مجتمع

العام الدراسي الثالث على التوالي في مهب الضياع والعجز

كتب نضال فقيه


أن يبدأ العام الدراسي الحالي  ( 2021 – 2022 )  بمقاطعة المعلمين الأعمال الإدارية والتربوية والتعليمية، بما في ذلك تسجيل الطلاب في المدارس والثانويات الرسمية، ما هو إلا دليل على الحجم الكبير والخطير للأزمات التي تحول دون انطلاقته، وأولها مشكلة تدني القيمة الشرائية للرواتب وساعات التعاقد كأحد أهم المعوقات التي يفاقمها الارتفاع الكبير في سعر المحروقات، وبالتالي المستوى المعيشي السيء جداً للمعلمين الذين يطالبون برفع رواتبهم وتأمين “بونات” بنزين، كي يستطيعوا الوصول إلى مدارسهم، ما يجعل وصول الأغلبية الساحقة من المعلمبن إلى المدارس أمراً ممكناً.

 وحيث أن هذه المدارس نفسها غير قادرة على تحمل أعباء الكلفة التشغيلية لبدء واستمرار العام الدراسي، دون أن ننسى معاناة الاهالي الذين يعانون من ارتفاع الأقساط في بعض المدارس، وارتفاع كلفة الكتب والقرطاسية واللباس الموحد، وايصال أبنائهم إلى المدارس ومن ثم اصطحابهم عند العودة، بسبب الصعوبة في تأمين المحروقات لسياراتهم وارتفاع كلفتها إن وجدت، واذا اعتمدت بعض المدارس الباصات فكم ستكون كلفة نقل الطالب، التي من المتوقع ان تتخطى الأربعة ملايين ليرة خلال العام، إضافة إلى خطر اصابة الطلاب بفيروس كورونا أثناء تواجدهم في الباصات، بسبب الصعوبة في تطبيق الإجراءات الوقائية الصحية في الباصات الخاصة، والتي لن تكون خاضعة لرقابة إدارات المدارس، حيث يلاحظ يومياً ارتفعاع عدد الاصابات مع ارتفاع حالات الوفاة، والتحذيرات المستمرة من ارتفاع عدد هذه الاصابات مع بداية فصل الخريف، وتراجع الخدمات الطبية بشكل كبير، وفقدان الدواء وارتفاع كلفته وفي الوقت الذي تبدو فيه إدارات أكثرية المدارس غير قادرة على فرض الإجراءت الوقائية على طلابها، وكل ذلك ونسبة الفقر في لبنان باتت تفوق الـ 70 % من مجموع عدد السكان.
إن وقع الأزمة التي يواجهها التعليم في لبنان بفعل العوامل المذكورة آنفاً، لم تكن لتأخذ طابع الخطر الكبير الذي يهدد المستقبل التعليمي والتربوي لجيل كامل من الأطفال والشباب، لو لم تكن حاضرة وداهمة للعام الدراسي الثالث على التوالي، وقد بدأت مع انتشار فيروس “كورونا” الذي فرض إقفال المدارس والاستعاضة عن التعليم الحضوري بالتعليم عن بُعد أحياناً، والتعليم المدمج أحياناً أخرى. وفشل هذين الشكلين للتعليم خلال العامين الدراسيين السابقين، وحيث أن التعليم الحضوري الذي تقرر اعتماده خلال العام الدراسي الحالي، لا يبدو أن مصيره سيكون مختلفاً بفعل العوامل الكثيرة التي تزامنت في تأثيرها السلبي على انطلاقته واستمراره، بفعل غياب أي حلول حقيقة للمشكلات التي تحول دون انطلاقته .
وتتوالى البيانات والتصريحات والمواقف التي تطلقها الجهات المختلفة المعنية ببدء العام الدراسي الحالي من مسؤولين حكوميين وعلى رأسهم وزير التربية في الحكومة الجديدة، والمسؤولين النقابيين في التعليم الرسمي والخاص في نفس الوقت، والتي تتحول إلى ما يشبه الدوران في الحلقة المفرغة، بفعل التخلي المزمن لهذين الطرفيين كل عن دوره المطلوب في تطوير التعليم العام والدفاع عن حق المعلمين بحياة كريمة وحق التلاميذ في التعليم الجيد، بسبب العجز والفساد الذي يطبع عمل السلطة السياسية والحكومة التي تمثلها، والذي أدى إلى انهيار اقتصادي ومعيشي غير مسبوق يشهده لبنان حاليا من جهة، وتخلي الهيئات والروابط والنقابات التي تمثل المعلمين عن دورها وتحولها إلى أدوات تابعة لسلطة المحاصصة الطائفية من جهة أخرى، مما يفقد المعلمين أي قدرة على التحرك والضغط من أجل توفيرالشروط المطلوبة على مستوى الحياة الكريمة للمعلمين، أو التجهيزات التقنية من أجل سير العملية التعليمة بالحد الأدنى المطلوب.
إنه الشكل الذي يأخذه الانهيار الاقتصادي والمعيشي الذي يشهده لبنان على المستوى التربوي، والذي يبقى الخروج منه مشروطاً ببدء عملية الإنقاذ المطلوبة للأوضاع الاقتصادية والمعيشية للأغلبية الساحقة من اللبنانيين، وبالحد الأدنى المطلوب، كتوفير المحروقات والكهرباء والسلع الغذائية الأساسية، وبما في ذلك الشروط المطلوبة لانطلاق العام الدراسي.

Leave a Comment