مجتمع

 مصلحة أحزاب السلطة تسقط مشروعي الكوتا وخفض سن الإقتراع

كتبت ليلى مرّوة

أكدت اللجان النيابية في إجتماعها الذي إنعقد بتاريخ 7 تشرين الأول رفضها القاطع لاقتراح مشروع الكوتا النسائية وتخفيض سن الإقتراع إلى 18 سنة، ما أثبت أن الطبقة السياسية على اختلاف مواقعها متواطئة لإسقاط المشروع، ورافضة لإدخال عناصر شابة وجديدة في العملية الإنتخابية خوفاً من التغيير الذي يمكن أن تحدثه هذه الفئة من خلال تعديل موازين القوى الناخبة، لا سيما بعد انتفاضة 17 تشرين 2019 والكوارث التي حلت بالشعب اللبناني، حيث كانت قوى الإنتفاضة تتمثل بعنصرين اساسيين هما النساء والشباب.

عبرت انتفاضة ١٧ تشرين عن الغضب الشديد من الطبقة السياسية الحاكمة التي أوصلت البلاد إلى أكبر أزمة سياسية واقتصادية وإجتماعية في تاريخ لبنان الحديث، فانهارت الليرة اللبنانية مقابل إرتفاع سعر صرف الدولار، وأفرغت جيوب اللبنانيين، حتى باتوا عاجزين عن تأمين الحد الأدنى من متطلبات الحياة بما فيها القوت اليومي نتيجة الغلاء الفاحش وارتفاع الأسعار وإنعدام القدرة الشرائية.

تزامنت الأزمة اللبنانية مع تحدٍ ديمغرافي في البلدان العربية والشرق أوسطية ودول شمال أفريقيا وصولاً إلى بلاد الأميركيتين والتي كانت جميعها وجهة الشباب اللبناني للعمل. وما زاد الوضع اللبناني خطورة أنه يحتاج إلى إيجاد ستة أضعاف عدد الوظائف المتوافرة حالياً لإستيعاب 23 ألف شخص ينضمون إلى سوق العمل سنوياً. وبحسب دراسة رعاها الاتحاد الأوروبي فإن نسبة البطالة بين الشباب تصل إلى 35 بالمئة وهو رقم مرتفع. وبالإضافة إلى الأسباب المذكورة تعتبر الهوة العمرية عميقة بين المتظاهرين والطبقة السياسية {رئيس الجمهورية عمره 84 عاماً} ما دفع الشباب للعودة إلى منازلهم والتفكير في الهجرة، اضافة الى مبدأ الوساطات الذي يتغلغل في الإدارات العامة، وعليه لم تعد الفرص أمام الشباب الأكثر كفاءة وخبرة متاحة، فكانت هيمنة الأحزاب السياسية وتوزيع الوظائف والمغانم على أزلامها.

هذا فيما يخص الشباب خريجي الجامعات. أما من يزال منهم في مرحلة التعليم الجامعي فالمصيبة عليهم أعظم، حيث أدى الوضع الإقتصادي المتأزم والمتزامن مع كورونا إلى كارثة فعلية، إن لجهة عدم قدرتهم على تسديد الأقساط الجامعية سواء للخارج أو في الداخل، أو تمكنهم من الذهاب إلى الجامعة بسبب أزمة المحروقات وإرتفاع كلفة النقل.

كل تلك الأزمات وغيرها دفعت بالشباب للنزول إلى الشارع أملاً في التغيير، فالتظاهر حق مكتسب أقره الدستور اللبناني وتعلمه الشباب في الجامعات ومارسوه على الأرض، ولكن على من تقرأ مزاميرك يا داوود، على طبقة سياسية شاخت في السلطة، وتسعى للتوريث والبقاء حتى النفس الخير. ولأن باب التغيير يبدأ بالإنتخابات كانت المطالبة بخفض سن الإقتراع إلى 18 سنة. فالسن المعمول به في لبنان هو 21 سنة وهو الأعلى بين بلدان العالم. إضافة إلى استمرار ثقافة الإنتخاب في لبنان والتي تفوح منها رائحة الذكورية. ولا ترحب بالشباب من الفئتين {ذكور وإناث}، كذلك فإن النسبة الكبرى بين المواطنين العاديين وممن لا ينتمون إلى أسر سياسية تقليدية لا ينضمون إلى أحزاب طائفية، ولا يُختار منهم للترشح إلا لإعتبارات تتعلق بتمويل اللائحة وجلب أصوات إضافية، فيما يتم إقصاء من هم خارج تلالتحاق والولاء للطبقة السياسية .

أما النساء فإن فرص ترشحهن وفق النظام الإنتخابي تكاد تكون معدومة، ولا يصل عددهن في المجلس النيابي الحالي إلى عدد أصابع اليد الواحدة، ومن هنا كان اعتماد الكوتا النسائية مادة أساسية في اتفاقية المرأة الدولية (سيداو والتي وافق عليها لبنان دون تحفظ و بالتالي فهو ملزم تنفيذها) واحدة من التوصيات لتعزيز دور المرأة، وهي إما ان تكون بعدد محدد من المقاعد النيابية عموماً وفق العدد الكلي لمجلس النواب أو بنسبة معينة لكل لائحة. ورغم ذلك فإن الحصة النسبية غير كافية لتقرير تمثيل النساء والإصلاحات المطلوبة أوسع واشمل، ورغم الجهود المبذولة من المجتمع المدني والمنظمات المدنية لتحرير قانون الإنتخاب، لا تزال الكتل النيابية الحزبية الطائفية تسعى لتفصيل قانون إنتخابي وفق قياسها رغم المأزق السياسي الذي تعيشه، متجاهلة متطلبات أغلبية الشعب اللبناني. ومن هنا فإن الحديث عن تعزيز تمثيل المرأة في الندوة البرلمانية في دولة ضعيفة كلبنان، ووجود قوانين احوال شخصية تمييزية والتوريث السياسي ، كل هذا يجعل من الصعب إحداث خرق وإصلاح سياسي ليس على مستوى تمثيل المرأة فحسب بل على صعيد لبنان ككل.

في المحصلة يرتبط التغيير بإحداث إصلاحات جذرية في بُنية النظام من حيث اشراك المرأة و الشباب في الاستحقاقات الوطنية والدستورية، لا سيما منها قانون الانتخاب خارج القيد الطائفي.
ان التكاذب المتبادل بين أركان سلطة الفساد، ما هو إلا تأكيد المؤكد بأن السلطة الطائفية ماضية في نهجها الرافض لأي عملية إصلاح فعلية، لذلك فإن القوى المعنية بالتغيير كافة مدعوة إلى التضامن و توحيد الصفوف لأن معركة التغيير تحتاج إلى تعديلات كبيرة في البنى الاجتماعية و قواها الديمقراطية-اللاطائفية، و تأتي في مقدمة هذه القوى الهيئات النسائية و المنظمات الشبابية و التيارات الديمقراطية التي برزت خلال الانتفاضة الشعبية في ١٧ تشرين ٢٠١٩ وفي انتخابات الجامعات والعديد من النقابات المهنية.

 

Leave a Comment