صحف وآراء

اللاجئون الفارون من لبنان يتطلعون إلى أوروبا التي تصدهم بوابة قبرص عنها

*كاتارزينا ريباركزيك

في دراسة حالة عن اليأس البشري، أدى فشل الدولة اللبنانية إلى دفع اللاجئين إلى قبرص، فقط لمواجهة التراجع والضمير الأوروبي المخدر. ويواجه لبنان واحدة من أسوأ الأزمات في العالم، حيث فقدت عملته أكثر من 90 في المائة من قيمتها، ويعيش أربعة من كل خمسة لبنانيين في فقر. وسط التدهور السريع للظروف المعيشية، وزيادة أسعار المواد الغذائية ونقص الوقود، يغادر الآلاف البلاد على أمل بدء حياة جديدة في الخارج.

ومع ذلك، لم يكن المواطنون اللبنانيون وحدهم من يحاولون الفرار. في السنوات الأخيرة، أصبح لبنان موطنًا لـ 1.5 مليون لاجئ سوري، والذين يتعيَّن عليهم الآن مرة أخرى التماس الحماية في مكان آخر. بالنسبة للبعض، هذا يعني الشروع في رحلة محفوفة بالمخاطر عبر البحر الأبيض المتوسط إلى ساحل قبرص.

وقعت قبرص ولبنان العام الماضي اتفاقاً يسمح لقبرص بإعادة الأشخاص الذين يصلون إلى حدودها عن طريق القوارب. وقد انتقد المجتمع الدولي الاتفاقية لأنها تنتهك مبدأ عدم الإعادة القسرية، الذي يضمن عدم إعادة أي إنسان إلى بلد قد يواجه فيه معاملة قاسية وأذى.

تحديات عديدة

على مدى العقد الماضي، واجه لبنان العديد من التحديات الاجتماعية والسياسية التي فرضت ضغوطًاً كبيرة على اقتصاد البلاد.  في أكتوبر / تشرين الأول 2019، نزل عشرات الآلاف إلى الشوارع للمطالبة بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية ووضع حد للفساد.

على الرغم من أن الحكومة تراجعت في نهاية المطاف واستقالت، بعد انفجار هائل في بيروت، في أغسطس 2020، في مستودع حيث تم تخزين نترات الأمونيوم بإهمال، ولم يُحاسب أحد على ذلك،  ظل العديد من الشخصيات السياسية البارزة في السلطة ورفضوا  إدخال أي من الإصلاحات التي يمكن أن تنهي الأزمة. ومنذ ذلك الحين، حدث تدهور اقتصادي أكثر خطورة وحُرم الآلاف من إمكانيات كسب العيش.

ترك الافتقار إلى الخيارات لكسب العيش وإعالة أسرهم الكثير من دون خيار سوى محاولة الوصول إلى قبرص. أفادت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عن ارتفاع بنسبة 160 في المائة في محاولات الهجرة غير النظامية على الطريق بين لبنان وقبرص منذ عام 2019.

تقدر الأمم المتحدة أن 82 في المائة من اللبنانيين يعيشون تحت خط الفقر، و 36 في المائة في فقر مدقع. يكافح الكثيرون لشراء الضروريات الأساسية، مثل الغذاء والدواء.

قد لا يتم الاعتراف بالصعوبات الاقتصادية كأساس للجوء، لكن الأزمة اللبنانية لها بعد سياسي قوي. فقد أضفا اتفاق الطائف عام 1989 لإنهاء الحرب الأهلية طابعاً مؤسسياً على الانقسامات الطائفية بين المسلمين السنة والشيعة والمسيحيين، مما ترك دولة مختلة، ويزعم العديد ممن يحاولون الفرار من البلاد اليوم أنهم يفرون من الاضطهاد السياسي.

بالنسبة لأسر اللاجئين السوريين، أفادت مؤسسة بروكينغز أن 90٪ يعيشون في فقر مدقع، بزيادة 55٪ عن أوائل عام 2019. وتحتاج غالبية الأسر السورية إلى اقتراض المال، وبالتالي البقاء على قيد الحياة فقط من خلال الاستدانة. لم يعد لبنان مكاناً آمناً لهم، لكنهم في الوقت نفسه لا يستطيعون العودة إلى وطنهم. يقرر الكثيرون تجربة حظهم في الوصول إلى أوروبا، وهو ما يعني غالباً قبرص كمحطتهم الأولى.

صد قبرص

قبرص، على بعد 276 كيلومترًا فقط من لبنان، كانت واحدة من الوجهات الرئيسية التي اختارها الفارون من البلاد لسنوات. لكن كلما وصل المزيد من اللاجئين إلى قبرص، زاد ترددها في قبولهم.

أمرت الحكومة القبرصية خفر السواحل بدفع القوارب التي تقل الأشخاص القادمين من لبنان بعيداً. بعد وصول اللاجئين إلى الساحل، يضطر البعض للعودة عبر البحر مرة أخرى. ويؤخذ آخرون إلى المعسكرات، حيث يجدون أنفسهم محتجزين دون إمكانية تقديم طلب اللجوء.

أحدث رد تمّ الإبلاغ عليه حدث في أغسطس، عندما أوقفت سفن الشرطة البحرية القبرصية 88 لاجئاً سورياً على بعد 15 كيلومترًاً فقط من الساحل، ووضعتهم على متن قارب وأعادتهم إلى لبنان. تحاول الحكومة القبرصية تبرير مثل هذه الأحداث بالحاجة إلى حماية حدود الاتحاد الأوروبي.

تعد قبرص الآن الدولة العضو في الاتحاد الأوروبي التي تضم أكبر عدد من طالبي اللجوء لكل فرد. في السنوات الأخيرة، تسبب اللاجئون القادمون من تركيا بالفعل في إجهاد نظام اللجوء في البلاد إلى أقصى حدوده. مع وصول أعداد متزايدة من لبنان، دعت قبرص الاتحاد الأوروبي إلى “تفعيل جميع الآليات المتاحة لمساعدة البلاد في إدارة وصول اللاجئين من سوريا ولبنان وتركيا”.

حتى لو كانت قبرص محقة في مخاوفها من أن البلاد قد لا تكون قادرة على استيعاب جميع اللاجئين القادمين من لبنان، فإن الطريقة التي يتم بها تنفيذ عمليات الإعادة غير إنسانية. كشفت الأورو- متوسطية للحقوق، وهي شبكة تمثل 65 منظمة حقوقية، أنه من أجل إيقاف قارب يحمل لاجئين سوريين، كان خفر السواحل القبرصي  “يلقون بأحد العناصر على محركه، ولساعات عديدة حرموا اللاجئين من الطعام والماء، بمن فيهم رجل يعاني من وضع صحي خطير”. مشاكل، أطفال وامرأة حامل قريبة من موعد ولادتها.

منذ توقيع لبنان وقبرص على الاتفاقية التي تسمح بإعادة اللاجئين، لجأت الحكومة القبرصية كثيراً إلى هذه الممارسة. عدم توفير الحماية الإنسانية للاجئي،ن يعني إدانتهم بطريقة أو بأخرى بسوء المعاملة والجوع والعيش في ظروف مهينة.

الاتفاقيات تنتهك

القيام بذلك ينتهك أيضاً الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان واتفاقية عام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين. كما توضح المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فإن هذه الوثائق تتطلب من الدول حماية حق الأشخاص في طلب اللجوء والحماية من الإعادة القسرية، حتى لو دخلوا بشكل غير قانوني. لا يمكن للسلطات رفض دخول الأشخاص أو إعادتهم تلقائياً دون إجراء تقييم فردي لمن هم بحاجة إلى الحماية.

مع وقوع كارثة إنسانية أمام أعيننا في لبنان، من المتوقع أن يفر المزيد من الناس من البلاد ويلجأون إلى أوروبا طلباً للمساعدة. يجب على الاتحاد الأوروبي  تكثيف  جهوده  لمساعدة الفئات الأكثر ضعفاً وحماية الحقوق الأساسية للاجئين.

يجب تخصيص المزيد من الأموال للبرامج التي تدعم مجتمعات اللاجئين واللبنانيين المعوزين. يجب التركيز بشكل أكبر على منع نزوحهم، بدلاً من التخفيف من أزمة اللاجئين الناجمة عن اليأس المتزايد لديهم.

في غياب حلول مستدامة للأزمة اللبنانية، ستستمر التوترات في البلاد في التصاعد وسيتعين على قبرص والاتحاد الأوروبي ككل الاستعداد لزيادة وشيكة في طلبات اللجوء. عند تنفيذ السياسات المصممة لإدارة تدفق اللاجئين، يتعين عليهم احترام حقوق الإنسان والقانون الدولي والتزاماتهم بحماية اللاجئين.

كخطوة أولى، يجب أن تنتهي عمليات الصد.

 

كاتارزينا ريباركزيك

  * هي مراسلة سياسية لخدمة استشارات الهجرة ، وهي شركة قانونية للهجرة مقرها في المملكة المتحدة وتعمل على مستوى العالم.

نشرت في سوسيال اوروب في   21 تشرين أول \ أكتوبر 2021

Leave a Comment