سياسة مجتمع

لماذا ضاعت انتصاراتنا؟!

زهيرهواري

بيروت 16 أيلول 2023 ـ بيروت الحرية

للمرة الواحدة والاربعين تمرذكرى انطلاقة جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية، واللبنانيون غارقون في عذاباتهم المقيمة واليومية. تمر الذكرى وتتدافع الأسئلة عن ذلك السر الذي أحال حياتهم إلى كابوس مزعج لم يعد معه من مجال سوى توقع كارثة تلحق بأختها، وإن كانت مختلفة بعض الشيء إلا أنها تتساوى معها في المرارة بهذا القدر أو ذاك. تمر الذكرى ووحدهم وجوه شهداء ومفقودي تلك المرحلة ما تزال نضرة وكأنها تركض في بستان الاحلام الذي لم ولا يتقادم. على كل من لا يصدق أن ينظر إلى وجه أحدهم / احداهن في صحن الدار، ليدرك أن هؤلاء الذين حملوا دماءهم على راحاتهم ما زالوا ينبضون بالأمل، رغم ما شعروا به من ألم عندما وقعوا صرعى زخات رصاص الأعداء المتمترسين في مواقعهم الحصينة.

لماذا 16 أيلول 2023 مختلف عما قبله، وما قبله مختلف عما سبقه، وهكذا تتلاحق السنين دون هوادة، وكأننا نقف على مقصلة العمرالنازف، وليس أمامنا سوى الصور المعلقة، والذاكرة الحافلة بالوجوه الأنيسة. عندما صدر البلاغ الأول الأول ظن كثيرون أن أمين عام منظمة العمل الشيوعي محسن ابراهيم وأمين عام الحزب الشيوعي اللبناني جورج حاوي اللذين أطلقا النداء الاول لحمل سلاح مقاومة المحتلين الغزاة مجنونيْن، أو في أحسن الأحوال مغامريْن. لم يقولا أن السلاح زينة الرجال. قالا: ليُخرج الرجال والمناضلين السلاح المخبأ إلى المواجهة  ودحر الغزو من أجل بقاء الوطن وزوال الاحتلال. تحدثا عن التحرير والتوحيد والديمقراطية والبلد، وفي المقدمة منه عاصمته التي احتلت شوارعها جنازير دبابات العدو الصهيوني. نعم للمرة الاولى في تاريخ المنطقة عاصمة عربية تسقط ضحية سنابك آلة حرب العدو.

دبابات تصول وتجول بقضها وقضيضها من مدافع ودروع من الحديد الصلب، تفلح  طرقاتها، وابراهيم وحاوي يتحدثان عن التحرير، وكأنهما في منام لا يريان الواقع المباشر في أعقاب ثلاثة أشهر من الصمود البطولي. كثيرون اعتبروا الدعوة مغامرة غير محسوبة جيداً. لأن المقاومين الأوائل كانوا مكشوفين إلى هذا الحد أو ذاك. ودماء  ضحايا مجزرة صبرا وشاتيلا تغطي فضاء المدينة وتفيض على وسائل الاعلام في العالم بأسره. من يتحدث عن التوحيد في مثل تلك اللحظات ورغيف الخبز ممنوع أن يمر ومثله حبة الدواء وقطرة الماء و… أما الديمقراطية فأبسط مقوماتها العيش في وطن يتساوى فيه أبناؤه في الحقوق والواجبات وحق الحصول على ربطة الخبز، ناهيك بالأمن الشخصي والعام. لا نريد إستعادة رواية ما حدث تلك الايام بوجهيه المترع بالخوف والمفعم بإرادة الانتصار والحياة… بعد أيام سيسمع أبناء بيروت ذلك النداء يتردد من مكبرات الصوت في منطقة عائشة بكار يطلقه جنود الاحتلال “يا أهالي بيروت نعلمكم أننا خارجون من مدينتكم فلا تطلقوا علينا النار”. لم تعد قصاصات طيران الاحتلال الصفراء تتراقص في سماء المدينة محددة للمواطنين طرق خروجهم من العاصمة التي أطبق عليها حصارهم من السماء والماء والجبال القريبة والبعيدة. الآن الخارجون تحت صليات الرصاص هم الغزاة الذين ظنوا أنهم باقون على صدورنا إلى الأبد.  كانت بيروت هي البشارة الأولى وستليها بشائر مضرجة بدماء المقاومين الذين لم يسألوا أجراً عن دمائهم ونضالهم.

ما زال السؤال مطروحاً لماذا تشظت أحلام المقاومة  في التحرير والتوحيد والديمقراطية ؟ وما هو السر المخبأ في مصباح علاء الدين الذي جعل من تلك الدماء التي يختزنها الفانوس السحري أشبه ما تكون بمياه سراب صحراوي، مع أن وجوه المقاومين ما تزال خضراء يانعة كأنها تستيقظ صبيحة يوم صيفي … بالطبع لا يُسأل عن ذلك الشهداء والجرحى والاسرى والمفقودين الذين أمضوا أسابيع وشهور وسنوات طويلة في غياهب معسكرات الاعتقال في أنصار وعتليت والخيام وغيرهم … يُسأل عن ذلك أولئك الذين تسلموا راية المقاومة فأسلموها إلى من لا يعنيه أمر التوحيد والديمقراطية في شيء…  لمن رأى المقاومة مجرد فصيل في حرب أهلية طائفية لا تقيم وزناً لما يتعدى الفئة التي تنتمي إليها. ما رأي هؤلاء الأشاوس الذين شرَّقوا وغرَّبوا في حروبهم إلى الحد الذي جعل المواطنين، مع ما يعانون من ذل وهوان، يترحمون على أيام الاحتلال ووقائع الحرب الاهلية … يقول احمد فؤاد نجم بصوت الشيخ امام: “يا خوفي بيوم النصر ترجع سينا وتضيع مصر”. قالا ذلك كلمات ولحنا وصوتاً قبل أن تتحرر سيناء وتضيع مصر بأسرها. وفي لبنان أرغمنا الاحتلال على الانسحاب الاضطراري من بيروت والجبل وصيدا والبقاع الغربي وراشيا والزهراني وصور وجزين وأخيراً الشريط المحتل، ولكن لبنان الذي كان محتلاً لم يعد  إلى لبنان، ولا أبناؤه  عادوا إلى بلادهم. كما أن بعضهم رأى في  انسحاب العدو  من الجنوب مؤامرة. وسمح لأولاد الافاعي متابعة نهش لحوم المواطنين، وتعب أعمارهم وكل حقوقهم في حياة كريمة، كتلك التي هي حق من حقوق كل سكان الكوكب من المهد إلى اللحد.

أيها اللصوص والفريسيون لقد بعتم الوطن بأقل من ثلاثين من الفضة كما فعل يوضاس الاسخريوطي.. لعنة الشهداء والمفقودين والمخفيين رغما عنهم .. لعنتهم عليكم إلى دهر الداهرين وأبد الآبدين..

Leave a Comment