأهالي، أقدمت على الاعتداء الجسدي على الشيخ عودة، كما أن مختار الباشورة متورط هو الآخر في هذا الاعتداء. ومع أن الحزب أوفد مجموعة للاعتذار من الشيخ عودة متنصلا من الجريمة، إلا أن ما يعرفه الجميع أنا ما حدث يرتبط بالثقافة السياسية التكفيرية التي نشرها الحزب على امتداد عمره منذ التأسيس وحتى اليوم. والتي يعتبر بموجبها كل من لا يقول قوله أو يتعارض مع خطابه هو متآمر ومشبوه وتابع للسفارات الغربية وصهيوني يتوجب اقصاؤه عن المجتمع والتخلص منه طردا أو قتلا. والشواهد أكبر من أن تحصى وتعد. والخطورة في هذا المنحى أنه يتم وسط انفلات العدوانية الصهيونية على المنطقة برمتها في فلسطين وسوريا وايران، ما يضع لبنان في قائمة الاستهداف.