سياسة

الرقص الأمريكي فوق الدمّ الفلسطيني لن يمرّ على سلام!

سعيد طانيوس

موسكو  ـ 11 تشرين الثاني 2023 ـ بيروت الحرية

الوعي السياسي الأمريكي ساذج وسطحي ولئيم…الساسة الأمريكيون لا يتعلمون من أخطاء وخطايا أسلافهم، ولا يأخذون العبر من أهوال ما عصف بهم من دروس تأديب وتعليم وعقاب. الغارات الإسرائيلية الوحشية على بيروت عام 1982 بمقاتلات أف 16 الأمريكية خلقت كارثة هجمات 11 أيلول/سبتمبر على واشنطن، والإرهاب الدموي الإسرائيلي الذي يمارسه الجيش الصهيوني على غزة والضفة وجنوب لبنان، بأسلحة أمريكية فتّاكة وصواريخ تحرق الحجر والبشر وتذيب العظام، سيشعل فتيل الغضب ويستدعي هجمات انتقامية شرسة تطاول أمريكا ومصالحها ليس فقط في العراق وسوريا والبحر الأحمر، بل وفي عقر دارها أيضا. فويل لأمة لا تتعظ ولا تأخذ العبر، ولا تستفيد من أخطائها وخطاياها وآثام دعمها الأعمى لكيان هجين معتد وغاصب ومقيت.

فمع دخول الحرب الإسرائيلية على غزة شهرها الثاني، يحذر خبراء أمريكيون إسرائيل من وجود احتمال كبير في أن تكون هذه الحرب، هي الحرب الأكثر خسارة والهزيمة الأبلغ، ليس لتل آبيب وحدها، بل ولأسيادها الأمريكيين الذين دفعوا بأكثر أسلحتهم تطورا وفتكا إلى هذه المعركة من أجل حسمها، وقتل أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين والعرب في أسرع وقت ممكن.

جون سبنسر، الضابط الأمريكي المتقاعد والمتخصص في حرب المدن يصل إلى خلاصة في هذا الشأن مفادها أن “الحرب لا تتعلق فقط بهزيمة عدوك، إنها تتعلق بهزيمة إرادة عدوك وتفتتيت عضده وتصميمه على القتال. فأي مدافع محاصر سيخسر مع ما يكفي من وقت أمام هجوم شرس تستخدم فيه أعتى الأسلحة وأقوى الصواريخ وأكثرها فتكا، لكن الأنفاق تسمح للمقاومين الفلسطينيين بالبقاء على قيد الحياة وإبطاء تقدم الجيش الإسرائيلي حتى يطلب منه المجتمع الدولي الذي لم يعد يتحمل جرائمه وعنفه ضد الأطفال التوقف”.

وفيما يحاصر الجيش الإسرائيلي قطاع غزة ويواصل حملة قصف جوي ومدفعي وهجمات برية عنيفة ومدمرة، تقدر صحيفة “أكسيوس” الأمريكية  قوات الغزو الإسرائيلي بحوالي 50 ألف عسكري، مشيرة إلى أن عديد مسلحي حركة حماس لا يتجاوز عددهم 40 ألف مقاتل.

الصحيفة ترصد الأوضاع في أرض المعركة المكتظة بالسكان قائلة إن القتال يستمر الآن في ضواحي غزة، وكذلك حصار بيت حانون. فلم تستطع القوات الإسرائيلية الاستيلاء على مدينة أخرى هي خان يونس. كما أحبط الفلسطينيون محاولة لشن هجوم برمائي إسرائيلي على شاطئ رفح.

بهذا الشأن يرى خبراء آخرون أن “القوات البرية الإسرائيلية تستخدم تكتيكا بطيئا للتقدم نحو مدينة غزة، حيث تقوم بمناورة بين التوغلات والانسحابات، بهدف جذب مقاتلي حماس من أنفاقهم لقتالها، من أجل الكشف عن مواقعهم، ثم ضرب هذه المواقع بغارات جوية  تستخدم فيها أثقل الصواريخ التي يمكنها خرق التحصينات وإحداث زلزال في المكان الذي تصيبه”.

ويلفت جون ألترمان من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية إلى أنه على الرغم من عدم وجود خيار آخر غير النصر، بسبب التفوق الإسرائيلي الساحق على حماس، لكن “من المحتمل جدا أن تكون الحرب في غزة هي الحرب الأكبر في تاريخ إسرائيل التي خاضها الجيش مهاجما وخسرها. وستكون هذه الخسارة كارثية بالنسبة لإسرائيل وستلحق أضرار بالغة بالولايات المتحدة نفسها”.

ألترمان، يقول في سياق تفسير موقفه إن “قوة إسرائيل تسمح للبلاد بقتل المدنيين الفلسطينيين، وتدمير البنية التحتية الفلسطينية، وتحدي الدعوات العالمية لضبط النفس. كل هذه الأمور تعزز أهداف حماس العسكرية ومواقفها”.

من جهة أخرى، تنقل مجلة “تايم” عن عاموس فوكس، الباحث في جامعة “ريدينغ” المتخصص في الحرب غير النظامية، تشديده على أن “تضاريس غزة قد تجعلها أكثر فتكا بالمدنيين من حرب المدن في العراق وسوريا”.

وفيما يعتقد جون سبنسر، وهو ضابط أمريكي متقاعد ورئيس دراسات حرب المدن، أن الجيش الإسرائيلي قادر على تدمير قدرات حماس العسكرية، يشكك عاموس فوكس في ذلك قائلا: “من الناحية الواقعية، فإن مثل هذه الأهداف تكاد تكون بعيدة المنال دائما لأنه من الصعب القضاء على فكرة أو أيديولوجية، وشعب يعمل على تلك الأيديولوجية، خاصة بالنظر إلى الوضع الجيوسياسي الذي كان موجودا هناك منذ عام 1948”.

الباحثان الأمريكيان يتفقان على أن “الضغط من قبل المجتمع الدولي قد يلعب دورا كبيرا في النتيجة النهائية للحرب. فلا إسرائيل ولا أمريكا يمكنهما تجاهل مظاهرات مئات الآلاف من الناس في جميع أنحاء العالم ضد الغارات الجوية الإسرائيلية في غزة، ودعوتهم إلى وقف إطلاق النار والكفّ عن قتل المدنيين والأطفال والنساء”.

أما المعهد الأمريكي للحرب الحديثة “MWI”، فيعتقد أن العملية البرية الإسرائيلية في قطاع غزة “ستحدد إلى حد كبير شكل حرب المدن في السنوات المقبلة، ويصف الخبراء الأمريكيون معاييرها التقريبية على النحو التالي:

أولا: الاستخدام النشط للصواريخ في ظروف الأبنية المتراصة، بخاصة أن حماس لديها ترسانة من الصواريخ تقدر بعدة آلاف.

ثانيا: استخدام طائرات مسيرة أكثر من الصواريخ، فلم “يكن على الأمريكيين في عام 2003 ولا الإسرائيليين في عام 2014 التعامل مع مثل هذا العدد والتنوع من الطائرات من دون طيار، من طائرات الكاميكاز المسيرة إلى المروحيات الرباعية التجارية المعدلة لإسقاط الذخيرة”.

ثالثا: انتشار استخدام الأنفاق والتحصينات تحت الأرض في قطاع غزة.

رابعا: الاستخدام الفعال للأسلحة المحمولة المضادة للدبابات.

هذه الأنواع وغيرها من الأسلحة المحمولة والفعالة سهلة النقل والإخفاء وقليلة الكلفة.

خامسا: استخدام الدعم والقناصة. حماس، بحسب المعهد الأمريكي للحرب الحديثة، “ستسعى جاهدة من أجل القيام بدفاع نشط قائم على القتال المباشر. وتستند هذه التكتيكات على نقاط قوية “المباني المصنوعة من الخرسانة والحديد الصلب، وغالبا مع طوابق سفلية وأنفاق”، وقناصة.

وبهذا الشأن يقول المصدر ذاته إن تاريخ حرب المدن يظهر أن الاستيلاء حتى على مبنى واحد، قد يستغرق أسابيع أو أشهر.

إسرائيل ليست كليّة القدرة، والجبروت الأمريكي ليس مطلقا ولا قدرا وليس دون حدود، لذلك فإن نهاية الحرب على غزّة العزّة ليست قريبة، ونتائجها ليست مضمونة، وانعكاساتها ستكون كارثية على الكيان الصهيوني وعلى أسياده الأمريكيين، حتى ولو حققوا نصرا تكتيكيا مؤقتا فيها، فالحروب لا تنتهي بمجرد سكوت المدافع وسكون الصواريخ وتراجع أزيز الرصاص، لآن ضرامها في النفوس والذاكرة يبقى ملتهبا لعقود …وعقود.

Leave a Comment