مجتمع

مصيرالعام الدراسي وسط الأوضاع المعيشية وجائحة “كورونا”

السيناريوهات تتراوح بين الحضور الجزئي أي التعليم المدمج بين نظامي التعليم المياشر والتعليم عن بعد، أو التعليم عن بعد بشكل كامل، وهو المرجح أن يحصل أقله في الفصل الأول من العام الدراسي، مع ما يعني ذلك من مشكلات تتعلق بتوفيرالكهرباء والانترنت والاجهزة الإلكترونية والمناهج الرقمية،

تفيض خطة وزارة التربية للعام الدراسي الحالي 2020 – 2021 بالعناوين التي تهدف إلى توفير انطلاقة جيدة للعملية التعليمية في 28 أيلول الجاري على أن تبدأ بصفوف المرحلة الثانوية وتليها المراحل التعليمية الأساسية. ولكن السؤال هو هل سيكون هناك عام دراسي فعلي في ظل الازمات المتلاحقة التي عصفت بالبلاد مرة واحدة ؟ إذ إن كل واحدة من هذه الأزمات تحتاج إلى خطة طوارئ لمواجهتها، فكيف إذا تعددت تلك الأزمات أو ” الكوارث” دفعة واحدة بدءا بانهيار الأوضاع المعيشية وما تخلفه من ضغوط على المجتمع بدءاً من ذوي التلامذة والطلاب مروراً بالهيئة التعليمية والإدارية وصولاً إلى الطلاب أنفسهم. ومروراً بالانفجار المدوي الذي دمر مرفأ العاصمة بيروت وأصاب أحياءها بما في ذلك عدد كبير من الأبنية المدرسية التي ستكون عاجزة عن استقبال تلامذتها مع بداية العام الدراسي، والمقدرة بموجب احصاءات أولية بحوالي مائتي مدرسة، وأخيرا بانتشار جائحة “كورونا”. يجري كل ذلك وسط النزاع حول الصلاحيات بين الأجهزة المعنية في وزارة التربية: مديريات الوزارة والإرشاد والتوجيه والمركز التربوي للبحوث والإنماء.

ويشهد لبنان أزمة اقتصادية ومعيشية خانقة جدا بعد أن خسرت العملة الوطنية ما يقارب 80% من قيمتها، وارتفاعاً كبيراً في نسبة اللبنانين الذين باتوا تحت خط الفقر العام أو الفقر المدقع، والمتوقع ان تصل نسبتهم في نهاية شهر ايلول الجاري إلى 65% من مجموع السكان، بارتفاع ضعفين أو ثلاثة أضعاف عما كانت عليه العام الماضي. ومن المعروف أن الازمة الطاحنة هذه هي التي شكلت الشرارة الأولى لانتفاضة 17 تشرين الاول من العام 2019، وتنعكس نزوحاً متزايداً من التعليم الخاص الذي كان اللبنانيون يفضلون تسجيل أولادهم فيه مقابل أقساط عالية جداً، نحو التعليم الرسمي، بالرغم من غياب الثقة بمعظم المدارس الرسمية، بسبب ازدحام الفصول الدراسية والاهمال، وعدم قيام وزارة التربية بالمحاولات المطلوبة لتحسينه من خلال رفده بالمزيد من الموارد البشرية والتقنية والمعلوماتية المطلوبة، وذلك  بسبب الضعف الذي يعانيه: بناء، تجهيزات، كادر بشري مدرب، ومناهج دراسية باتت تعود الى ما يقارب 25 سنة خلت، ناهيك عن أن الأكثرية الساحقة من اللبنانيين باتت عاجزة عن توفير ثمن كلفة الكتب والقرطاسية والتجهيزات المطلوبة للإلتحاق حتى بالمدارس الحكومية ومصاريف النقل، بسبب الغلاء المعيشي وارتفاع سعر الكتاب حوالى 10 أضعاف سعره الحالي (أي إن سعر الكتب الذي كان يتراوح ثمنه بين 10 آلاف و75 ألفاً بحسب الصف والفرع، سيتراوح بين 100 ألف و750 ألفاً!).وكل ذلك في ظل خواء صنايق المدارس من الاموال المطلوبة لتسيير أعمالها ومصارفاتها اليومية، والحاجة الى مدرسين جدداً، والكثير من الأدوات كالمقاعد والتجهيزات المكتبية .

وتخيم على قطاع التعليم الخاص أزمات خانقة مع اقتراب العام الدراسي في ظل الازمة الاقتصادية التي فاقمت تداعياتها أزمة “الكورونا “، وهو الذي كان قد شكل عنصراً اساسياً في قطاع التعليم لناحية تميزه على مستوى الإنتاجية الأكاديمية، واستقطابه ما يقارب 70% من تلامذة لبنان، ولكن عمق الازمة جعله يواجه تحديات غير مسبوقة في ظل النزوح الكبير لتلامذته الى التعليم الرسمي (مصادر الإدارة التربوية تقدر العدد بما يقارب الـ 50 ألف تلميذ) الامر الذي سيؤدي إلى اغلاق عدد كبير من مدارسه، مما دفع وزير التربية وأصحاب المدارس الخاصة إلى طلب “النجدة” والدعم من الدولة والخارج، حيث تم اقرار قانون تضمن تخصيص مبلغ 350 مليار ليرة لدعم مدارس هذا القطاع، وفي الوقت الذي كانت الدولة الفرنسية تخصص مبلغ 15 مليون يورو لدعم 53 مدرسة تطبق البرنامج الفرنسي، ويبدو أن انعكاس الازمة سيكون مختلفا وفقا لطبيعة المستويات المتعددة والمختلفة للمدارس الخاصة، ومنها التابعة للمرجعيات الطائفية والمذهبية أو الخاصة المجانية أوالخاص الذي يوفر التعليم لأبناء الطبقة الثرية وبرسوم وأكلاف عالية جداً، أو تلك التي تدير شبكة مدارس في لبنان والخارج، حيث سيكون تأثير الأزمة محصور تقريباً بالمدارس الصغيرة غير التابعة للمرجعيات الطائفية والمذهبية، وبعض الخاصة المجانية بسبب التأخير في دفع المساعدة المطلوبة من الدولة.

وجاء انفجار مرفأ بيروت المدمر ليزيد من حجم المشكلات التي يعانيها قطاع التعليم في لبنان، بعد أن أدى ذلك الإنفجار إلى إصابة حوالي 30 مدرسة باضرار كبيرة جداً و160 مدرسة أخرى بأضرار متوسطة، وتعطيل دراسة 90 ألف تلميذ في القطاعين الخاص والحكومي، لأن المدارس المذكورة عاجزة عن استقبال معلميها وجهازها الإداري وتلامذتها مع انطلاقة العام الدراسي، إلى أن يتم ترميمها المؤخر، وعليه، فإن العام الدراسي لجميع تلامذة لبنان سيكون في مهب الريح بسبب الأزمات المتلاطمة التي تشهدها البلاد. كما حدث العام الماضي على نحو أكثر حدة،  ويدفع ثمنها هذا القطاع.

ويشكل انتشار فيروس كورنا أكثر الأزمات خطورة والتي ستحول دون عودة التلامذة الى مقاعد الدراسة، خصوصا وأنه بلغ مستويات قياسية دفعت لاستمرار حالة التعبئة العامة والإقفال، باستثناء بعض القطاعات الحيوية التي توفرالحاجات اليومية للمواطنين كالغذاء والدواء ….وغيرها، وهوالامر الذي يجعل وزارة التربية مجبرة على وضع السيناريوهات المتعددة لبدء العام الدراسي، وذلك بناءً على حجم انتشار الفيروس. والسيناريوهات تتراوح بين الحضور الجزئي أي التعليم المدمج بين نظامي التعليم المياشر والتعليم عن بعد، أو التعليم عن بعد بشكل كامل، وهو المرجح أن يحصل أقله في الفصل الأول من العام الدراسي، مع ما يعني ذلك من مشكلات تتعلق بتوفيرالكهرباء والانترنت والاجهزة الإلكترونية والمناهج الرقمية، ناهيك أن التعليم عن بعد لن يكون ممكناً كلما تدنت المراحل العمرية للأطفال، ما يعني ان الحصيلة الاكاديمية ستكون ضعيفة جداً.

إن ضبابية الرؤية لا تزال هي السائدة بفعل غياب القرار الحاسم حول مصير العام الدراسي برمته، والذي تحكمه ردود الفعل مرتبكة، وليس التخطيط الدقيق والحاسم بفعل التحديات الاقتصادية والمعيشية من جهة، و”عاصفة” كورنا التي ترفع أعداد المصابين يومياً إلى مستويات خطيرة جداً من جهة أخرى.

[author title=”نضال فقيه” image=”http://”]كاتب لبناني[/author]