سياسة

الفلسطينيون وتحدي الوحدة دفاعاً عن بقاء القضية

حتى الآن ما تزال كل من حماس وفتح تؤكدان على خيار المصالحة وصياغة اتفاق وطني لتحقيق الشراكة الوطنية وعودة الروح للحياة السياسية المعقلة منذ 15 عاماً وإلى الآن، والمطلوب هو إثبات ذلك.

كتب محرر الشؤون العربية

   توصل وفدان من حركتي “فتح” و”حماس” في أعقاب اجتماعات شهدتها اسطنبول في 24-9-2020 وبعد نقاش استغرق ثلاثة ايام إلى بيان بينهما، تعهدا فيه بالعمل المشترك والموحد للدفاع عن حقوق شعبهما الفلسطيني وصيانة مصالحه الوطنية، والتصدي لكل المؤامرات حتى تحقيق الاستقلال الكامل، متمثلاً في إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.

   سبق اللقاء انعقاد مؤتمر “الأمناء العامون”، الذي التأم في الثالث من شهر ايلول الماضي في كل من رام الله وبيروت. في الاجتماع واللقاء جرى انضاج معالم رؤية موحدة بين جميع المكونات الفلسطينية، على أن تقدم الصيغة النهائية لحوار وطني شامل بمشاركة القوى والفصائل بوصفها مشروع برنامج نضالي ينطلق من حق الشعب الفلسطيني باعتماد كل ما تتيحه له المواثيق والقرارات الدولية من وسائل سياسية ونضالية للحصول على استقلاله الوطني وبناء دولته المستقلة. وجرى الاتفاق على أن يكون الإعلان النهائي والرسمي عن هذا التوافق الوطني في لقاء يعقده “الأمناء العامون” للفصائل تحت رعاية الرئيس محمود عباس، حيث يبدأ المسار العملي والتطبيقي مباشرة، ممثلاً بانتخابات المجلس التشريعي يليها انتخابات رئاسية، قبل التوصل لانتخابات المجلس الوطني الفلسطيني في نهاية المطاف، وبذلك تتجدد شرعية المؤسسات الفلسطينية  وتتجاوز حال الشلل التي تعانيها.

كانت المراهنة أن تنجح اللقاءات سواء بين حماس وفتح  أو الأمناء العامين في تذليل عقبات منتصبة منذ أكثر من عقد ونصف العقد، شهدت خلالها العلاقات بين الفصيلين الأساسيين توتراً يمكن وصفه بأنه شبه دائم، وإن كانت وتيرته ترتفع وتنخفض تبعاً للمجريات. المهم أنه خلال كل تلك السنوات جرت محاولات لا تحصى لمصالحتهما. ودارت بينهما مفاوضات في الكثير من العواصم، انتهت إلى توقيع موافقات لم تشهد النور. وهكذا ضاعت الاتفاقات التي أبرمت في مكة والقاهرة والدوحة وموسكو وغيرها.. وفي مثل وضع الانقسام هذا، كانت الانعكاسات السلبية تتراكم على موقع القضية داخلياً على الصعيد الفلسطيني في الداخل والشتات، وكذلك اقليمياً ودولياً. وبدا من سياق الأحداث أن الصراع الاقليمي على الإمساك بالقرار الوطني الفلسطيني ما زال يفعل فعله، حيث العديد من الأطراف العربية والاقليمية تسعى إلى التأثير أو إلحاق هذا القرار واستعماله لحسابها، في ظل أوضاع باتت معها المنطقة العربية عرضة لشتى أنواع التداخلات والتجاذبات الدولية اميركية وروسية واوروبية وغيرها. وفي غمرة النزاع الداخلي كانت جرافة الاحتلال الاسرائيلي تتابع نهش البيوت والاراضي في الضفة الغربية المحتلة، يضاف إليها عمليات القمع والقتل اليومي، وتوسيع المعتقلات والسجون وزيادة منسوب الاستيطان. أما قطاع غزة حيث سلطة حركة حماس فقد عاش تحت منوعات الحصار المحكم، وأكوام الركام الجاثمة جرّاء الاعتداءات الاسرائيلية المتكررة عليه. والمفارقة أن ذلك جري بينما اسرائيل تعاني من أسوأ أزمة سياسية بين قواها، بدليل الانتخابات العامة التي تكررت ثلاثة مرات دون أن تحسم الصراع بين المتنافسين الرئيسييْن الليكود وأزرق أبيض .

حاول الفلسطينيون تحصين ما جرى التوصل إليه مؤخراً عبر زيارات لكل من قطر ومصر ودمشق وغيرها، كما حاولوا قبلاً كسر حلقة تراجع دينامية القضية عبر حملات دبلوماسية ونضالية شهدتها أروقة الأمم المتحدة ومواقع الاحتلال على حدود قطاع غزة، وسجلوا نجاحات في كليهما لم تجد ترجمتها سياسياً، فالدور الذي لعبه وجود ترامب في سُدة الرئاسة الاميركية قلب هذه النجاحات رأساً على عقب، وجرى ما جرى منذ الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال، مروراً باعلان صفقة القرن، وصولاً إلى الحلقة الراهنة ممثلة بإدارة عمليات تطبيع العلاقات بين كل من دولتي الامارات العربية المتحدة والبحرين، مع “التبشير” بالمزيد من الاختراقات للواقع العربي في العمق، بما يجعل من اسرائيل قوة اقليمية رئيسية، ليس على الصعيد العسكري فقط، بل على الصعد الاقتصادية والمالية والخدماتية. اعتبر الفلسطينيون ما يجري عملية طعن في ظهر قضيتهم. ولعل هذا التطور السلبي كان في أصل “عودة الوعي”، إذ بدا من خلال هذا السياق التصاعدي الذي تقوده الولايات المتحدة أن القضية الفلسطينية أمام مخاطر بالغة الخطورة. دون تجاهل المأزق الذي تعانيه كل أطراف المعادلة الفلسطينية، من سلطتي الضفة وغزة والفصائل، وعجزها مجتمعة ومنفردة عن مواجهة مثل هذا الوضع المستجد.

كان من المقدر أن يكون شهر تشرين الأول هو الموعد الذي يدخل فيه الطرفان الفلسطينيان في سياق الاجراءات العملية لترجمة ما اتفقا عليه، وتحقيقاً لذلك يصدر الرئيس محمود عباس مراسيم رئاسية يحدد بموجبها مواعيد وتاريخ إجراء الانتخابات بمراحلها الثلاثة في غضون مدة لا تتجاوز الأشهر الستة، لكن ذلك لم يحدث، ما يؤشر إلى عودة العقبات التي تراجعت خلال الاجتماعات وما اصدرته، إلى  الظهور لاحقاً. وهذا يعني أن المصالحة ما تزال محفوفة بالمخاطر، ومعها بالطبع كل ما جرى إنجازه من تقدم. بالطبع خلال الخمسة عشر سنة المنصرمة من الانقسام نشأت مصالح وقوى بات التشرذم جزءاً من كينونتها ووجودها نفسه، وهي داخلية كما هي اقليمية. ولا شك أن هذه القوى حريصة على استمرار استثمارها في الانشقاقات والتشرذم على حساب القضية وأهلها. وهو أمر يفسر العسر الذي تشهده إعادة لملمة الأوضاع الداخلية الفلسطينية، كما جرى الاتفاق عليها لمواجهة أعباء تراكمت وأخرى في طريقها للبروز على ايقاع قطار التطبيع العربي المتسارع، والمرشح أن يتحول إلى حصار للقضية ومعها المنظومات والتوازنات السياسية العربية. وعليه، لا يمكن التذرع بأمور تفصيلية كتحديد عدد الموظفين بالتساوي بين الضفة والقطاع وما شابه، لتأخر حماس عن الرد رسمياً على اقتراح الانتخابات العامة كمدخل للمزيد من الخطوات الهادفة لإعادة اللحمة إلى المشهد الفلسطيني، الذي يفقد المزيد من أسلحة المواجهة التي يملكها تباعاً، ولا يجد أمامه سوى وحدته الداخلية وفي الشتات لتحصين قضيته. حتى الآن ما تزال كل من حماس وفتح تؤكدان على خيار المصالحة وصياغة اتفاق وطني لتحقيق الشراكة الوطنية وعودة الروح للحياة السياسية المعقلة منذ 15 عاماً وإلى الآن، والمطلوب هو إثبات ذلك.

Leave a Comment