مجتمع

كورونا تضاعف الهيمنة والتفاوت على التعليم في لبنان

كتب نضال الفقيه

يحل العام الجديد 2021 والقطاع التربوي والتعليمي يتجه نحو المزيد من تفاقم المشكلات التي تضعه على شفير الانهيار، وهو ما فاقمته الأزمة الصحية الأخيرة، جرّاء انتشار فيروس كورونا وعمليات الإغلاق المتكررة وآخرها القرار باغلاق البلاد بعد انتهاء فترة الأعياد. وقد دفعت القرارات الحكومية بالمشكلات القديمة نحو المزيد من التأزم والتعقيد، ما جعل من واقع هذا القطاع صورة مصغرة عن واقع الانهيار العام الذي تشهده البلاد على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمعيشية، حيث طفت على السطح نقاط الضعف البنيوية، عندما تحوَّل من نظام التدريس الحضوري إلى التعليم عن بُعد عبر الانترنت، أو التعليم المدمج الذي يجمع بين الأخير والتعليم الحضوري.
وأصبح واضحاً للعيان بأن أزمة التعليم في لبنان هي أزمة بنيوية عميقة جداً، تصيب مجمل الأسس والقواعد التي يقوم عليها هذا التعليم، أي الأسس الطائفية التي حكمت نشأته منذ ما قبل تأسيس الكيان اللبناني الحالي، أي متصرفية جبل لبنان في ظل الاحتلال العثماني، والتي استمرت مع الانتداب وحتى نشوء هذا الكيان. وكانت السمة الأبرز هي دعم وتعزيز المؤسسات التعليمية الطائفية الخاصة، وهيمنتها على هذا القطاع الذي شكل أحد المواقع الأساسية في انتاج وتجديد النفوذ والثروة لأهل نظام المحاصصة الطائفية، أي جوهر النظام السياسي في لبنان. وهو ما أدى بالنظام والبلاد إلى الكارثة الكيانية والاقتصادية والاجتماعية والمعيشة الراهنة التي تصيب الأغلبية الساحقة من اللبنانيين، وقد باتوا إما تحت خط الفقر أو على شفيره، باسثناء قلة قليلة جدا نهبت مقدرات البلاد. هذا الوضع هو السبب الذي أدى إلى انفجار الأزمة داخل منظومة التعليم الخاص الطائفي نفسه. فقد انطلق العام الدراسي الحالي 2020 – 2021 على وقع الخلافات الحادة المندلعة بين لجان الأهل وإدارات المدارس الخاصة، بسبب عجز ذوي التلامذة والطلاب عن تسديد الاقساط المدرسية، نتيجة الأوضاع المعيشية المتردية وحجز المصارف أموال المودعين، وتحوّل اساتذة التعليم الخاص إلى رهينة لدى العديد من أصحاب المدارس الخاصة، إما خفضاً للرواتب أو وقفاً لها، أو صرفا كليا لهم من تلك المدراس. حيث يقدر عدد المعلمين المصروفين من المدارس الخاصة بما لا يقل عن 3 آلاف معلم ومعلمة، فيما أصبح نحو 10 آلاف يقبضون نصف راتبهم الشهري. يجري هذا في ظل صمت نقابة المعلمين في المدارس الخاصة، وعجزها عن خوض معركة الدفاع عنهم وتحصيل حقوقهم. وينسحب الأمر على  أوضاع معلمي التعليم الرسمي الذي لا يشكل سوى ثلث حجم القطاع التعليمي والتربوي، وحالهم ليست أفضل من زملائهم، حيث تدهورت قيمة رواتب المدرسين في الملاك، وفقدت أكثر من 80 بالمئة من قيمتها الشرائية. ويواجه المعلمون بالتعاقد أسوأ الأوضاع الحياتية، بسبب تدنى بدل ساعة التعاقد، والتقليص المستمر لعدد ساعات تعاقدهم، وعدم حصولهم على أي شكل من أشكال الضمانات الاجتماعية، وخصوصاً الصحية وبَدَل النقل، وفي ظل عجز وشلل وصمت القوى النقابية في التعليم الرسمي أيضاً عن حمل هموم ومطالب معلمي هذا القطاع، بعد أن تحولت إلى نسخة طبق الأصل عن سلطة المحاصصة السياسية والطائفية.
إن هيمنة أصحاب المدارس الخاصة على التعليم العام في لبنان، ومن خلفهم سلطة المحاصصة الطائفية تجعل ازمة التعليم في لبنان تتجاوز تهاوي الأوضاع المعيشية والوظيفية السيئة جدا للمعلمين في القطاعين الخاص والرسمي، وتطاول التفاوت الكبير في أداء وانتاجية القطاعين، وتشتت القرار التربوي الوطني بفعل هيمنة أصحاب المدارس الخاصة على الجزء الاكبر منه، مما يفقد وزارة التربية القدرة على وضع خطة فعّالة لمعالجة أزماته المتعددة الجوانب، وهو ما ظهر بشكل فاقع، وتجلى بغياب الخطة التربوية الفعَّالة لأدارة الازمة التربوية والتعليمية التي بدأت مع ظهور جائحة كورونا خلال العام الدراسي الماضي، وكانت متوقعة التأثير في العام الدراسي الحالي، خصوصا بعد انفجار المرفأ، وتضرر 241 مدرسة، والاكتفاء بمجموعة مبادرات أطلقها المركز التربوي للبحوث والإنماء ووزارة التربية، ودون أن ترقى هذه إلى مستوى الرؤية الاستراتيجية المتكاملة للأزمة. إذ ظلت في دائرة رد الفعل الآني والعاجز عن تقديم الحلول الحقيقة للنتائج الكارثية لأزمة كورنا وانفجار المرفأ على القطاع التربوي. وكلا الوزارة والمركز يعتمدان كلياً على مبادرات البنك الدولي والأمم المتحدة واليونسيف والجمعيات المحلية غير الحكومية، ما استمر معه العجز عن تأمين الحد الادنى المطلوب من التجهيزات التقنية، أو الدعم للمعلمين والمتعلمين على السواء كالانترنت المجاني أو أجهزة الكومبيوتر، ناهيك عن التباين الكبير في قدرة المعلمين على تصميم السيناريوهات التعليمية التي تحاكي الأزمة، واستخدام الوسائل التربوية التي تصب في خدمة الاهداف المطلوبة، بسبب الاستنسابية في معاييير توظيفهم عموماً، وغياب العمل على تطوير أدائهم ودعمهم وتدريبهم بشكل متواصل وفعَّال. فقد حلت الأزمة لتزيد من تعسُّر بعض المعلمين في تكييف استراتيجيات التعليم والتعلم مع الأوضاع المستجدة، مقابل نجاح البعض الآخر نسبياً في توفير تعليم أفضل بفعل تباين المواقف من التعليم عن بُعد، والتي غلب عليها طابع الضياع والقلق والارتباك لدى المعلمين، وكذلك العائلات التي لا تملك الحد الادنى من المقومات الاساسية للمساندة والدعم، وهي التي كانت بدورها عرضة لهواجس تأمين الاقساط المدرسية والتجهيزات الالكترونية ( لوحات الكترونية، كومبيوتر، هاتف محمول…) ناهيك عن الهاجس الصحي.
وتبقى النتيجة الكارثية لعدم وجود رؤية واستراتيجية وطنية للتعليم العام في لبنان والتي جاءت جائحة كورونا لتفاقمها، تتمثل في سيادة التفاوت وعدم تكافؤ الفرص في صلب النظام التربوي، حيث تتماشى المناهج والمدارس والمعلمين مع مراتب الأهل وفقاً لخلفياتهم الاجتماعية والاقتصادية، وغياب الرقابة التربوية والدعم المهني للقطاعين الرسمي والخاص، مما يُفقد المدرستين الخاصة والرسمية دوريهما في تحقيق التربية الوطنية الواحدة، والمستوى التعليمي الجيد لأبناء جميع اللبنانيين، ويحولهما إلى ميدان لتعميق الانقسامات الاجتماعية والتفاوت الاقتصادي والطبقي ويحرمهم من تكافوء الفرص في بناء المجتمع. .

Leave a Comment