صحف وآراء مجتمع

  جامعات أميركا تُطلق شرارة وقف النار.. بغزة!

* رامي الريّس     

تشكل الحراكات الطلابية ظاهرة اجتماعية صحية في مختلف أنماط المجتمعات والأنظمة السياسية، فهي تعبّر عن رؤى شبابية إزاء قضايا سياسية أو اجتماعية أو ثقافية. ويرتبط مفهوم الحركة الطلابية عادة بمفهوم الاحتجاجات الطلابية، وهي حركة اجتماعية تحررية رافضة بطبيعتها.

لطالما شهدت الجامعات الغربية، وخصوصاً في ستينيات القرن الماضي، تحركات إمّا للاحتجاج على سياسات الدول، وإمّا لتحقيق مطالب يعتبرها الطلاب حقاً مشروعاً، وعلى رأسها حرية الرأي والتعبير بصفتها حقاً أساسياً من حقوق الإنسان.

وتاريخياً كانت الجامعات الأميركية محط أنظار في أكثر من مناسبة، فقد شهد ربيع سنة 1970 أول إضراب عام لطلاب الجامعات في الولايات المتحدة شمل أكثر من 400 كلية وجامعة احتجاجاً على غزو كمبوديا خلال حرب فيتنام. أمّا في ثمانينياcustom ohio state jersey tata calzature 24 bottles clima borse y not scontate benetton saldi custom ohio state jersey sac eastpak borse y not al 70 di sconto zalando penn state men’s football jersey zaino mandarina duck outlet mandarina duck outlet emme marella outlet online marella sito ufficiale y not borse tata calzature ت القرن الماضي، فتحرك الطلاب في الجامعات الأميركية انتصاراً لسكان جنوب أفريقيا مطالبين بقطع العلاقات مع الجماعات المدعومة من نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا. وكانت جامعة كولومبيا مركز هذه الحركة الطلابية بقيادة تحالف من أجل حرية جنوب أفريقيا.

ولا شك في أن حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة المستمرة منذ أكثر من مئتي يوم، كانت كفيلة بإشعال الكتلة الطلابية الوازنة في الولايات المتحدة، وخصوصاً بعد أن أظهرت الحقائق زيف الادعاءات الإسرائيلية بشأن الحرب من ناحية، وحجم الدعم الأميركي المطلق وغير المشروط لإسرائيل في هذه الحرب.

وتشهد الجامعات الأميركية منذ بداية الحرب حراكات واحتجاجات عكست مزاجاً طلابياً يرفض الحرب على غزة ويدعو إلى وقفها. لكن ما جرى خلال الأيام الأخيرة أثبت حجم الرفض لدى شريحة كبيرة من طلبة وأساتذة الجامعات الأميركية للسياسة الأميركية إزاء هذه الحرب. وشكلت مشاهد الاحتجاجات التي نقلتها شبكات التلفزة العالمية محطة جديدة في المشهد الغربي المتغير إزاء حرب متواصلة حصدت عشرات آلاف الضحايا، النسبة الأكبر منهم من الأطفال والنساء، أي من المدنيين، في ظل غياب أي محاسبة لإسرائيل عما ترتكبه من عمليات إبادة جماعية في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

إن الأجيال الصاعدة باتت أكثر وعياً وإدراكاً ومعرفة بالقضايا الإنسانية العادلة،

فالاحتجاجات الطلابية التي وُصفت بأنها الأكبر منذ تظاهرات الطلاب التي جرت في نيسان/أبريل 1968، بدءاً من جامعة كولومبيا آنذاك رفضاً لحرب فيتنام والدور الأميركي فيها، بدأت هذه المرة أيضاً من جامعة كولومبيا، وسرعان ما اتسعت رقعتها لتمتد إلى جامعات أُخرى في سائر أرجاء الولايات المتحدة الأميركية، وصولاً إلى جامعات أوروبية في لندن وباريس وسواها من العواصم.

وتصاعدت وتيرة الحراك الطلابي في الولايات المتحدة عقب اعتقال أكثر من مئة طالب من داخل حرم جامعة كولومبيا عندما استدعت رئيستها نعمت شفيق الشرطة لفك الاعتصام بالقوة وإنهائه تمهيداً لاستئناف الدروس، متجاوزة موقف الطلاب المحتجين المؤيدين لفلسطين، والمطالبين بوقف الحرب والامتناع عن التعاون مع الجامعات والشركات الإسرائيلية.  وفي جامعة نيويورك، تضخم المخيم الذي أقامه الطلاب ليصل عدد المحتجين إلى مئات الأشخاص يوم الاثنين. وقالت الجامعة إنها حذرت الحشد داعية إياه إلى المغادرة، ثم استدعت الشرطة بعد أن أصبح المشهد فوضوياً. وقالت الجامعة إنها علمت بتقارير عن “هتافات ترهيبية وعدة حوادث معادية للسامية.”

ولا شك في أن المواقف والخطوات التي اتخذتها كبريات الجامعات لقمع الحركة الطلابية السلمية، مثل استدعاء الشرطة إلى داخل حرم الجامعة، واعتقال العشرات من الطلاب، من شأنها أن تشكل سابقة خطرة في مجتمع ينادي بالديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية التعبير عن الرأي، وتكشف نفاق بعض الأنظمة الغربية التي لا تتوانى عن تطبيق سياسة المعايير المزدوجة، وخصوصاً عندما يتعلق الأمر بفلسطين.

وتقود مجموعات طلابية عديدة هذه الحراكات، منها مثلاً، حركة “طلاب من أجل العدالة في فلسطين” (SJP) التي تُعتبر من أبرز الحركات المؤثرة حالياً في الجامعات الأميركية، وقد تمكنت خلال عقدين من الزمن من إحداث تغيير في الرأي العام لدى الأجيال الشابة في الولايات المتحدة الأميركية، إذ باتت شريحة من هذه الأجيال تؤمن بضرورة تصفية المشروع الاستعماري كحل عادل للقضية الفلسطينية. ويبرز هنا دور الندوات التثقيفية ورفع الوعي والتعبئة والحشد دعماً للقضية الفلسطينية. وبالإضافة إلى عدد من المجموعات المناصرة لقضية فلسطين، هناك مجموعات يهودية تعارض وتهاجم حرب إسرائيل على قطاع غزة، وتشارك في الحراك الطلابي، وفي مقدمها الصوت اليهودي من أجل السلام (Jewish Voice for Peace).

وتدعم الحركة، التي تصف نفسها بأنها أكبر منظمة يهودية معارضة للصهيونية في العالم، التظاهرات في حرم الجامعات الأميركية. وفي هذا الإطار أعربت ناشطة بارزة في الحركة عن تقديرها لشجاعة وتصميم الطلاب في كل أنحاء الولايات المتحدة الذين ينظمون احتجاجات سلمية تدعو إلى وقف الدعم الأميركي العسكري لإسرائيل، كما يدعون جامعاتهم إلى موقف مماثل. وتؤكد الناشطة أن أعداداً كبيرة من الطلاب اليهود هم ضمن هذا الحراك، مؤكدة أن الاحتجاج على الإبادة التي تقوم بها الحكومة الإسرائيلية لا يشكل في أية حال معاداة للسامية.

وتصف صحيفة “الغارديان” البريطانية الاحتجاجات الطلابية بأنها الأكبر منذ الاحتجاجات على حرب فيتنام، ويبدو أن هذه التحركات لن تتوقف قريباً على الرغم من حجم الاعتقالات في صفوف الطلاب، كما أن هذه التحركات باتت بمثابة مشكلة جديدة على السلطات الأميركية مواجهتها. وفي حين يأمل المسؤولون في جامعة كولومبيا أن تتوقف الاحتجاجات مع نهاية الفصل الدراسي في الأسبوع القادم، إلاّ إن مصادر الطلاب توحي بمواصلة خطة التحركات حتى تحقيق المطالب، وعلى رأسها وقف التعاون مع الشركات التي تدعم حرب إسرائيل على غزة، ووقف تمويل الولايات المتحدة لآلة القتل الإسرائيلية.

ويبدي جيم سليبر (Jim Sleeper)، وهو كاتب ومحاضر سابق في جامعة ييل، خشيته من أن يستغل الأشخاص الأكبر سناً الاحتجاجات للتصويب في اتجاه معاداة السامية، لكنه من ناحية أُخرى يؤكد أن الطلاب: “يتعاطفون مع فلسطين، لكنهم ليسوا معادين للسامية.”

أمّا ردة الفعل الإسرائيلية تجاه ما يجري فكانت متوقعة، إذ سعت إسرائيل والجهات الداعمة لها، سواء في الكونغرس الأميركي أو في قطاعات الرأي العام الأُخرى، لتحويل مسار الأحداث والوقائع المعروفة، مشيرة إلى أن هذه التحركات معادية للسامية؛ فرأى رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، يوم الأربعاء، أنه “يتعين بذل المزيد” للتصدي لاحتجاجات مؤيدة للفلسطينيين انتشرت في الجامعات الأميركية في الأسابيع القليلة الماضية. وقال في كلمة مسجلة: “ما يحدث في جامعات أميركية مروع”، واتهم “غوغاء معادين للسامية” بالسيطرة على الجامعات البارزة. وأضاف أن هذا “غير معقول. ويتعين وقفه وإدانته، إدانته على نحو لا لبس فيه.. رد فعل عدد من رؤساء الجامعات كان مخزياً. الآن، ولحسن الحظ، اختلفت استجابة كثيرين من المسؤولين الاتحاديين وعلى مستوى الولايات والمحليات لكن يجب بذل المزيد. يتعين بذل المزيد”.

وفي رد قاس على كلام نتنياهو ومحاولة تصوير الاحتجاجات الطلابية على أنها معاداة للسامية، قال المرشح الرئاسي الأميركي السابق والسيناتور بيرني ساندرز في شريط مصور نشره على صفحته على منصة “إكس”: “لا سيد نتنياهو، ليست معاداة للسامية أو تأييداً لحماس. الإشارة إلى أنه لما يزيد على ستة أشهر، قتلت حكومتك المتطرفة ما يزيد على 34 ألف فلسطيني وجرحت أكثر من 78 ألفاً، 70 بالمئة منهم من النساء والأطفال. ليست معاداة للسامية القول إن القصف الذي قمت به دمّر تماماً أكثر من 221 ألف وحدة سكنية في غزة وشرّد أكثر من مليون شخص، أي أكثر من نصف السكان (…).”

وعندما قرّر رئيس مجلس النواب الأميركي مايك جونسون برفقة مجموعة من النواب زيارة جامعة كولومبيا “في زيارة دعم للطلاب اليهود الذين يتعرضون للترهيب من قبل بعض المحتجين المناهضين لإسرائيل”، وللتعبير عن رفض “الدعوات إلى محو إسرائيل”، استُقبل الوفد بصيحات الاستهجان والاستنكار وتحول الخطاب إلى سجال مع الطلاب الغاضبين من الإجراءات التعسفية التي تطالهم إزاء محاولتهم التعبير عن الرأي بحرية.  أمّا المتحدثة باسم البيت الأبيض كارين جان بيير فقالت “إن الرئيس الأميركي جو بايدن يؤمن بأن حرية التعبير والنقاش وعدم التمييز أمور مهمة في الحرم الجامعي.“

إلى أين ستقود الحركة الطلابية في الولايات المتحدة؟ هو سؤال بقدر ما يؤرق معظم المسؤولين في الولايات المتحدة وإسرائيل، فإنه في المقلب الآخر يحيي التوقعات والآمال لدى الفلسطينيين وكل المؤيدين والداعمين لفلسطين وللقضايا العادلة والمحقة بأن الأجيال الصاعدة باتت أكثر وعياً وإدراكاً ومعرفة بالقضايا الإنسانية العادلة.

*كاتب لبناني، مدير مكتب مؤسسة الدراسات الفلسطينية في بيروت، نشرت المقالة على موقع  30/04/2024  | 180Post

Leave a Comment