سياسة

الزراعة اللبنانية وأوضاع الفلاحين وسط القصص الفارغة!

أما الآن فهم يسقطون بـ ” الضربة القاضية ” التي لا يؤخرها الإطراء المغشوش من أن قطاعهم يؤمن الأمن والإكتفاء الغذائي ويخفف الحاجة للاستيراد، وأن للزراعة دورها الرئيسي في إعادة التوازن إلى التوزع الديموغرافي بين الريف والمدينة. فالريف منذ أجيال وأجيال يعاني من نزف الهجرة والنزوح لدول الاغتراب متى تيسر ذلك، أو نحو الداخل اذا سُدت سبل السفر في وجوه أبنائه.

بات الحديث عن الزراعة أشبه ما يكون بالعودة إلى قصص الفولكلور على كل شفة ولسان، وانبرى السياسيون كل من ناحيته يتحدث عن فوائد العودة إلى الأرض، وما تحققه من اكتفاء ذاتي .. وبلغ الحماس ببعض القادة أن دعوا أنصارهم إلى الزرع على شرفات وسطوح المنازل، وقالوا إن مؤسساتهم المعنية جاهزة لتقديم البذور والشتول والمشورة و … يجري هذا في ما الصحف الغربية والمحلية تتحدث عن الأمن الغذائي المفقود والعوز والمجاعة المحدقة بالبلاد، ما يذكر اللبنانيين بمجاعة الأجداد في العام 1915.

ولم يكلف أحد من رواة القصص الفارغة هذه، عناء السؤال عن مصير وأحوال المزارعين والفلاحين في المناطق الزراعية الفعلية، والتي تزداد فقراً مع كل طلوع شمس وغروبها.. يتبين مما قيل في موسم الحديث عن الزراعة أن قائليها لا يعرفون شيئاً عن قضايا وأوضاع قطاع يتضاعف العاملون فيه فاقة مع كل موسم. حتى بات هناك سؤال حقيقي حول إمكانات بقائهم منتجين بعد أن تضاعفت الأكلاف وتقلص التصدير وتراجع الاستهلاك وتراكمت الخسائر… كل هذا معطوفاً على تصاعد الكلفة مع الانهيار المتمادي في قيمة العملة الوطنية. وما يزيد من الخطورة أن الحكومة الحالية وكذلك ما سبقها لم  تلحظ يوماً من قريب أو بعيد ما من شأنه نجدة القطاع الذي يعيش مواتاً منذ عقود وسنوات طويلة.

فالمتابع لواقع المزارعين والفلاحين في البقاع الأوسط، وما يصح عليهم يصح على سواهم في باقي البقاع والشمال والجنوب والجبل، يكتشف أن انهيار قيمة العملة الوطنية كان الأخطر والأقسى في تاريخ الأزمات المتتالية على المزارعين الذين يعتاشون من هذا القطاع المهمل والهامشي تاريخياً. أما الآن فهم يسقطون بـ ” الضربة القاضية ” التي لا يؤخرها الإطراء المغشوش من أن قطاعهم يؤمن الأمن والإكتفاء الغذائي ويخفف الحاجة للاستيراد، وأن للزراعة دورها الرئيسي في إعادة التوازن إلى التوزع الديموغرافي بين الريف والمدينة. فالريف منذ أجيال وأجيال يعاني من نزف الهجرة والنزوح لدول الاغتراب متى تيسر ذلك، أو نحو الداخل اذا سُدت سبل السفر في وجوه أبنائه.

يعتمد المزراعون بحساب ارتفاع كلفة زراعتهم على واقع مزرٍ قوامه ما يلي:

  • لا وجود لمصانع أسمدة في لبنان، باستثناء معمل سلعاتا لإنتاج الفوسفات الآحادي العادي بسعر 440 دولاراً للطن الواحد، والثلاثي بسعر 650 دولاراً  بحساب اعتمدته الشركة المنتجة مؤخراً على قاعدة تسعير الدورلار بـ 3850 ليرة.
  • لا وجود لإنتاج بذور في لبنان ، خصوصاً وأن البذور المستوردة هي مهجنة ومضادة للفيروسات المستوطنة في التربة.
  • لا وجود لمصانع أدوية ومبيدات مضادة للحشرات والفطريات في لبنان.
  • مصادر الاستيراد للأسمدة والأدوية تتوزع على السوق الاوروبية والشرقية وبعض الدول العربية وتسدد قيمتها بالدولار الاميركي ونقداً لتجار هذه المواد، خلافاً لما كان عليه الوضع سابقاً بانتظار الموسم والقطاف.
  • لا وجود لبنك تسليف لتمويل العملية الزراعية ما يقود إلى وقوع الفلاحين في حبائل شبكة من التجار والشركات ومالكي الأراضي.

أكلاف زراعة الدونم المروي للزراعات الأكثر شيوعاً ( بطاطا، بصل ، بندورة  و..) مرتفعة، فالبطاطا كلفتها حوالي الـ 1000دولار، تتوزع بين ضمان أرض وريها وثمن بذار ورش مبيدات وأسمدة. معدل الإنتاج للدونم الواحد هو 3.5 طناً كحد أقصى، في حين أن المعدل في قبرص هو 5 أطنان، و5.5 في اسرائيل. تُدفع أكلاف هذه الزراعة بالدولار الاميركي تبعاً لسعر السوق باستثناء أجور اليد العاملة. أما البصل فتزيد كلفته عن 1200 دولار، ويتعرض الإنتاج للإغراق في السوق بفعل الاستيراد والتهريب من سوريا. وكلفة دونم البندورة 1600 دولار، والنبتة تتعرض لأمراض حشرية وفطرية معالجتها مكلفة. وتصل كلفة زراعة الفليفلة إلى 1800 دولار. والملفوف والقرنبيط إلى حدود الـ 1000 دولار. أما أسعار الإنتاج فكارثية. قد أتلف الفلاحون هذا الموسم الملفوف والقرنبيط مثلاً وأباحوه للرُعاة كون أجرة قطافه لا يوازي كلفة إتلافه. .. ينطبق الوضع على زراعات عدة، عدا تراجع الإنتاج بفعل التلوث وإنهاك الأراضي وغيرها.

يضاف إلى الأكلاف، الزيادة الطارئة على سعر المازوت بفعل التهريب، فقد وصل سعر التنكة إلى 25 و35 ألف  ليرة، وهناك نفقات صيانة وتصليح الآليات الزراعية مع أسعار قطع الغيار التي تدفع بالدولار الاميركي. ويتكامل ذلك عندما نجد مثلاً أن اتفاقية التيسير العربي تطبق على لبنان، ولا تطبق على سوريا، والتي عمدت مؤخراً إلى فرض رسوم إضافية على الشاحنات والبرادات اللبنانية ما ضاعف كلفة التصدير وأعاقها عن الإتجاه “شرقاً”. يضاف إلى ذلك كله تشريع الحدود اللبنانية لعمليات التهريب على الخطين من المعابر الشرعية  وغير الشرعية.

يشار إلى أن وزراة الاقتصاد لم تدفع للفلاحين دعم زراعة القمح عن عام 2018 – 2019. كذلك لم تدفع مؤسسة إيدال الدعم المفترض للصادرات الزراعية منذ ثلاثة سنوات.

ولا تنتهي مأساة المزارع عند ما أوردناه، وما سقط سهواً، اضافة إلى العلاقة بين الدائن وهو هنا تاجر المواد اللازمة للإنتاج وتجار سوق الخضار في قب االياس، والمدين بما هو المزارع الضحية بكل أبعادها الاستغلالية، فقد رفع تجار سوق الخضار الكوميسيون على المئة للبيع في سوق الخضار من 5% إلى 10 %، عدا العلاقة غير المراقبة بين المزارع المنتج وسوق الخضار.

المزارعون والفلاحون يُجمعون أن خسارتهم واقعة حتماً خصوصاً بعد أن تجاوز سعر صرف الدولار في السوق السوداء  الـ 9000 ليرة.

وحديث نكبة المزارعين يطول ويتواصل الا في حال قرارهم امساك قضيتهم بأيديهم ورفعهم راية  تضامنهم ومغادرة انقساماتهم الطائفية والمذهبية وتشكيل نقاباتهم المستقلة عن الطبقة السياسية، وتأسيس تعاونياتهم مثالاً ( تعاونيات الشمندر السكري، مزارعو البطاطا، الخضار، البيض الطازج  والفروج و..) ، ووعي مشاكلهم  واستعادة عملهم النقابي المستقل الذي يطرح همومهم ومعاناتهم بدلاً من سماع قصص لا تمر الا على السُذج من المريدين!.

[author title=”احمد الزغبي” image=”http://”]كاتب لبناني[/author]