سياسة

نتائج الانتخابات الاسرائيلية: المزيد من الغرق في وحول الأزمة

كتب محرر الشؤون العربية

تعلن اللجنة المركزية للانتخابات الاسرائيلية النتيجة النهائية للانتخابات في العاشر من الشهر الجاري. وفي ضوء ما ستفرزه النتائج رسمياً، يتولى الرئيس الإسرائيلي رؤبين ريفلين تحديد هوية المرشح لتشكيل الحكومة الجديدة، بحلول السابع عشر من الشهر الجاري.

وتبعاً لذلك، سيكون على عضو الكنيست المكلف بتشكيل الحكومة، الانتهاء من مهمة التأليف في فترة لا تتجاوز الـ 28 يوماً، والحصول على موافقة الكنيست على الحكومة التي شكلها. ولدى الرئيس صلاحية تمديد المهلة بعد ذلك لمدة أقصاها 14 يوماً إضافية. وفي حال فشل الرئيس المكلف، أو رفض الكنيست بالأغلبية الموافقة على الحكومة التي شكلها، سيكون لدى الرئيس خياران، يتمثل أولهما في إبلاغه رئيس الكنيست بأنه لا يرى إمكانية لتشكيل حكومة، كما جرى من قبل لنتنياهو وغانتس، على التوالي. أما الثاني فهو التوجه نحو انتخابات جديدة، ما يجعل اسرائيل الدولة الوحيدة التي لم يستطع أي من الطرفين المتنافسين وخلال أربعة انتخابات متكررة، الحصول على أكثرية تتيح لطرف فيها محاولة تشكيل حكومة جديدة. ومن الخيارات المتاحة أيضاً إمكانية سن قانون لإلغاء تفويض نتنياهو تشكيل الحكومة أصلاً، أو نجاح نتنياهو في ضم ليبرمان إليه ما يعطيه فرصة تشكيل الحكومة. وكلها سيناريوهات واردة ومتداولة في الصحافة الاسرائيلية راهناً لما بعد الإعلان رسمياً عن نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة للكنيست.

والواقع أن فرص حظوظ نتنياهو لم تتحسن كثيراً بعد الانتخابات، إذ تمكن من الحصول على 58 مقعدا من أصل 120 نائباً، ولم يصل بالتالي إلى رقم 61 مقعدا، ما يعني أن ليس باستطاعته تشكيل الحكومة بالسهولة التي يتصورها البعض، وهو ما يدفع بسيناريو إجراء انتخابات برلمانية خامسة إلى المقدمة، علماً أن اللجنة المركزية للانتخابات الإسرائيلية اعتبرت أن الميزانية الاسرائيلية لا تستطيع تحمل عبء كلفة إجرائها التي تزيد عن ملياري شيكل، خصوصاً وأن لا ضمانة أن تكون نتائج الانتخابات المقبلة مختلفة عن سابقاتها لجهة أوزان الكتل المتصارعة بدليل الانتخابات الرابعة التي تركت الأمور شبه معلقة. فقد تبين بعد فرز 99% من مجمل الأصوات، استمرار حزب “الليكود” الحاكم في الصدارة، بزعامة بنيامين نتنياهو، بـ 36 مقعدا، متقدما على حزب “أزرق أبيض”، بقيادة الجنرال بيني غانتس، بفارق ثلاثة مقاعد برلمانية، فيما يحوز معسكر اليمين الذي يتزعمه نتنياهو واقعاً على 58 مقعداً.

ورغم ترجيح إعادة تكليف نتنياهو بتشكيل الحكومة، الا أن العقبات التي تنتصب في وجهه قد تقوده إلى الفشل مجدداً في أعقاب عجزه  المتكرر عن تشكيلها سابقاً. لكن هذه العقبات لا تعني استسلام نتنياهو لضعف موقعه، فقد باشر منذ اعلان النتائج الأولية، مباحثات مكثفة مع العديد من الكتل لتشكيل حكومة جديدة، وألتقى لهذه الغاية برؤساء وقادة كتلته الانتخابية، في محاولة لتوزيع الحقائب الوزارية. مع التلويح للحلفاء المحتملين بحصص لهم. مقترناً بسعي حثيث لتفتيت الكتل المعادية، وتقديمه إغراءات لبعض مكوناتها لدفعها نحو مداره الحكومي.

لكن، على المقلب الآخر تعمل كتل وازنة هي “أزرق أبيض” و”العمل–غيشر/الجسر– ميرتس”، و”القائمة العربية المشتركة” على طرح مبادرة سن قانون يمنع نتنياهو من إشغال منصب رئاسة الحكومة استناداً إلى تهم الفساد الموجهة له. أما نجاح هذه المبادرة التي تحتاج لتصويت 62 نائباً لصالحها، فإنه لا يحول دون تكليف  نتنياهو بتشكيل الحكومة فقط، بل سيشكل نهاية مستقبله السياسي، ووضعه “عارياً” أمام التهم المرفوعة عليه في المحكمة، بعد تجريده من عناصر القوة التي يتمتع بها للافلات من خلال موقعه الحكومي الرسمي. بالطبع لكل من القوى المؤتلفة مصالحها في هذا الإبعاد، لكنها تتلاقى جميعاً نحو هذا الهدف.

أما نتنياهو فيعتبر معركته هي معركة حياة أو موت سياسي له، لذلك عمل طوال السنوات المنصرمة على مراكمة “الانجازات” الخارجية والداخلية برعاية السياسة الاميركية ممثلة بالرئيس ترامب وفريقه اليميني المتصهين، وبتواطؤ عربي تطبيعي معه لتحسين فرص نجاته من حبل المحكمة. ويعمل أعضاء القائمة المشتركة وأرزق أبيض على تقديم هذا القانون قبيل موعد المحاكمة. لكن ذلك لا يعني التقليل من أهمية الثقة التي حازها نتنياهو والليكود بنتيجة الانتخابات، والتي تؤكد أن الناخب الإسرائيلي اختار كتلة اليمين التي تعمل دون هوادة على ضم مستوطنات الضفة الغربية وغور الاردن تبعاً لما تقرر في صفقة القرن، بهدف اقفال الباب على أي تسوية محتملة مع الجانب الفلسطيني. لكن عقبة اميركية جديدة تنتصب في وجه نتنياهو هذه المرة، تتمثل باعتبار الإدارة الاميركية الجديدة أن الضفة الغربية منطقة محتلة، وليست كيهودا والسامرة أرض توراتية كما يطلق عليها اليمين الصهيوني. ومن شأن ذلك أن يُعقِّد حظوطه في نجاح التحالفات التي ينسجها.

يستند نتنياهو على أن الناخب الاسرائيلي ما يزال أكثر بُعدا عن بني غانتس وكتلة اليسار، وأحمد الطيبي والقائمة العربية المشتركة ومن يشابههم. ولذلك يراهن في المقام الأول على جذب أفيغدور ليبرمان رئيس حزب “يسرائيل بيتنو”، وضمه إلى حكومته، ما يرفع حصة الإئتلاف الذي يقوده إلى 65 مقعداً. لكن لمثل هذا الأمر محاذيره لجهة إثارة العديد من الأحزاب الدينية وهي جزء من ائتلاف نتنياهو. لكنه يراهن على الحؤول دون الصدام معها من خلال مناوراته والتلويح بالتعاون مع ليبرمان مستنداً إلى علاقته القديمة معه وموافقتة على شروطه. ما يعني أن دخول ليبرمان للحكومة هو أحد السيناريوهات المطروحة، وإن كان البعض يراه مستبعدا.

لكن المفارقة تكمن في المقام الثاني لانقاذ نتنياهو، تتمثل في الموقف الذي أخذت تمهد له “القائمة العربية الموحدة” التي انشقت عن القائمة العربية المشتركة، وحصلت على خمسة مقاعد. وتتألف هذه “القائمة” من تيار إسلاموي هو “الحركة الإسلامية–الجناح الجنوبي”، التي أسسها الشيخ عبد الله نمر درويش عام 1971 على فكر جماعة الإخوان المسلمين، ولكنها لا تتصل بالجماعة بشكل مباشر. وقد شهدت هذه الحركة انشقاقاً عام 1996 إلى جناحين، شمالي بقيادة الشيخ رائد صلاح. والجنوبي يتزعمه الشيخ حماد أبو دعابس، الذي يراس قائمته النيابية حاليا منصور عباس المتحالف مع  نتنياهو والليكود بذريعة السعي إلى تحقيق مكاسب وتحصيل حقوق للأقلية العربية، التي تتراوح نسبتها بين 19 و21 في المائة من إجمالي سكان إسرائيل.

الثابت أن نتائج الانتخابات لن تنجح في تشكيل حكومة مستقرة اذا ما تشكلت، والواضح أن الكيان الاسرائيلي ما زال منقسماً على نفسه تبعاً لخياراته اليمينة العامة، ما يعني في حال الفشل احتمال التمهيد لإجراء انتخابات عامة خامسة قد لا تختلف عن سابقاتها التي لم تغير من تفاصيل مشهد البقاء في المستنقع بوحوله المتراكمة.

Leave a Comment