مجتمع

ندوة منظمة العمل اليساري الديمقراطي لمناسبة عيد العمال: صليبي و هواري يؤكدان ضرورة عودة الروح للعمل النقابي

بيروت 3 أيـــار 2023
أقامت منظمة العمل اليساري الديمقراطي العلماني ندوة في مقرها لمناسبة الاول من أيار عيد العمال العالمي تحت عنوان “أزمة الحركة النقابية والعمالية اللبنانية”، تحدث فيها كل من الخبير النقابي الباحث الدكتور غسان صليبي، والنقابي والاعلامي وفيق هواري وحضرها حشد من العمال والعاملات والمثقفين والنقابيين.

بعد ترحيب من أمين سر المكتب التنفيذي للمنظمة د. زهير هواري، واستذكار النقابيين المؤسسين، عرض للواقع الذي يضغط على العمال والأجراء وعموم ذوي الأجور المحدودة وسط تراجع مخيف في قيمة النقد الوطني وانهيار الخدمات العامة وانتهاك القوانين وتجاهل ما تتيحه من حقوق وضمانات. فلا لقمة العيش في المتناول ولا حبة الدواء ومثلها حق التعليم، ولا الضمانات الاجتماعية والصحية باق منها ما يطمئن البال. فحق الاستشفاء أصبح امتيازاً لإغنياء الأغنياء دون سواهم، وسط جشع التجار والاحتكارات، فكلما ارتفع الحد الأدنى للاجور تضاعف الفقر والجوع. وباتت الملايين التي يعدون بها العاملين في القطاعين العام والخاص مجرد أرقام لا تنقذ من حاجة وعوز.

وأضاف: يحدث هذا بعد أن جرى تطييف وإلحاق النقابات و الاتحاد العمالي بمواقع وقوى السلطة، حتى بات لا يحرك ساكناً إلا متى قرر الممسكون بزمام الأمور تحريكه. فلم تعد النقابات نقابات ولا الاتحادات اتحادات بعدما أصبح مرجعها لدى المكاتب العمالية في أحزاب السلطة الميليشياوية.

وختم بالقول: رغم هذه الصورة القاتمة، ورغما عن المستفيدين والمستثمرين فيها، أؤكد أن لا سبيل أمامنا ولا مهرب من إعادة بنائنا لحركة نقابية مستقلة عن هذه السلطات المافياوية، كي تعود إلى الشوارع، من أجل إنقاذ الوطن وانتزاع الحقوق واستعادة الكرامة من هذه عصابة السلطة التي احترفت النهب والاستغلال.

وتحدث بداية د. صليبي فتطرق إلى تعريف الأزمة، وقال إن ما تعانيه الحركة النقابية اللبنانية لم يحدث بالأمس بل يعود إلى أواخر التسعينيات، إذ ظهر عندها عجزها عن تحسين الأجور والحفاظ على التقديمات الاجتماعية، ناهيك عن شبه إقصائها لدى وضع السياسات الاقتصادية الاجتماعية. وأضاف: لقد سبق واقترحت النظر إلى النقابة من خلال ثلاثة أبعاد هي: حرية النقابة، وديمقراطيتها وفعاليتها. وتوقف عند هذا المثلث فرأى أن ذلك يحيل حكماً إلى حرية الأعضاء وحجم ومستوى الديمقراطية والمشاركة. ورأى أن التنظيم النقابي لا يكون ديمقراطياً اذا لم يكن مستقلاً عن الخارج. وعرض لما يتم اعتماده من قواعد لدى الحديث عن الفعالية بما هي رسم الحدود المهنية والقطاعية ووضع استراتيجية لعدة سنوات، واعتماد أشكال التحرك النقابي لتحقيق المطالب، وإعطاء أهمية أكبر لتنظيم الحملات كشكل من أشكال الضغط، والعمل لبناء النموذج التنظيمي كبديل عن النموذج الخدماتي، والانخراط مع المنظمات الدولية النقابية، والمشاركة في شبكات المجتمع المدني المحلية والعالمية، لا سيما تلك المعنية بحقوق الانسان والمرأة ومكافحة الفقر. والعمل على توحيد الأجراء بغض النظر عن انتماءاتهم الأثنية والقومية والدينية والسياسية، والالتزام بالنظام الديمقراطي كإطار سياسي صالح للنضال من أجل العدالة الاجتماعية. ولاحظ ختاماً أن آثار العولمة تتجلى في تراجع مضطرد لدور الدولة في السياسات الاقتصادية والاجتماعية وتفكك أنظمة المفاوضات الجماعية، وهو ما نشهده في البلدان كافة التي فاقمت أوضاعها السياسات النيوليبرالية .

وعرض لمبادرة ساهم بها في العام 2019 من أجل وضع خطة لتفعيل عمل الاتحاد، ولكن اندلاع الانتفاضة وانتقادها أحزاب السلطة التي ينتمي إليها قادة الاتحاد العمالي جعلته ينأى بنفسه عن المشاركة انتفاضة تشرين الشعبية، وأن يتشارك مع قوى السلطة في توجيه الاتهامات للناشطين فيها. وقد استمر موقفه على هذا النحو إلى الآن. واشار إلى المتغيرات على طرأت على نقابتي المحامين والمهندسين في ظل وهج الانتفاضة. إلا أن تراجعها سهل على   قوى السلطة استعادة مواقعها. وأعاد التذكير ببعض مقترحاته داعياً إلى تنظيم العمال والموظفين الذين ليس لديهم نقابات في القطاع الخاص وتقديم الدعم الاستراتيجي والتنظيمي للتحركات النقابية الحالية، والتي برهنت عن استقلالية في طروحاتها ونهجها. وإعادة قراءة الواقع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي بموضوعية تفتح الأعين على الواقع الجديد المتغير جذرياً في زمن الانهيار والمرشح للاستدامة طويلاً. وهو ما يتطلب تحديد معالم السلطة الحالية وقواها الفعلية، ليس فقط لتوجيه الضغط الاجتماعي باتجاهه الصحيح، بل لفهم الخلفية الاقتصادية ـ الطبقية المذهبية لهذه السلطة وللمصالح التي تدافع عنها. وختم باعتبار أن فشل التحركات النقابية العمالية القطاعية يتطلب تجاوز الطروحات المطلبية القطاعية، ويطال البناء القائم وتحديداً ما يسمى خطة التعافي التي لن ترى النور من دون موافقة صندوق النقد الدولي. واقترح تشكيل كتلة نقابية مستقلة عن النقابات والاتحادات القائمة تعمل على استقطاب كل المتضررين من هيمنة أحزاب السلطة وممثليها النقابيين، مع التشديد على أهمية وضرورة تجديد قراءة الوضعين الاقتصادي والاجتماعي بعيداً عن الترسيمات الجاهزة.

ـ سينشر موقع “بيروت الحرية” النص الكامل لمداخلة الدكتور غسان صليبي الاسبوع القادم.

واعتبر النقابي والاعلامي وفيق هواري أن النقابات والاتحادات اليوم مجرد هياكل فارغة وأسماء على غير مسمياتها بعد أن باتت تستمد شرعيتها من أحزاب الطبقة المسيطرة وليس من العمال أو العملية الديمقراطية الداخلية. ففي مجلس المندوبين إتحاد يضم 1000 منتسب يتساوي مع اتحاد يضم 50 منتسب، وهذا الامر هو تغييب للعملية الديمقراطية الفعلية، والاتحاد العمالي هو الآن عبارة عن ورقة تستخدم في النزاع السياسي ضمن اطراف السلطة الحاكمة. وانتقد السياسات الحزبية النقابية  القائمة على المحاصصة   بما فيها الاحزاب اليسارية التي تنادي بالديمقراطية، وتدّعي الانتساب للمعارضة والتي تستهدف  تكريس مواقع نفوذ لها في الاطر النقابية، أو ممارسة الوصاية عليها.

وتطرق هواري  إلى سياسة الهيمنة على الحركة النقابية ومصادرة قرارها التي اعتمدتها سلطة الوصاية السورية مباشرة أو عبر رموزها المحليين. وقد ساهم تراجع وضمور دور اليسار، في تمكين قوى السلطة الطوائفية من وضع يدها على الاتحادات والنقابات، إلى جانب تفريخ العشرات منها، حتى بات لكل مهنة نقابات. وفي مثل هذا المناخ جرى حصار ما تبقى من قوى ديمقراطية نقابية ليس فقط في الاتحاد العمالي، بل في اتحاد نقابات الجنوب. وعرض لتجربة اللجان العمالية  في مدينة صيدا ومحافظة الجنوب وتركيزها على القطاعت العمالية في مواقع الإنتاج، وكيف تمت محاصرتها من خلال السياسة الرسمية التي أشرف عليها ممثلو سلطة الوصاية من المسؤولين اللبنانيين والمجتمع الأهلي على حد سواء ما قاد إلى تدمير الفعالية التي طالما عرفت عنها. وأكد أنه من موقعه النقابي في الاتحاد عاصر منوعات الضغط وصولاً إلى الاحتواء والتفريغ. وقال إننا نعيش في واقع يختلف كلياً عن ذلك الذي كان سابقاً. ما يتطلب من كل من يسعى إلى عودة الروح للحركة النقابية الديمقراطية المستقلة والفعلة أن يتعرف على التحولات التي حدثت في غضون العقود الماضية، لمعرفة ما تبقى من قطاعات وقوى إنتاج بعد أن هاجر معظم العمال المهرة وذوي التاريخ النضالي النقابي. أما المجموعات التي انبثقت عن الانتفاضة فلا لاعلاقة لها بالعمال وعالم العمل، بدليل أن دعوتنا لها للمساهمة في إعادة تفعيل الحركة النقابية لم تقابل بالايجاب.

وختم قائلاً: نحن نفتقد الى  نخبة ملتزمة بقضايا العمال في القطاعات كافة، كي تدرس الواقع ما فيه من عاملين ومعامل وظروف عمل وتقديمات وحدودها وفعاليتها وقدرتها على تأمين العيش الكريم كي نتبين مواقع أقدامنا.

ثم فتح باب المداخلات التي تناولت أهمية ابتكار وسائل نضالية جديدة تتماشى مع العصر للتواصل مع العمال، وإمكانية نشوء تجمعات ولجان عمالية داخل النقابات القائمة، ومدى خطورة فقدان المعارضة السياسية الشعبية للسلطة وأثر ذلك على الحياة النقابية، وما يعانيه العمال من تهديد لقوة عملهم وسط وفرة المعروض من اليد العاملة الغير لبنانية، وأهمية العمل على استرداد النقابات من أيدي رموز السلطات الطوائفية، وضرورة عقد جلسات حوار معمقة لمناقشة الوضع وللوصول إلى صياغة توجهات يمكن أن تجيب على التحديات البالغة الخطورة التي يتعرض لها الوطن والدولة والفئات وخصوصاً علاقات العمل وما تتعرض له من إجحاف.

Leave a Comment