ثقافة سياسة

القنبلة النووية الاسرائيلية خيار نازي للتخلص من قطاع غزة وأهله دفعة واحدة

زهير هواري

بيروت 11 تشرين الثاني 2023 ـ بيروت الحرية

ما قاله وزير التراث الإسرائيلي عميحاي إلياهو من حزب “عوتسما يهوديت” (القوة اليهودية) في الخامس من الشهر الجاري، من “أأن إلقاء قنبلة نووية على قطاع غزة هو أحد الخيارات المطروحة، نظراً لعدم وجود أبرياء في القطاع”، لا يعتبر المرة الأولى التي يصدر فيه عن مسؤول إسرائيلي مشيراً إلى احتمال استعمال السلاح النووي للتخلص من قطاع غزة. سبق ذلك ما قالته وزيرة إسرائيلية، وقبله بسنوات ولدى الانسحاب الاسرائيلي الاضطراري تكرر حديث التمني لو أن البحر يبتلع القطاع بمن وما فيه، فترتاح إسرائيل من وجوده مرة واحدة وإلى الأبد. يمكن هنا العودة إلى المأثور العنصري المعروف الذي أطلقه سيسل رودس عندما كان يتحدث عن الانسان الأسود في جنوب افريقيا فقال:”الأسود الجيد هو الأسود الميت”، بذلك يستتب الامر للمستعمر الأبيض وينام ملْ جفونه مطمئناً. في حال انسحب ذلك على المستوطنين الصهاينة يتم استعمال القنبلة النووية ومعها يصبح الفلسطيني الجيد هو الفلسطيني الميت فترتاح إسرائيل من هذا المقيم إلى جوارها ينغص عيشها.

والواقع أنه منذ أن قام الكيان الصهيوني على أرض فلسطين، بادرت إسرائيل إلى الشروع في بناء مفاعلاتها النووية في ديمونة، انطلاقاً من أن امتلاك هذا السلاح يتيح لها التفوق الدائم على العرب وإلحاق الهزيمة بهم. عدة مرات ألمح مسؤول إسرائيلي للتفكير باستعمال هذا السلاح كما حدث في حرب تشرين عام 1973 عندما فوجئت إسرائيل بتقدم الجيشين المصري والسوري نحو الأراضي العربية المحتلة عام 1967. الاستخبارات الأميركية تحدثت بعض مصادرها مؤخراً عن أن إسرائيل تملك 90 قنبلة نووية، بينما كانت مصادر أقدم أشارت إلى ملكيتها حوالي 250 قنبلة. أياً يكن، فالمؤكد أن إسرائيل تملك سلاحا ذرياً جاهزاً للاستعمال في اللحظات الحرجة. ومثل هذه اللحظات يمكن تفسيرها تبعاً لرغبات المتحدثين، ومستوى توترهم الوجودي والخوف على مصير المشروع الصهيوني بالأساس، حتى ولو كانت المخاطر تندرج تحت عنوان مقولة شمشون “عليَّ وعلى أعدائي يا رب ” كما رأى الياهو وكما يمكن أن يقترح سواه.

تصريحات الوزير المنتمي لحزب الوزير المتطرف إيتمار بن غفير الذي يتولى توزيع الأسلحة على المستوطنين، جاءت خلال حديثه لإذاعة “كول براما” الإسرائيلية، حيث أشار فيه أيضاً عندما سئل حول إدخال مساعدات إنسانية إلى غزة، إلى استحالة ذلك. قال إلياهو: “لم نكن لندخل مساعدات إنسانية للنازيين. لا يوجد شيء اسمه غير متورطين في غزة”. إذن لا يكتفي الوزير بقرار حصار القطاع ومنع إدخال إمدادات الادوية والكهرباء والماء والوقود إليه، وما يمكن أن تقدمه الهيئات والمنظمات الدولية من مساعدات عاجلة. أما السبب فلكون سكان غزة هم من “النازيين الجدد” فلا بريء بينهم، يستوى في ذلك المقاتلون مع النساء والأطفال والمرضى وذوي العاهات وأصحاب الامراض المزمنة، فالكل متورط في ما حدث من مقاومة، ويجب أن يعاقب ” بالقنبلة الذرية حيث يمكن التخلص منهم دفعة واحدة، خلاف ما بدأت القوات الإسرائيلية بفعله منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي من حرب إبادة بطيئة ومفتوحة، مع ما يرافقها من تجويع وتدمير، لم ينج منها أحد أو عمران بشري ومسجد وكنيسة ومركز ثقافي ومستشفى وطريق وسوق ومكان إيواء و. .. والحصيلة حتى الآن أكثر من 40 ألفاً بين قتيل وجريح ومفقود، 70% منهم أطفال ونساء تبعاً لتقديرات اليونيسيف.

لا تقف المعادلة عند قتل هؤلاء عبر مجازر موصوفة كالتي يعاينها العالم على شاشات التلفزة ووسائل التواصل الاجتماعي يومياً، وهو يشهد تحول ألوف النساء والأطفال إلى مجرد أشلاء ممزقة بفعل آلة الحرب الإسرائيلية، بل تتعداهم إلى اجتثاث معالم الحياة من تلك المساحة المسماة قطاع غزة. ولذلك يعتبر وزير التراث الإسرائيلي المذكور أن “القيام بقتلهم (الضمير المتصل يعود إلى الفلسطينيين من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي) ليس كافيا”. عندما يسأله المذيع عن وجود 240 أسيراً إسرائيلياً محتجزاً لدى حركة حماس في غزة، يرد إلياهو بالقول: “أصلّي وآمل عودتهم، ولكن يوجد أيضاً أثمان في الحرب”.

وأضاف: “أرغب طبعاً في إعادة المخطوفين، ولكن لماذا هم أهم من الجنود أو من حياة الناس الذين سيُقتلون بعد ذلك؟”، في تلميح منه إلى أن صفقة “الكل مقابل الكل”، أي تحرير الأسرى الإسرائيليين مقابل الأسرى الفلسطينيين، قد تكون لها تبعات مستقبلاً، وأن الأسرى الفلسطينيين المحررين قد يعودون للقيام بعمليات ضد أهداف إسرائيلية.

رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو وصف تصريحات إلياهو بأنها “غير واقعية”، ثم أضاف أن إسرائيل والجيش “يعملان وفق أعلى معايير القانون الدولي، من أجل تجنب إلحاق الأذى بغير الضالعين (في الأحداث)”، على حد قوله. و”أعلى المعايير” ترجمتها القوات الإسرائيلية بعمليات تدمير ممنهجة لم يفلت منها بشر أو حجر، وشملت تهجير اللاجئين إلى جنوب القطاع وكذلك تدمير المستشفيات ومدارس الإيواء التي ترفع علم الاونروا. لكن الفضيحة السياسية لا تقف عند هذه الحدود فقد طالب نتنياهو من رئيس الحزب الذي ينتمي إليه الياهو، أي ايتمار بن غفير بإبداله بوزير آخر أقل عنصرية يمكن أن “يبلعه” الرأي العام الغربي المنفعل على وقع انحيازه لمصلحة اسرائيل، إلا أنه رفض الاستجابة. وهكذا ظل الياهو في موقعه الوزاري لا يتزحزح.

أن تصل المواقف إلى هذا المستوى من الصفاقة العنصرية، ليس صدفة أو تهور وزلة لسان، بل ينتسب إلى التراث الصهيوني الذي يشغل الوزير حقيبته، وهو يمثل صلب العقيدة التي أنتجت إقامة دولة إسرائيل على أرض فلسطين. لعل المتابع لتصريحات المسؤولين يكتشف مدى تجذر العنصرية لدى مسؤولي السلطة الإسرائيلية، سواء أكانوا في الحكومة أو في الكنيست أو حتى في المجتمع. فقد أوهمت البروباغندا الإسرائيلية والأميركية والغربية الرأي العام أن الأمور كانت على خير ما يرام قبل 7 من الشهر الماضي، حتى جاءت حماس بفعلتها فارتكبت الفظائع فانفجر الوضع. وعندما تبين أن الكثير مما ذكر من قتلها للأطفال والنساء مجرد إدعاءات مفبركة، جرى التركيز على أن حماس هي الاسم الجديد لداعش، وأن حماس هي غزة، وأن لا وجود في القطاع لمواطنين يريدون أن يعيشوا حياتهم كبشر عاديين، وأن يذهبوا لأعمالهم ويؤمنوا طعام أطفالهم ومدرستهم وحاجاتهم اليومية. ولأن المقاييس الآدمية مفقودة لدى أهل غزة، يصبح كل ما تقوم به إسرائيل مشروعاً ومباحاً.

المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، قال قبل تصريح الياهو بثلاثة أيام، إن إسرائيل ألقت أكثر من 25 ألف طن من المتفجرات على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بما يعادل قنبلتين نوويتين. وعندما وزع المرصد هذه الكمية على سكان القطاع وجد أن حصة كل فرد في القطاع بلغت 10 كيلوغرامات من المتفجرات. كمية أكثر من كافية لتحيل الكائن البشري إلى نُتَف من اللحم والعظام الممزق والمهروس.

ما ذكره الياهو ليس نسيج وحده، ميزة ما ورد على لسانه أنه قال ما يقوله الآخرون دون النطق العلني به، والا كيف يستمر إنكار وجود الشعب الفلسطيني أصلاً، والإيغال في سرقة أرضه ومياهه وسائر حقوقه الآدمية في الأمن والإقامة والتنقل والعمل وارتياد أبنائه المدارس والجامعات والحصول على المياه للشرب والطبابة وعبادة ربه في الكنيسة والمسجد… يتجاوز ما قاله الياهو العنصرية إلى الفكرة النازية التي تضع كل من هو غير إسرائيلي – متفوق وسام على الآخرين –  في أسفل السلم وما دون الآدمية. ألم يشبه أكثر من مسؤول إسرائيلي الفلسطيني بالحيوان البشري، كونه تجرأ ورفع سلاحه في وجوه جنود ومستوطني “أرض شعب الله المختار”. وهو وصف يمكن أن يطلق على كل من يتجرأ ويفعل فعله كمتمرد على الدونية التي تجعل البشر الباقين مسخرين لخدمة بني إسرائيل، ولا مشكلة حتى في إبادتهم ومحوهم من الوجود، باعتبارهم مجرد كائنات غير آدمية في خدمة الإسرائيلي المتفوق. وهو ما تفعله إسرائيل ليس فقط في مواجهة حماس في قطاع غزة، بل ايضاً فيما تمارسه في الضفة الغربية وجنوب لبنان وكل مكان تصل إليه آلة حربها. الفارق هو في معدلات الضحايا اليومي. ففي القطاع تدك المدفعية والبوارج والطائرات بصواريخها الأحياء على رؤوس ساكنيها، وفي الضفة يضاف إلى بعض هذه الأدوات، المستوطنون الذين يجري تسليحهم لممارسة القتل دون وازع أو قانون يحاسب عليه الفاعل ظلما وعدوانا. يكفي اطلاق النار أو اعدام الضحية بدم بارد واتهامها بكتمان نواياها المبيتة في تعريض حياة المستوطنين للخطر. مؤخراً أضيف جنوب لبنان إلى قائمة الأهداف.

الملفت أن الحرب التي يتعرض لها قطاع غزة والضفة لم تزعج السلطات وحكومات أوروبا الغربية التابعة للسياسات الأميركية، رغم التظاهرات التي تتحدى تلك التصريحات والقوانين المجحفة التي تسنها لحماية الفعل الإجرامي الصهيوني، وينسحب الامر على التيارات السياسية الإسرائيلية مشاركة في الائتلاف الحكومي أو معارضة له حتى. فقد اندرجت هذه القوى جميعاً في مجرى دعم تلك الحرب بما تتضمنه من جرائم موصوفة. وصلت بمعظمها إلى الدعوة لممارسة إبادة كاملة لأبناء غزة وتهجير أكثرمن 2.2 مليون إنسان بعد تسوية مدن ومخيمات القطاع بالأرض، وهو ما يعبر عن انسياق المجتمع الإسرائيلي في حمى التطرف اليميني والعنصري. وهو وضع بالغ الخطورة لأنه يعني ببساطة إمكانية أو احتمال تدمير مستقبل العلاقات بين الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي في حال نجحت يوماً عملية التوصل إلى تسوية.

والملفت أن مثل هذا التوجه وصل إلى قطاع الأطباء بعد أن قام عشرات الأطباء الإسرائيليين، بدعوة الأجهزة العسكرية والأمنية وصناع القرار في دولة الاحتلال، بتفجير وتدمير مستشفى الشفاء في قطاع غزة، بحسب ما أوردته مواقع إسرائيلية. فقد تناسى هؤلاء قسم أبقراط الذي أقسموا عليه والذي يفترض بالطبيب مساعدة كل محتاج إلى خدماته مهما كان لونه وعرقه وعقيدته وموقفه السياسي وموقعه الاجتماعي. فقد وقّع عشرات الأطباء على رسالة موجهة إلى هؤلاء المسؤولين تطالبهم بتدمير المستشفى، قائلين “يتوجب على أولئك الذين يخلطون بين المستشفيات والإرهاب أن يفهموا أن المستشفيات ليست مكانًا آمنًا لهم. يجب القضاء على الإرهاب في كل مكان وبأي طريقة”. وجاء في الرسالة: “بعد أن حذّر الجيش الإسرائيلي المستشفيات للتراجع عن الأمور التي تُستخدم لها، وبعد أن تم توفير سيارات إسعاف لجميع المتعالجين من أجل تلقي العلاج الطبي في جنوب قطاع غزة، فإنه من واجب الجيش الإسرائيلي تدمير أعشاش الدبابير والمستشفيات التي تؤويها”، على حد قول الرسالة.

هذا المنحى يتجاوز هؤلاء الأطباء إلى شرائح أخرى في المجتمع الإسرائيلي، وإلا كيف وصلت الحياة السياسية إلى تلك الأكثرية التي أعادت بنيامين نتنياهو إلى سدة رئاسة الحكومة مجدداً ومعه الفريق اليميني العنصري الذي ليس الوزير الياهو سوى أحد نماذجه؟.

Leave a Comment