سياسة منشورات

التردي وارتهان الأنظمة العربية ليس قدراً

بل وتسعيرها الحروب الاهلية القائمة في أكثر من بلد عربي، دعماً لقوى تدين لها بالتبعية السياسية على قاعدة الولاء المذهبي، أو أنظمة حليفة لها، فإن الخطر الأكبر يكمن في الاستنجاد بالإدارة الاميركية، لأن الأساسي والثابت الوحيد في سياساتها هو مصالحها.

لم يسبق أن  بلغ الوضع العربي هذا المستوى من التردي والعجز والتسليم للخارج بتولي المسؤولية عن إدارة مشكلاته، ومعالجة أزماته المتفجرة، وترك القوى المتنفذة دولياً واقليمياً، تقرر مصير كياناته الوطنية. ولم يسبق ان  استبيحت مقدراته ونهبت خيراته بإرادة حكامه منفردين أو مؤتمرين  في قمم استضافتها مكة مؤخراً، لتفويض الولايات المتحدة  مسؤولية  حماية دول الخليج والمنطقة، بذريعة خطر النظام الايراني المحاصر بالعقوبات الاميركية، ومواجهة سياساته ومحاولات امتلاكه اسلحة استراتيجية.  

 ورغم مخاطر السياسة الايرانية وطموحاتها الاقليمية، وتدخلاتها ومشاركتها، بل وتسعيرها الحروب الاهلية القائمة في أكثر من بلد عربي، دعماً لقوى تدين لها بالتبعية السياسية على قاعدة الولاء المذهبي، أو أنظمة حليفة لها، فإن الخطر الأكبر يكمن في الاستنجاد بالإدارة الاميركية، لأن الأساسي والثابت الوحيد في سياساتها هو مصالحها. وبالتالي فهي لا تقيم وزناً لأية مصالح أخرى، حتى من كان حليفاً لها، أو اعتقد أنها داعمة له في مواجهة الآخرين، الذين لا ترى فيهم أعداء إلا بقدر تضرر مصالحها منهم.

والولايات المتحدة لا تخوض حروباً لمصلحة أو حساب الآخرين، لكنها تستثمر في النزاعات والحروب الدائرة مهما كانت طبيعتها. لذلك لن تندلع الحرب مع ايران بناء لرغبات الغيرأو خدمة له. ورغم الحشود والاستفزازات وتصعيد العقوبات والحصار الاقتصادي وضجيج التهديدات، يبقى احتمال اندلاعها رهن الاضطرار لخوضها، هجوماً أو دفاعاً، لأنها معنية فقط بجني الأرباح سلماً او حرباً، وتدفيع الآخرين الخسائر والاكلاف.

 وفي الحرب السورية، يستمر تعثر التنسيق  بين روسيا وايران وتركيا، وتتصاعد حدة المعارك العسكرية، بين المجموعات المسلحة والجيش التركي، في مواجهة قوات النظام المدعومة بالطيران الروسي، خاصة في مناطق ادلب والشمال السوري ومحاولة تعديل خرائط السيطرة والنفوذ. ولأن الحرب القائمة لم تنته وظائفها المتعددة بعد، فإن خطوط التسوية لن تقرر إلا بمشاركة التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، التي تحتفظ بوجود عسكري رمزي، وتمسك بورقة الفيتو الكردية وقضية النازحين والاعمار، وما على السوريين سوى دفع الخسائر والانتظار.

  لذلك لم يكن مفاجئاً انعقاد مؤتمر القدس المحتلة، بين مستشاري الأمن القومي في روسيا والولايات المتحدة واسرائيل، تحت شعار تقرير مصير سوريا  والوجود الايراني فيها. ولأن الثابت هو أمن اسرائيل، فالامر يستدعي تكريسها طرفاً مقرراً في الحل السياسي عندما يحين أوانه، وتثبيت حقها في التدخل العسكري لضمان أمنها. ولايشكل اعلان المستشار الروسي أن بلاده ستأخذ بعين الاعتبار المصالح الايرانية في سوريا، سوى رفض التخلي عن الورقة الايرانية راهناً قبل تحديد الثمن.  

وفي اليمن تبدو الحرب المفتوحة بكافة أنواع الاسلحة، مرشحة لمزيد من الاحتدام بسب عجز المشاركين فيها عن حسمها، وتوسع مداها من خلال الغارات عبر الحدود، أو استهداف منشآت استراتيجية في الداخل السعودي، بالتزامن مع تصاعد حدة المواجهة مع الجانب الايراني، الذي يشكل مصدر الدعم اللامحدود للحوثيين سواء بالخبراء أو الأسلحة الاستراتيجية. في مقابل تردي أوضاع الحكومة الشرعية ومؤسساتها التي تتنافس الوصاية عليها كل من السعودية والامارات المتحدة. ويبقى المجتمع الدولي  ومؤسساته عاجز أمام ارتفاع منسوب الكوارث الانسانية التي تصيب اليمنيين، عن درء القتل والدمار والتشريد، إذ يضاف لذلك مآسي المجاعة وتفشي الأمراض والاوبئة.

وفي ليبيا تستعر الحرب الأهلية وتأخذ أبعاداً خطيرة مع تجدد الهجوم على العاصمة من “الجيش الوطني” ضد “حكومة الوفاق”، اللذين يتقاسمان الدعم العربي والتركي والاوروبي الذين يتولون إدارة الحرب المتنقلة بين المناطق والمدن من أجل السيطرة عليها، وعلى منابع النفط ومرافئه، مع تحول ليبيا  ساحة للمجموعات الارهابية المتنقلة.

أما القضية الفلسطينية فإنها تواجه أخطر مشاريع التصفية، مع تبني الادارة الاميركية المصالح والسياسات الاسرائيلية بالكامل. فبعد الاعتراف بالقدس عاصمة للدولة العبرية ونقل السفارة إليها، ومحاصرة السلطة والمؤسسات الفلسطينية والاونروا سياسياً ومالياً،  يستمر التمهيد لصفقة القرن، مع التخلي عن حل الدولتين بهدف تصفية الحقوق الوطنية  للشعب الفلسطيني. وانعقاد “ورشة المنامة” الاقتصادية، لتأمين التمويل  لمشاريع الاستثمار والتوطين، وتكريس التطبيع مع اسرائيل  هدفه الرئيس محاصرة الصمود الفلسطيني الذي يواجه تحدي استعادة وحدته الضامن الوحيد لصمود قضيته.   

ورغم الاضطراب السياسي والأمني الذي يعيشه العراق ومصر وتونس، والصومال المنسي وسط اقتتال اهله، ولبنان المحكوم باللاستقرار وصراعات حكامه، يتسرب الأمل من خلال تجدد انتفاضات الشباب العربي الحالم بالتغيير، كما في السودان والجزائر، حيث لا يزال العسكر في كلا البلدين متشبثاً بالسلطة،  وملوحاً بممارسة العنف والتهويل به، وتهديد قوى الحرية والديمقراطية بدفع الصراع معها نحو هاوية الاقتتال، بدعم من بعض الانظمة العربية، أو الدول الخارجية التي بدأت تدخلات موفديها تأخذ مناحي خطيرة  متلطية براية الوساطة والارشاد. مع ذلك، يبقى أن الانهيار والارتهان للخارج ليس قدراً محتوماً.

[author title=”كتب المحرر السياسي” image=”http://”]كتب المحرر السياسي[/author]