مجتمع

محرقة التليل: من المسؤول؟

كتب زهير هواري

أعلنت الحكومة اللبنانية عن اليوم الاثنين الموافق 16 آب يوم حداد وطني على ضحايا محرقة بلدة التليل الذين احترقوا بالعشرات. كل مسؤول قدَّم نفسه على أنه برئ. وكأن هذا العدد قد سقط نتيجة وقوع صاعقة سماوية مباغتة في سماء صيف صافية، على تجمع من عشاق الكرة أو ممن يحضرون عيداً وطنياً أو كرنفالاً شعبياً. لكن ما يعلمه الناس الذين كان يمكن أن يكونوا هم أنفسهم ضحايا الحريق، أن بلدة التليل هي حلقة في خط التهريب على خط لبنان – سوريا الشمالي وأن أربابها يتمتعون بغطاء سياسي معروف. ولما كانت الأجهزة العسكرية والأمنية بدأت بمكافحة التهريب، والكشف على المحطات وتوزيع ما يتوافر فيها مجاناً على المواطنين، ثارت ثائرة ابن صاحب تلك المحطة، فأطلق النار على الصهريج المحمَّل بمادة البنزين، فكان الحريق الذي التهم أجساد الأبرياء من المنتظرين في طوابيرعلّهم يحصلون على ما يكفيهم لملء خزانات سياراتهم، أو غالون لتشغيل المحرك المنزلي الذي يؤمن لهم الإضاءة وغيرها.

بالطبع يظن المسؤولون من أعلى الهرم وحتى أسفله، أن اعلان يوم الحداد من شأنه أن يوهم المواطنين أنهم فعلاً متضامنون مع الضحايا، وكذلك مع المحروقين الذين يعانون الأوجاع ويحاول الأطباء والممرضون إنقاذ حياتهم في مستشفيات ترفع صوتها الآن داعية من يملك بعض الأدوية إلى تزويدها بها، ومنذ أشهر بعيدة من أن قدراتها على القيام بواجباتها تتراجع يومياً إلى درجة التلاشي لأنها تفتقد الأدوية والبنج والتجهيزات والمستلزمات الطبية المستوردة والمصنَّعة محلياً. لكن فات هؤلاء أن ما جرى هو واحدة من ثمار سياساتهم المستمرة منذ سنوات وعقود عندما أخضعوا الدولة لمنطق المحاصصة والمذهبية والنهب المنفلت من عقاله، إلى الحد الذي وصلنا إلى ما وصلنا إليه من تفكك المؤسسات، وعجزها عن القيام بمهامها ضمن الشروط التي تضمن السلامة العامة. بدل هذه الاستهانة المستشرية السائدة بأرواح الناس وحقوقهم ومصالحهم. لم يعن تلك الطبقة المافياوية يوماً، مع الحفاظ على تراتبية المسؤولية بين مكوناتها، سوى الحفاظ على مصالح أركانها ونهب أموال المواطنين والدولة ونشر المحاسيب في الإدارات العامة، واطلاق الوعود الكاذبة عن حلول لا تأتي لتصادمها مع شبكات مصالحها وتناقضاتها.

 وبعد التليل هناك سواها من قرى مرشحة أن تمهر إلى جانب أسمائها أنها شهدت محارق إضافية. واللبنانيون عملياً يعيشون في المحرقة في هذا العهد “القوي” ومَنْ وراءه. أليس فقدان رغيف الخبز وحبة الدواء وقطرة الوقود وفرصة العمل ووجبة الطعام للعائلة، وتحوَّل بعض الأطعمة البسيطة إلى حلم بعيد المنال، نوع من أنواع الحرق اليومي لحياة الناس بمن هم مرضى ومسنون وشيوخ ونساء وأطفال، وشباب لهم أحلامهم التي باتت منحصرة في الرحيل عن هذه البلاد ؟

 البعض يحترق ويبقى على قيد الحياة، والبعض الآخر يحترق ويذوب جسمه وسط اللهيب فيسقط قتيلاً، أو يحيا مشوهاً في محاولته نيل أبسط حقوقه، وهي حصوله على حاجته من الوقود.

لا أحد برئ من احتراق لحم وشرايين وعظام أبناء التليل وجوارها الذين قضوا في المحرقة. تماماً كما هم أركان الطبقة السياسية التي تتنصل الآن من مضاعفات التحقيق بكارثة المرفأ مع مئات ضحاياها من مواطنين وعمال عرب وإجانب لم تُعرف أسماؤهم. وتبحث الآن عن الطريقة التي تختمه بالطريقة التي ترتأي، وتقيِّد  فيه المجزرة ضد مجهول حتى لو كان معلوماً.

هذه العصابة المافياوية تملك من الخبرة ونوايا أصحابها المتكلسة والشريرة كل المقدمات والمؤهلات التي أوصلت البلد إلى ما هي عليه. ودوماً تقتل القتيل وتمشي في جنازته، وتتصرف أن لا علاقة لها بالجريمة والمسؤولية عن مصرع الناس الفاجع. إلى متى ينتهي هذا العار الذي يمنع من سوْق المتهمين إلى العدالة من يكونون؟ أم أنها ستواصل اعتبار أجساد المواطنين مجرد مادة حفل شواء “زومبي” على أرض الواقع وليس على شاشات السينما؟؟.

Leave a Comment