مجتمع

في السيرة القصيرة لفضائح لبنانية

مهند الحاج علي*

في طيات قضية الممثلة ستيفاني صليبا، عشيقة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، اتهامات متعددة عن هدايا واستخدام غير مشروع للمنصب وعدا ذلك. لكن الأهم أن من بين “الاعترافات” الواردة واحداً عن تحويلها نصف مليون دولار أميركي بعد 17 تشرين الأول (أكتوبر) عام 2019. هكذا ببساطة مرت هذه العبارة دون أي متابعة أو حديث أو نقاش فيها، رغم أننا نرى عشرات من مرضى السرطان وعائلاتهم يُنازعون للحصول على ودائعهم لتلقي العلاج، وأحياناً يفشلون ويكون الموت مصيرهم. هذا النزاع لا ينسحب على المحظيين الذين نعرف أن بينهم الكثير من السياسيين والمسؤولين وعشيقاتهم ورجال أعمالهم ممن هربوا أموالهم بعد الانهيار.

لكن ماذا تعني هذه المعرفة؟ إذا كنا نعلم بالفساد وعدم المسؤولية ويُواصل هذا الواقع تراكماته وإنتاج فضائح جديدة، من دون أي قدرة على وقفه، قد تتحول هذه المعرفة الى سلاح ضدنا، على هيئة يأس أو احباط، أو ربما قرار لاحق بالانخراط في هذه المنظومة باسم الواقعية. في هذا البلد، يستحيل المواطن(ة) الى طريدة تُؤكل وهي حية، تتفرج على مفترسها وهو ينهش في لحمها الحي.

حين تُكشف فضيحة في لبنان، يُسارع كثيرون من كل حدب وصوب لتغطيتها وكأنها طفل افتقد بطانيته ليلاً. أن تكشف فضيحة هو أن تكشف فضيحة فقط، والأمر ينتهي هنا. من حسن حظ الفضيحة والمستهدف فيها، أن عمرها قصير كون السلسلة طويلة ومتصلة، إذ سرعان ما تحل مكانها قضية أخرى تشغل الناس في المال كما في السياسة وحروب الطوائف وتوتراتها وكل مناحي الحياة.

نحن نعلم مثلاً أن أغلب القادة السياسيين متورطون في جرائم بالحرب الأهلية، من الاغتيالات للقتل على الهوية، والقصف العشوائي، إلى الارتزاق للخارج، ولديهم باقة من المقابر الجماعية المخفية قسراً وغير المكتشفة بعد. أكثر من ذلك، وسائل الاعلام في زمن الخلافات المستعرة نشرت تراشقاً دورياً بالاتهامات فيه كمٌ هائلٌ من المعلومات. نعلم أن السياسيين اللبنانيين – مع استثناءات معدودة – راكموا ثروات في زمني الحرب والسلم، ولديهم ممتلكات وحسابات في الخارج لم تعد تخفى على أحد.

نعرف بأن وزراء ورعاتهم من القادة السياسيين حصلوا على عمولات في شراء المحروقات وعلى أرباح عبر توزيعها، وبأن أحزابهم على ارتباط كذلك بشبكات أصحاب المولدات ولديهم حصص، أو فوائد على الأقل، مما يجنوه. علمنا بالأدلة الصوتية كذلك بأن صفقات بواخر الكهرباء شملت عمولات ضخمة للسياسيين، وأن خيار استخدامها بدلاً من بناء القدرات الذاتية على انتاج الطاقة، لم يكن بريئاً.

أكثر من ذلك، نعرف بأن لدى كل سياسي حاشية من المتعهدين يفوزون بالمناقصات ويراكمون ثرواتهم من الدولة، مع تمرير عمولة للراعي السياسي، مباشرة أو من خلال التبرعات لمؤسسات حزبية. نعرف هؤلاء بالأسماء والصور.

خلال السنوات الماضية، رأينا صوراً من حفلات زفاف بنات ضباط وموظفي دولة كبار، يُكلف الواحد منها مئات آلاف الدولارات، وأحياناً أكثر، بما يُوازي أو يتجاوز حياة كاملة من الرواتب الحكومية الخالصة. نعلم بأن سياسيين وأحزاباً يتقاضون أموالاً من الخارج لقاء ولاءات وخدمات في الداخل، وهم يتداولون بها ويفتخرون بها علناً. رأينا بيانات ممتلكات وشركات وزراء رئيسيين وقد تضاعفت مرات خلال توليهم حقائبهم، رغم أن الراتب راتب وبالكاد يكفي مصاريفهم اليومية والأسلوب الباذخ لحياتهم.

نعرف بأن حزباً أساسياً وفاعلاً في البلاد قتل رئيس حكومة سابقاً ونواباً وكتاباً ووجوهاً إعلامية معارضة له، وبأنه قاتل لإنقاذ نظام فاسد ومجرم ما زال يُخفي مصائر بعض ضحاياه اللبنانيين.

واليوم نتعرف في الإعلام والتحقيقات الغربية المتتالية على عشيقات حاكم مصرف لبنان، وعلى ثرواتهن وحوالات لحساباتهن باتت موضع شبهة. ولا شك أننا نعرف جزءاً يسيراً فقط مما ارتُكب بحقنا، وأن هذه مجرد خيوط لعالم متكامل من الجرائم.

لكن الناس ومن فرط ما تعرف، بات جزء مهم منهم يشيح بنظره بعيداً عن الفضائح. لكن حتى هؤلاء سيخيب أملهم، إذ أن الفضائح رغم قصر عمرها تتكاثر بحيث يصعب حجبها عن الرؤية، بل قد تكون وحدها المشهد، وكل ما سواها يختفي. حينها، يكون السؤال الوحيد: متى ننفجر غضباً؟

*نشرت على موقع المدن الالكترونية الإثنين 2022/12/19

Leave a Comment