سياسة

العراق صورة مستنسخة عن دول المنطقة

” الواشنطن بوست” تقول “إن الحكومة العراقية الجديدة اعطت مؤشرات جدية بأنها تريد فرض الأمن ووقف الأنشطة المسلحة التى تضر بمصالح العراق”. والملفت أن الكاظمي طرح اقامة علاقة صداقة وتحالفات بين دولة ودولة مع الولايات المتحدة الاميركية، وسط الشكوك باستفحال اللادولة

ان نتناول الشان العراقي فهذا امر في غاية الحساسية. ذلك إنه يعيش اضافة إلى إشكالاته الداخلية لجهة الفساد المستشري المغطى بالانقسامات المذهبية، التى تشرذم سكانه. وحيث العرقية المتأصلة والتي تتطال القاطنين دون اهتمام بمواطنيتهم زد ما انتجته الحرب مع داعش من خراب ودمار، يضاف إليه تلاعب اميركي قائم على الاطماع والمصالح، واجتياح ايراني على كافة الصعد، وتدخل تركي من الشمال لمطاردة حزب العمال الكردستاني او تذرعاً بحماية التركمان. هذا التناتش جعل العراق يلامس حد التلاشي، حيث مؤسسات الدولة أضعف من أن تواجه التنظيمات المسلحة، و فوضى سلاحها جعلها اقوى من أن تسمح بمرجعية الدولة. مما يبقى التخوف قائما ومستمرا من تجدد النزاعات وتصاعد الاغتيالات. وليس الشأن الانمائي أقل صعوبة فقد اشترط صندوق النقد الدولي لتقديم المساعدة المالية أن تخصص المساعدة لإقامة البنى التحتية مع الأجواء المناسبة لإنشاء تلك المشاريع، بمعنى ان تتوفر بيئة امنية وقضائية واستثمارية مناسبة. يزيد الامر تأزما مشكلة منعه حصته المائية من دول المنبع، حيث يحوّل المجرى المائي إبان فصل الصيف ويمنع عن مجراه الطبيعي لنهري الفرات الأسفل وسيروان.

وسط هذه الصورة يتم انسحاب قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة الاميركية من قاعدة “التاجي” العسكرية، وهي ثامن قاعدة عسكرية للتحالف يتم تسليمها منذ آذار الماضي، كما هي آخر موقع يتم تسليمه في بغداد وجوارها. وفي خريطة الرفض والقبول، فالشيعة يرفضون الوجود الاميركي بالكامل مع اختلاف نسبي حول طبيعة استمراره أو الانسحاب. بينما الاكراد والسنة يرون بقاء الاميركيين ضرورياً لتحقيق التوازن تخوفاً من تنطيم “داعش” اولا وعدم قدرة الحكومة على حصر السلاح بيد الدولة وتقوية المؤسسة العسكرية ثانياً. وليس الوقت ببعيد حيث اطبقت قوة مسلحة عراقية على مجموعة من المتسللين الدواعش والذين يحملون جميعهم الجنسية السورية وضبطت معهم مواد ومتفجرات. على المقلب الآخر صوّت مجلس الوزراء على تصميم نصب تذكاري تخليدا لشهداء تشرين في الحراك الشعبي كما صوَّت على قرار يقضي بشمول ضحايا الاحتجاجات بقانون ومؤسسة الشهداء الذي يمنح امتيازات مالية ومعنوية لذوي الضحايا. وعليه تمت اقالة قائد شرطة البصرة على خلفية الخروقات الأمنية وعمليات الاغتيال التى طالت ناشطين في الحراك الشعبي. والاقالة استجابة لمطالب جماعات الحراك، اذ سبق ان هاجم المُقال جماعات الحراك، واتهمهم بالعمالة، وبتلقي الدعم من جهات خارجية. وقد اخفقت السلطات المحلية وقوى الأمن في البصرة بملاحقة الجُناة وايقاف الاغتيالات واستهداف الناشطين.

قبل سفره إلى اميركا صرح رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي ” نحن لا نلعب دور ساعي البريد، والعراق ما زال بحاجة إلى مساعدات الولايات المتحدة لمواجهة التهديد الذي يشكله تنظيم داعش”. وقد سبق لحكومة الكاظمي أن اتخذت اجراءات لمحاربة الفساد الجمركي وفرض النظام وبسط القانون على المنافذ الحدودية للبلاد، وطرد الفصائل المسلحة والجماعات المتنفذة منها. وأمرت أن يتولى الجيش وقيادة العمليات المشتركة تأمين الحماية للمنافذ بدلاً من قوات الشرطة المحلية المتهمة غالبا بالتواطؤ مع المهربين. وقد احدثت اجراءات الحكومة فارقاً لجهة المداخيل المتحققة، وفرض القانون عبر طرد الجهات النافذة في المنافذ والتى غالباً ما تكون محمية من هذا الفصيل المسلح أو ذاك. إن تمكين العراق من استقلاله الاقتصادي يحتاج لحزمة اصلاحات لا تشمل فقط الاتفاقات الاقتصادية، إنما تتطلب فرض معادلة استقرار مستدامة وسط ارتباك سياسي وامني. الفصائل المسلحة هي العقدة والكاظمي بوصفه رئيس حكومة اصلاحية يواجه أزمة اقتصادية خانقة وتحديات أمنية وصحية. لكن التحدي الاكبر هو الحصول على دعم دولي يتزامن مع نزاع معقد بين واشنطن وطهران.

رئيس صحيفة كيهان الايرانية ومستشار المرشد الايراني الأعلى كتب “إن مواقف الكاظمي امتداد للخيانات التى تعرض لها أهل البيت في الكوفة” واضاف ” انه منفصل عن مطالب الشعب العراقي”!!. على الصعيد الامني فر ناشطون من مدن الجنوب بعد معلومات وصفت بانها جدية عن قائمة اغتيالات منتظرة. يقول بعضهم إن الاغتيالات لم تتوقف أبداً في الاشهر الماضية، لكن الاسبوع الماضي ضغط أحدهم زر تفعيل اغتيالات جماعية. ” الواشنطن بوست” تقول “إن الحكومة العراقية الجديدة اعطت مؤشرات جدية بأنها تريد فرض الأمن ووقف الأنشطة المسلحة التى تضر بمصالح العراق”. والملفت أن الكاظمي طرح اقامة علاقة صداقة وتحالفات بين دولة ودولة مع الولايات المتحدة الاميركية، وسط الشكوك باستفحال اللادولة. إن التطورات الأخيرة وضعت الكاظمي بما لا يقبل الشك أمام حالة توجب عليه المواجهة التى سيبقى شكلها وطبيعتها مقترناً بالطريقة التى يفضلها الكاظمي، والتى تراعي خطورة وصول الاستقطابات الاقليمية درجة حرجة. يتوعد الكاظمي بمعاقبة الجُناة ومهما طال الزمان وينتقد الاجراءات الأمنية ويتحدث عن عدم رؤيته لعمل أمني يوازي خطورة جرائم الاغتيال، ويقسم أن دماء الشهداء لن تذهب هدرا. الوفد الأمني الذي رافقه إلى البصرة يظهر حجم القلق الذي تعيشه السلطات العراقية جراء اتساع دائرة الاغتيالات ضد الناشطين في البصرة وغيرها من المحافاظات. وهو شدَّد على رفضه أي أخطاء أمنية تصدر عن القادة الأمنيين أو العناصر. فمن يخطىء ويخفق في أدائه الأمني ستتم محاسبته، ولن يجد مكاناً له. أحد الناشطين يقول:” المشكلة أن السلطات قادرة دائماً على ملاحقة مرتكبي الجرائم العادية وتقديمهم للعدالة، لكنها عاجزة عن ملاحقة الاشخاص الذين يقومون باغتيال الناشطين، وذلك دليل على الطابع السياسي لهذا النوع من الاعمال التى تقف وراءها جماعات وفصائل نافذة والحكومة عاجزة عن ملاحقتها”.

في ظل هذا الفلتان الأمني، يرى الناطق باسم الخارجية الايرانية “أن للعراق مكانة خاصة لدى ايران”، لذا فهي تبدي عزمها على إجراء مباحثات بهدف التوصل إلى اتفاق استراتيجي بين البلدين، تأتي هذه التصريحات عقب الإعلان عن قمة بين العراق ومصر والاردن تعقد في عمان لبحث جملة من القضايا المحورية، بما فيها مشروع “المشرق الجديد” كما سماه رئيس الوزراء العراقي الكاظمي، وبعد زيارة وزيرخارجية السعودية لتطوير العلاقة بين البلدين.

هو العراق في حالة اضطراب أمني وثيق الصلة بأطماع اميركية وطموحات اقليمية ليست أقل خطراً.

[author title=”محمد حسن” image=”http://”]كاتب لبناني [/author]