مجتمع

فيروس كورونا وأهمية الصمود والالتزام

كتب د. ابراهيم فرج

خلال النصف الثاني من شهر تشرين الثاني الفائت ظهر في مدينة يوهان الصينية، البالغ عدد سكانها قرابة الـ ١١مليون نسمة ( سابع أكبر مدن الصين)، حالات إلتهاب رئوي غير اعتيادية جرى تجاهلها بداية من قبل السلطات المحليّة، وقُمع من قام بالابلاغ عنها بادئ الأمر… أغلب المرضى كانوا من روّاد أو أصحاب محلات فيما يسمّى “السوق الرطب”، حيث تُباع حيوانات بريّة – بحرِيّة على أنواعها، ومنها ما يكون على قيد الحياة. قائمة الحيوانات المباعة تشمل الأنواع التالية: أرانب وأفاعٍي وخفافيش وأسماك ودجاج والخ…. إزدادت الحالات وأدت إلى وفيّات فوق المتوقع، مما حدا بالصين ومنظمة الصحة العالمية إلى الإعلان عن انتشار الوباء الجديد في 31 -١٢-2019، واتفق على تسميته في ١١شباط  ٢٠٢٠ من العام الجاري

…..(Covid19 (Corona virus disease 2019.

فترة حضانة الفيروس، وهي معدية ومصدر خطر، تتراوح بين ٥ و١٢ يوماً (هناك حالات تعدت الـ ٢٥يوماً!)، ولذلك أقرّت فترة الحجر الصحيّ بـ ١٤ يوماً على الأقل، وأن تكون الأيام الثلاث الأخيرة دون أعراض…. 

المُصابون في العالم فاق عددهم الـ 69 مليون نسمة ، قضى منهم ما يقارب المليون ونصف المليون… بينما وقعت أكثر من سبعة آلاف إصابة قاتلة بين أعضاء الطواقم الطبية والتمريضية، وخصوصا في المكسيك والولايات المتحدة الأمريكية واوروبا.. 

ويدخل 5 ٪ من عدد المصابين إلى المستشفيات… ٠،٨ ٪ من هؤلاء تتطلب حالاتهم العلاج في قسم العناية الفائقة (ترتفع النسبة إلى٤٪ في حال كون المصابين من أفراد الطاقم الطبي)…  ونظراً لخطورة الوباء وصلت نسبة الوفيات إلى ٤٪ في اسبانيا، ٣،٨٪  في إيطاليا، ١،٨ في ألمانيا و١٨٪ في أميركا اللاتينيّة، لذلك توجّبَ إصدار تعاميم وقرارات تبدأ من الإقفال العام إلى عزل مناطق كاملة، وتفرض قانون الطوارئ خارج حرم المستشفيات وتعطيل قطاعات…. ونظراً لأن الوباء قد انطلق من الصين، فقد حجرت السلطات أكثر من ٧٨٠ مليون شخص ومنعتهم من الخروج والتخالط، أما إيطاليا التي طالها الوباء أكثر من سواها في اوروبا فقد حجرت أكثر من ٢٠ مليون نسمة، إضافة إلى وقف الرحلات الجوية والبحرية والبرية من وإلى البلاد …. والاجراءات نفسها اعتمدتها دول العالم كلياً أو جزئياً بهذه النسبة أو تلك. 

ومن المعروف أن خطر الوباء يعتمد على مقياس وحيد رمزه هو(R0) (Reproduction Zero ) وهو يعني التكاثر وإعادة إنتاج الفيروس وسرعة إنتشاره … وهو مقياس لمدى خطر عدوى المرض وليس لفتكِهِ بالمصابين… ويعتمد المقياس على ثلاثة عناصر هي:

  1. فرصة انتقال الفيروس من شخص مصاب إلى شخص آخر…
  2. 2-    القدرة على نقل العدوى ( أثناء الحضانة الصامتة).. 
  3. تقصير مدة المرض والعدوى عند المصابين، بما يعنيه ذلك من توفّر الأدوية الفعّالة واللقاح المؤكد…. 

العنصران الثاني والثالث غير منجزين حتى اللحظة، وإن كانت البشرية قد اقتربت كثيراً من الوصول إلى اللقاح بعد أن كرست فاعلية العديد من الأدوية في العلاج … يبقى الرهان على العنصر الأول لتخفيض( R0) والحدّ من خطر إنهيار النظام الصحي، وهو  ما يؤكد على أهمية الإلتزام بالإجراءات الإحترازية والحجر والتباعد الإجتماعي والنظافة…. 

وتهدف القرارات الصارمة إلى الحدّ من الوباء بانتظار العلاج الطبي الأجدى والوصول إلى اللّقاح الأكيد… من هنا فإن الكمامة والتباعد الإجتماعي هما فعل احترام ومواجهة علّمية ضد الفيروس، ولا علاقة لهما بِالإدعاء بالقمع… فقد تحجز الكمامة مؤقتاً الحرية الشخصيْة للفرد لكنّ جهاز التنفس الإصطناعي لا يمنحه إياها بتاتاً…. 

المواجهة مع الفيروس هوعمل متكامل بين مؤسسات الدولة والمجتمع، تراعي فيه مصالح الناس وصحتهم، وتسهر على تنفيذ قراراتها وليس فقط إصدارها، ومواطنين مثقفين واعين وعقلانيين ومتابعين لتطور وضع الوباء والإمكانات المتاحة للتعامل معه، وفي الوقت نفسه يحترمون حرية الآخرين وحياتهم.. ومن المعروف أن تجاهل التوصيات الأممية والوطنية و تحذيرات الجسم الطبي من شأنه أن يضيِّع تضحيات الجسم الطبي والتمريضي، وتُصبح مجرد هباء منثور إذا لم يلتزم الناس بالقواعد والإجراءات المطلوبة…

ونظراً لعدم الالتزام شبه العام بالمطلوب فقد تضاعفت حدة الإصابات في الجسم الطبي والتمريضي، كما ارتفعت نسب وأعداد المصابين في أنحاء البلاد، ووصلت  إلى أرقام مقلقة بالمقارنة مع المعدلات الدولية. وقاد هذا الاستهتار والاستخفاف إلى حال من القنوط لدى الجهازين الطبي والتمريضي، لذلك بدأنا نلمس النقص الواضح  في أعداد المتطوعين، أطباء وجهاز تمريض في أقسام الكوفيد، بعد أن توافدوا بادئ الأمر للعمل والتضحية من تلقاء أنفسهم، رغم ظهور الإعلانات المُغرية بالعطاءات وشدة الحاجة القصوى لأدوارهم…. و لايغير في مثل هذه الوقائع تراجع تفصيلي في اعداد المصابين مؤخراً، وكذلك زيادة الأسرة في أقسام العناية الفائقة.

من هنا تأتي ضرورة الالتزام بتوصيات الجسم الطبي… وأن يلتزم المواطنون الإجراءات والقواعد الإحترازية، ومغادرة وهمي أن الكورونا بدعة وكذبة، وأن الأطباء يرتكبون الأخطاء ويقتلون المرضى. وهكذا ينقلونهم من مربّع الأبطال إلى خانة “المجرمين” لأن مرضى قضوا بالوباء، يما يدعوهم للاعتكاف عن العمل ومغادرة البلاد حتى… الأطباء والممرضون والإداريون أبطال كانوا ويظلون صامدين وسط عاصفة الجائحة …. 

Leave a Comment