مجتمع

عيد العمّال والمواجهة دفاعاً عن حق العيش بكرامة

فإن العمال وجميع المتضررين والطامحين للتغيير، معنيون بتجديد معاني العيد،  باعتباره محطة في مسارات مواجهة قوى السلطة “كلن يعني كلن”. عيد نتحصن فيه بحقنا الوحيد المتبقي لنا الذي لم تستطع الطبقة السياسيه انتزاعه منا، ومعه حقنا في الدفاع عن حق العيش بكرامة.

حلَّ عيد العمال على العالم هذا العام، والعمال وكل من يعنيهم العيد في أسوأ حال. حلَّ العيد والسؤال الكبير الذي يظلل الجميع، هل بقي للمنتسبين إلى فئة العمال ما يحتفلون به. حلَّ العيد ومختلف شعوب العالم تواجه كارثة وباء فيروسي، وهي تقف عاجزة عن التحكم في مسار الأزمة التي تحاصر البشرية، و تتخبط للخروج من الحجر الصحي الذي لا يعني نهاية الأزمة. حلَّ العيد وعالم الرأسمالية المتوحشة وأنظمتها المتصارعة  تستكمل تصفية آخر مكتسبات مجتمعاتها في ميادين القوانين والضمانات والرعاية الاجتماعية، وتدير ظهرها لصحة الانسان وقد تحولت سلعة ووسيلة استغلال لجني الأرباح ومراكمتها.

حلَّ العيد، فيما العمال والشعوب المضطهدة في دول الجوار العربي والاقليمي،هم أسرى كوارث انسانية مشرعة منذ عقود،  جرّاء حروب الدمار والقتل والتهجير والتخلف بقيادة أنظمة الاستبداد التي تعيد انتاج التخلف، تظللها الشعبوية وتتكامل معها رايات الاصوليات الدينية والطائفية. أما صحة الانسان ومواجهة الأوبئة والامراض المستعصية فهما في أدنى سلم مشاغلها.

حلَّ العيد، فيما لبنان، الوطن والدولة والمجتمع جميعاً في عين عاصفة هوجاء وكارثة عمياء يتخبطون وسط أهوالها، لأن سفينتهم تقودها طبقة سياسية  لم يعرف البلد وأهله مثيلاً لها منذ تاسيس الكيان قبل مائة عام. وقواها المتسلطة لم تترك للعمال كما للغالبية الساحقة من اللبنانيين باباً للفرج أو الفرح إلا وأقفلته.

نعم، لقد حلَّ العيد والوطن في أسوأ حال،  لإن اللبنانيين الذين راهنوا وارتهنوا لقيادة هذه الطبقة السياسية وسياساتها وممارساتها ووعودها، وجدوأ أنفسهم  وسط انهيار لايعرفون قعراً نهائياً له.  فالوطن ساحة مشرعة للصراعات الإقليمية والدولية، والبلد محاصر سياسياً واقتصادياً ومالياً جراء ارتباطه بالصراعات والحروب المتفجرة في محيطه، وهو مقيم في دائرة الخطر التي يشكل العدو الاسرائيلي مصدره الدائم.

حلَّ العيد، وقوى السلطة سواء الحاكمة والمتحكمة بالبلد والحكومة والخصوم، قرروا تفجير جولة جديدة من المواجهات المفتوحة، لأنها لم تكتفِ بالحصيلة الراهنة التي وضعت اللبنانيين أمام مصير يجهلون كيف يمكن النفاذ من أحكامه القاتلة،  بعدما جعلت منهم رعايا في معازل طائفية تظللها العنصرية. بينما مؤسسات الدولة والحكم محكومة بالتعطيل والشلل والعجز والكيدية، وأجهزتها الإدارية والأمنية تنهشها الولاءات وتتوزعها عشائر المراجع. فيما الأزمات تتناسل نتيجة الممارسات الميليشياوية لقوى السلطة والمافيات التي تديرها وهي تتصارع حول الصلاحيات لتعزيز النفوذ وتقاسم المغانم من الموارد المنهوبة.

حلَّ العيد والقطاعات الاقتصادية الصناعية والزراعية والسياحية والخدماتية، ومعها المؤسسات الحرفية الصغيرة والمزارعين، في ركود خانق بسسب الحصار المفروض وانقطاع الصلة بالدول العربية واسواقها، واستمرار التهريب عبر المرافىء والمعابر الشرعية وغير الشرعية بادارة ميليشيات الامر الواقع، والقبول برهن الاقتصاد لخدمة قوى السلطة وسياساتها. لذلك حلَّ العيد وقد دخل اقتصاد البلد في طور الاحتضار، وأصبحت مؤسساته موزعةً بين الافلاس والاقفال جراء الديون أو العجزعن جني أو انتاج المحاصيل وتصريفها.

حلَّ العيد فيما القطاع المصرفي الذي تغنى طويلاً بإنجازاته ونجاحاته بصفته “زينة” القطاعات، وقد تمخض جشعه عن أزمة قاتلة له، هي احدى أوجه الأزمة  المالية الكارثية التي تعصف بالبلد، وقد شارك في انتاجها بالتكافل مع حاكم المصرف المركزي الذي قادته طموحاته الرئاسية  إلى رهن القطاع بمجمله وبما فيه من ودائع ومقدرات لاسترضاء الطبقة السياسية، ولينتهي به المطاف مع اصحاب المصارف شركاء مضاربين معها في نهب موارد الدولة ومدخرات اللبنانيين، المحاصرين بالفساد من كل صوب، في ظل استعداد الأطراف الحاكمة والمتحكمة بالوضع للتضحية بالحاكم والقطاع ككل، بذريعة مسؤوليتهما عن الانهيار تغطية لسياساتها وممارساتها وفسادها.

حلَّ العيد هذا العام، بعد نجاح قوى السلطة في الإجهاز على اكثر الحقوق والضمانات المكتسبة للعمال والأجراء الذين انتزعوها بالدم والعرق والنضال. وما تبقّى محاصر ومهدد بالتصفية والتبديد، بينما البطالة والفقر اصبحا القاعدة الغالبة. أما النقابات والاتحادات العمالية فقد اصبحت هياكل خاوية وعناوين من الماضي، وبقايا قيادات عاجزة، وأكثرها من انتاج مزارع الميليشيات الطائفية. كذلك حلَّ العيد وغالبية فئات المحتمع لم تنجُ هي ايضاً من الخسائر الفادحة في حقوقها ومكتسباتها ومداخيلها، وهي تواجه الخطر الزاحف على حقوقها وضماناتها. لذلك فإن من كان يصنَف في عداد الطبقة الوسطى من ذوي المهن الحرة والوظيفة العامة، أو من أصحاب المداخيل المتوسطة، بات في مصاف وجوار العمال من حيث المعاناة والمصاعب في تدبير شؤون حياتهم اليومية حتى.

رغم كل ماورد، فإن العمال وجميع المتضررين والطامحين للتغيير، معنيون بتجديد معاني العيد،  باعتباره محطة في مسارات مواجهة قوى السلطة “كلن يعني كلن”. عيد نتحصن فيه بحقنا الوحيد المتبقي لنا الذي لم تستطع الطبقة السياسيه انتزاعه منا، ومعه حقنا في الدفاع عن حق العيش بكرامة. أما الحجر للاحتماء من الوباء، فهو لم ولن يشل إرادات التحدي والمواجهة مع الطبقة السياسية ومافياتها وأوبئتها المقيمة المعادية لمصالح الوطن وحقوق الانسان فيه. 

[author title=”المحرر السياسي” image=”http://”]المحرر السياسي[/author]