مجتمع

كارثة كورونا فيروس: بين الإقرار السطحي والإنكار الكلّيّ…!

كتب الدكتور ابراهيم فرج

تمتدُ جذور “نظرية” الإنكار، (التمويه، الرفض، المؤامرة) للجوائح، التي عصفت بكوكبنا، عميقاً  في التاريخ، وتعود إلى قرون خلَت.. هي ليست “وجهة نظر” معاصِرة وحديثة،  بلّ رافقت جميع فترات ألاوبئة السابقة: من مرض الطاعون الملعون  إلى جائحة الحمى الإسبانيّة فوصولاً إلى وباء كوفيد ١٩ آنيّاً…  إذاً مُعضلة الناكرين لِمبدأ الوباء Negazionisti ) ) تاريخية في جذورها، والأسباب هي غالباً إقتصاديّة و/ أو نفسيّة… الحمى الإسبانيّة، سمّيت كذلك لأن إسبانيا هي إول من تحدثت عنها جهاراً، (يقال  أيضأً هنا أنّ مصدرها يوهان  الصينية..! ) كونها الدولة، أسبانيا، التي لم تنخرط في الحرب الكوّنيّة  ١٩١٥ – ١٩١٨… باقي الدول أخفتها وأنكرت وجودها (إنكار رسميّ مركزي، وليس على مستوى أفراد..! ) بهدف عدم بثِ الذعر في صفوف جنودها إثناء الحرب، رغم أنها أوقعت اكثر من مائة ألف إصابة في الأسبوعين الأولين (شراستها تفوق الكوفيد ١٩…! ) وحصيلتها تجاوزت الخمسين مليون وفاة  (١٠٪ من  خمسماية مليون مصاب)..

مرض الطاعون (١٦٣٠) تمّ الإعلان عنه كوباء وقضى  بسبب موجاته المتلاحقة، على أكثر من ثلث سكان الكرة الأرضية موتاً. ونتج عنه شلل إقتصادي هائل مع إغلاق ممرات التبادل التجاري وإلزام الحجر المنزلي، مما أدّى إلى ظهور مقاطعات متعددة مُتفلّتة أمنيّاً، وإزدياد في نسب البطالة وإرتفاع أعداد الفقراء والجياع.  في حينه أيضاً كانت السلطات تقوم بإصدار خطط الدعم والمساعدات وتنفيذها حسب الإمكانيات. المشككون بالوباء(وجهاء، فعاليات، رجال دين. تجار…) كانوا يدعون لنبذ فكرة التباعد الإجتماعي، وعدم وقف الدورة الإقتصاديّة ، وينظمون عمداً المجالس الدينيّة والتجمعات تمهيداً للّقيام  بأعمال شغب ضد الحكّام والأطباء. ووصل الأمر بهم  إلى التعذيب الوحشي والعلني وقتل الكثير من الأبرياء الذين اتهموا زوراً      (.!untori o spreader)  بنشر الوباء (عبر التسلل ليلاً..!!) و”طلاء” المسطّحات والأسوار والجدران بمواد تحمل بكتيريا الطاعون..!! وهنا أيضاً كان لِلمشككين والناكرين لِلوباء، نتيجة عدم التزامهم الإجراءات، دور فعّال  في انتشاره، إذ كان جلّ همّهم  تحميل المسؤولية لِلسلطات والأطباء الذين “فبركوا” البكتيريا لمنافع شخصية وسياسية ومالية!. 

أربعة عقود مرْت على أزمة الطاعون ولم تتغيّر آليات كسرِ الوباء ليومنا هذا… تشابه في المواجهة الأوليّة، رغم كل التقدم الهائل والحاصل على غيرِ صعيد ( الحجر الصحي، التباعد الإجتماعي والنظافةالعامة). لكن الإنكار للّوباء، وبكل أشكاله الشاملة والجزئية، مردْه إلى طبيعة الإنسان وخوفه من الأزمة الإقتصادية، و”هلعه” مما يُخبئهُ القادمِ من الأيام  و من مجرد الشعور بالهزيمة والتراجع…

وهذا ما يُفسّر، أيضاً، على المستوى النفسيّ سبب إنكار الوباء، من قِبَل الناكرين لوجوده، كوسيلة دفاعيّة لحمايتهم الفردية في الشكل وأمنهم الإجتماعي والصحي، والتي تتجلّى بنكرانِ وجودِهِ (الوباء غير خطير والكوفيد ١٩، مثلاً، هو شكل من أشكال الإنفلونزا البسيطة..!). هم يُقرّون بوجود الوباء،  لكنهم يعملون ويتصرفون لإزدرائِهِ والتقليل من شأنِهِ.

الناكرون، اليوم، يبدأون إطروحاتهم من الدولة العميقة، وتآمرها لتثبيت نظام مراقبة صارم: من فبركة الفيروس في يوهان إلى التدخل في شبكة G5  لإضعاف جهاز المناعة والتآمر حتى مع بيل غيتس لبيع اللّقاح…

النظريتان تعودان بالضرر الفادح على المجتمع: نكران الوباء كلّياً أو ألإقرار به مع التقليل من شأنِهِ والتعاون في مواجهتِهِ، وبالتالي عدم تعزيز خطة حصرِه ومكافحتِهِ (لبنان الرسمي مثال.!) 

لبنانيّاً هناك كالعادة “فرادة خاصة وهميّة” في المواجهة الهزيلة للوباء والتي تعكس من جهة غياب الدولة ومؤسساتها عن الميدان (عدم إجراء مسح طبي وتأمين الأدوية…) وتعميم نظرية “اللاّ هلع”، ما يُشجّع على عدم الإلتزام بالإجراءات وبِسُبل الوقاية البديهيّة.

غريب ومريب جداً على سبيل الذكر إستفاقة السلّطة، المتحكمة بالبلد، مؤخراً على دعم المستشفيات الحكومية (لفظيّاً) بعد إهمالها إياها لثلاثِ عقود لصالح القطاع  الإستشفائي الخاص، (بؤبؤ عين وزارة الصحة، مع مردوداتهِ الوفيره للفريق الذي يفوز بها كوزارة)، والذي كان على يقع عاتقه القيام بأكثر من ٨٠ ٪ من موجبات الصحة في البلد.. مستشفيات حكوميّة غالبيتها (ما عدا قلّة) تفتقر إلى جهاز طبي وتمريضي فعّال، وتنوء تحت عجز مالي كبير… فجأة وفي خضم الجائحة يأتي الأمر بِاعتماد المستشفيات الحكومية رأس حربة المواجهة.!  قد يكون الهدف الأساس هو وضع “اليد والعين” على هبات ومساعدات المجتمع الدوليّ، والتي تقتصر عادةً على القطاع العام تمهيداً لمحاصصتها من قِبَل منظومة النهب والسرقة (وهي صاحبة خبرة في هذا المجال.!). 

 لا بدّ من التأكيد أنّ مواجهة انتشار الفيروس ما تزال تقتصر على الكمامة والتباعد الإجتماعي والنظافة الدائمة، وهي لا تكتمل من دون قرارات جديّة للتنفيذ من قبل الدولة مع تعاون وتفهم شعبيّ، وذلك لعدم توفرّ الدواء واللّقاح الأكيد حتّى اللحظة. الجدير ذكره أنّ أيّ لقاح يمرّ بأربع مراحل: إستحداثه ثم تجربته على الحيوانات فتجربته على فئة من الناس ( مرضى مثلاً أو معرّضون للغاية أو متبرعون..)، ووضعهم تحت مراقبة طبيّة متواصلة، وأخيراً إعطاؤه لعموم الناس ومراقبة النتائج بعد أشهرٍ طوال… الّلقاح الفعّال هو الذي يضمن أولاً عدم وجود عوارض جانبيّة خطيرة ويمنح من جهة ثانية مناعة طويلة كافية للوصول إلى مناعة القطيع والوصول إلى  Riproduction 0 – R0)…). الخللّ بأحدهما يعني ببساطة  فشل اللقاح… واضحة المخاطرة الكبيرة التي تتمثل بالقفز من المرحلة الثانية إلى المرحلة الرابعة مباشرةً للترويج لِللقاح..  الثابت أن الجائحة ماضية في فتكها بالمصابين، واللّقاح” السريع” الذي وضِع في متناول البلاد المنكوبة هو “محاولة طارئة” ( تستند لأسس علميّة وإن كانت غير مكتملة بعد..!) لِمحاصرة الوباء والتخفيف من نسبة الإنتشار والعدوى (الوصول إلى R0) )، والتقليل من الخسائر والوفيّات، وخصوصاً للفئة صاحبة الأولويّة في الحصول عليه، وهم المصابون القابعون في المستشفيات والطاقم الطبي والتمريضي في الأقسام المختصّة، وبعدها لجموع السكان. سيِستثنى من اللّقاح من هُم دون سنّ الـ ١٦ والنساء الحوامل والمرّضعات، وسيعطى على دفعتين إجباريتين بفارق ٢١ يوماً بينهما، وتبدأ فعاليته بعد ٧ أيام تقريباً من الجرعة الثانية… سيتم إعطاء اللقاح إذن وسننتظر مدى ديمومة المناعة المُكتسبة وماهيّة العوارض الجانبية السلبيّة مع مرور الوقت لمن خضع للتلقيح، وإبرام التقيّيم النهائي لجهةِ عدم فعاليتهِ أو السير باعتمادهِ وتطويره، وهو ما سيطبع عام ٢٠٢١ كونه عام اللقاح بامتياز بعد أن مضى العام ٢٠٢٠ بوصفِهِ عام الوباء المتفلّت…!

Leave a Comment