صحف وآراء مجتمع

أزمة الحكومات “العربية” مع حليب الأطفال

مصطفى عبد السلام*

لا أعرف ما هي مشكلة بعض الحكومات العربية مع حليب الأطفال، فالملاحظ أن هناك ندرة في الأسواق واختفاء لبعض المنتجات والأصناف من هذه السلعة الرئيسية، واحتكارات من قبل التجار والصيدليات.

تواكب الندرة موجة في زيادات أسعار هذا النوع من الحليب. وبدلا من تحرك الحكومات لمعالجة المشكلة المزمنة راحت تتخلى عن تقديم الدعم لحليب الأطفال وترفع أسعاره بشكل متواصل، وهو ما يمثل إرهاقا شديدا للأسرة العربية التي تعاني أصلا من موجة غلاء غير مسبوقة سواء على مستوى أسعار السلع الغذائية والمشتقات البترولية أو كلفة الخدمات من كهرباء ومياه.

يوم الثلاثاء، الماضي أعلن وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال في لبنان فراس الأبيض رفع الدعم كلياً عن حليب الأطفال بأنواعه كافة، بذريعة عدم توفر خطة لمواجهة ضبط التهريب والبيع في السوق. وجاء القرار الخطير في محاولة من الحكومة للالتفاف على المشكلة، حيث يعاني لبنان منذ فترة من نقص كبير في حليب الأطفال وانقطاع شبه تام من الصيدليات، واحتكار من قبل تجار يعمدون إلى بيعه بأسعار مرتفعة جداً مستغلين الأزمة.

وفي مصر، تشهد السوق المحلية ارتفاعا متواصلا في أسعار أنواع حليب الأطفال، كما قررت أغلب الشركات المنتجة رفع الأسعار بحجة ارتفاع تكاليف الإنتاج. كما سجلت أسعار ألبان الأطفال المستوردة الخاصة بالأطفال من عمر يوم وحتى 3 أعوام ارتفاعاً، وخاصة أنها غير خاضعة للتسعير الإجباري.

ووفق بيانات شعبة الأدوية بغرفة القاهرة التجارية، فإن أسعار لبن الأطفال الحر شهدت ارتفاعاً بنحو 20% بالأسواق عقب إعلان خفض قيمة الجنيه مقابل الدولار، ومن المتوقع زيادة السعر مع استمرار تهاوي الجنيه.

وفي سورية، تعاني الأسواق المحلية من نفاد مادة حليب الأطفال منذ أكثر من شهر، بسبب تهاوي سعر صرف الليرة وتوقف التجار عن استيراد المادة تفاديا للخسائر. كما أخرجت حكومة بشار الأسد حليب الأطفال من قائمة الواردات الحكومية، وتركت المؤسسة العامة لتجارة الأدوية “فارمكس” استيراد حليب الأطفال للتجار الذين يتلقون دعماً باستيراده عبر منحهم الدولار بالسعر الرسمي.

وفي الأردن، كشفت مؤسسة الغذاء والدواء عن ارتفاع أسعار الحليب العلاجي للأطفال بأعمار أقل من عام (الرضع) بنسبة تراوحت بين 2% و3%، نتيجة ارتفاع أسعار الشحن.

وفي منتصف يونيو/ حزيران الماضي قال نائب نقيب الصيادلة رأفت أبو صالح إن الارتفاع الحاصل في أسعار المشتقات النفطية في المملكة أدى إلى ارتفاع أسعار حليب الأطفال البودرة بنسب تراوح بين 8% و10%. ولا أعرف الرابط هنا بين زيادة سعر النفط وقفزة أسعار حليب الأطفال.

يتكرر المشهد في دول عربية عدة، منها السعودية والبحرين وتونس والجزائر والعراق واليمن والسودان، حيث تتواصل زيادة سعر حليب الأطفال، بل إن ملف قفزات أسعار حليب الأطفال في الصيدليات وصل إلى البرلمان، كما حدث في المغرب، حيث تعيش الأسواق المغربية على وقع ارتفاع مهول في أسعار حليب الأطفال بجميع أنواعها.

الحكومات تقف عاجزة حتى عن توفير حليب الأطفال وتبرر ذلك بأسباب واهية، منها قفزات الدولار والحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا وأزمة سلاسل الإمدادات العالمية، لكن ما لا تدركه هذه الحكومات هو أن حليب الأطفال يعادل الخبز في أهميته، كما أن اختفاء حليب الأطفال له مخاطر اجتماعية واقتصادية وصحية عدة، فهو يهدد حياة الرضع، ويزيد حالات التقزم.

*نشرت في العربي الجديد في 14 كانون الثاني 2023.  

Leave a Comment