مجتمع

وزارة التربية تعجز عن توفير الحد الأدنى: التعليم عن بعد يضاعف معاناة أطراف المعادلة

كتب نضال الفقيه

تبدو حصيلة التعليم عن بُعد في أدنى مستوياتها، خلال المدة الزمنية التي سبقت قرار الإقفال العام  الذي اتخذ على مدى الأسبوعين الماضيين، وإن لم تعرف النسبة الفعلية لحجم ما اكتسبه التلامذة من المنهاج الدراسي المطلوب، بسبب الصعوبات الكثيرة التي تعترض هذه العملية، والتفاوت في طريقة التّعليم بين مدرسة وأخرى، وبين أساتذة وآخرين، فضلاً عن التّأثير الكبير لغياب التجهيزات الضرورية لهذا النوع من التعليم لدى المدارس والأهالي من حواسيب ومنصات ولوحات إلكترونية وسرعة الإنترنت وتوافر التيار الكهربائي.

إنها الضريبة التي على اللبنانيين دفعها حرماناً من حقهم في تعليم أبنائهم، جرّاء الفساد الذي أغرقت السلطة السياسية إدارات الدولة فيه، وجعلتها عاجزة عن أداء دورها في تسيير وتسهيل شؤون المواطنين، والذي أصاب وزارة التربية أيضاً، وجعلها ساحة للمحاصصة وتقاسم النفوذ بين قوى السلطة السياسية نفسها، مما أفقدها دورها القيادي في وضع خطة فعالة لتنفيذ عملية التعليم عن بُعد، حيث كان الفشل سيد الموقف، سواء لجهة التنسيق مع الوزارات الأخرى، ومنها وزارتي الطاقة والاتصالات على توفير التيار الكهربائي والإنترنت، أو دور الوزارة نفسها في اتخاذ الخطوات والقرارات المطلوبة كوزارة مسؤولة، ومنها عدم توزيع حوالي (8) آلاف جهاز كومبيوتر موضوعة بتصرف الوزارة، أو صرف مبلغ في مصرف لبنان بقيمة 100 مليون دولار مخصص للشأن التربوي، ناهيك عن غياب المناهج الرقمية الضرورية لعملية التعليم عن بُعد، وتحول عمل الوزارة إلى مجرد إدارة لإصدار التعاميم والقرارات التي تنهك المعلمين والأهالي، وتضيف إلى الظروف القاسية لعملهم المزيد من المعاناة، كتعليم سبع ساعات “أونلاين” يوميا، بالرغم من حجم الإرهاق الذي يسببه ذلك للتلميذ، خصوصا التلامذة في مرحلة التعليم الأساسي الذين تغلب الطفولة على أعمارهم من جهة، والمعلمين الذين يتطلب منهم إعطاء كل ساعة تعليم عن بُعد، أكثر من ساعة تحضير من جهة أخرى .

وكشف قرار الإقفال العام في البلاد الذي بدأ تنفيذه في 11 تشرين الثاني واستمر حتى 30 منه، واعتماد خطة التعليم عن بُعد، الشرخ الكبير بين ما يتم تقريره في مكاتب وزارة التربية والواقع الحقيقي للأهالي والتلامذة والمعلمين، حيث أن تلميذا في الهرمل أو عكار يعتذر من معلمه لأرساله فرضه متأخراً، لأنه كان ينتظر عودة والده من العمل لاستخدام هاتفه، وأن صورة الفرض المرسلة غير واضحة لأنها أخذت على ضوء شمعة بسبب انقطاع التيار الكهربائي، أو أن مدرساً يضطر للخروج إلى شرفة منزله، وهو يحاول الوصول إلى شبكة الإنترنت للمقهى المجاور من أجل أن يستطيع الاستمرار في شرح الدرس لتلامذته بعد انقطاع التيار الكهربائي في منزله، أو تلامذة يجهدون للحصول على أي وسيلة ممكنة لمتابعة دروسهم عن بُعد، فمنهم من يستخدم المنصة الإلكترونية وآخرون الواتس آب والإيميل، وبعضهم لا يجد إلى ذلك سبيلا. وزاد الطين بلة في إرهاق المدرس نفسه الطلب منه إعداد التقارير الأسبوعية حول مجمل الأعمال المحققة مع عناوين الدروس والأنشطة المنجزة، وعدد الساعات المنفذة في كل مادة وصف، بالرغم من أن القرار واضح لجهة إيكال مثل هذا العمل للمديرين والمنسقين والنظار الذين ألقوا بالمهمة على كاهل المعلم، وهي مهمة إدارية لا علاقة له بها .

ولا تتوقف معاناة المعلمين على مشكلات التعليم عن بعد، والقرارات التي تصدر عن وزارة التربية، وتلقي على كاهلهم المزيد من الاعباء، بل تبدو أكثر شدة وقساوة بفعل الأزمة الاقتصادية التي يواجهونها كما باقي اللبنانيين، والتي تدفع بأوضاعهم الوظيفية والمعيشة نحو المزيد من السوء والمعاناة اليومية، سواء مدرسي الملاك الذين فقدت رواتبهم ما يقارب 85% من قيمتها وقدرتها الشرائية، أو المتعاقدين الذين فقد أجر ساعتهم هو الآخر قيمته الشرائية أيضا، ناهيك عن التأخير في الحصول عليه، مضافاً إليه افتقادهم الضمانات الاجتماعية والصحية، وكل ذلك في ظل الخطر الصحي الذي يهدد سلامتهم وعائلاتهم، والإقفال والحجر الذي يضاعف تلك المعاناة.

إن الأوضاع الوظيفية والمعيشية المزرية جداً التي يعيشها المعلمون، وضرورة توفير الحد الأدنى لشروط عملية التعليم عن بُعد، واستعادة القدرة الشرائية لرواتبهم، بما يحد من الأزمة المتعددة الجوانب التي يواجهونها. ويتكامل ذلك مع العجز الذي أصاب الروابط  الرسمية للمعلمين التي تحولت إلى نسخة عن سلطة المحاصصة الطائفية، ما يجب أن يدفع بجمهور المعلمين الى إطلاق عمل مطلبي يؤسس لحركة نقابية مستقلة عن السلطة السياسية. يبدأ بتنفيذ أشكال مختلفة من التحركات المطلبية اعتصاماً وإضراباً وتظاهراً، وغيرها من اشكال التحرك التي أقرها الدستور والقوانين المرعية الاجراء. وقد كان باكورتها الإعلان عن تأسيس “هيئة تنسيق اللجان النقابية في التعليم الأساسي الرسمي” التي أصدرت بياناً طالبت فيه بالحد من التعاميم والقرارت التي تصدر عن وزارة التربية، والتي تضيف المزيد من الأعباء على كاهل المعلم، وتقليص عدد أيام التعليم عن بُعد إلى (4) أيام وعدد الساعات إلى (4) ساعات يومياً على أن لا تتعدى الحصة الواحدة (40) دقيقة، وتوفير الكهرباء والانترنت السريع وأجهزة الكومبيوتر مجاناً للتلامذة والمعلمين، إضافة للمناهج الرقمية المطلوبة لعملية التعليم عن بُعد، وتصحيح الرواتب لاستعادة قيمتها الشرائية، وبما يوفر للمعلم الحياة الكريمة التي تسمح له بأداء رسالته التربوية، وإنصاف المدرسين المتعاقدين من خلال زيادة بدل ساعة التعاقد، وتأمين الضمانات الصحية، وتحقيق مطلبهم الأهم وهو التثبيت في ملاك وزارة التربية.. هذا في التعليم الرسمي، أما في القطاع الخاص فمسألة أخرى..

Leave a Comment