ثقافة

لائحة أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما… وما تقوله إزاء تحولات مجتمعنا

مخرجون بريطانيون مغايرون يبلون بلاء حسناً في الاستفتاء الجديد حول الأفلام، إذ تحدوا توقعات الواقعيين. لكن هيتشكوك يبقى متصدراً.

بعد انتظار دام عقداً، نشرت نتائج الاستفتاء المهم حول أعظم أفلام في العالم، وأثارت النتائج الجديدة مقداراً متعادلاً من الصدمة والفرح، وفق ما رأته كاتبة “غارديان” فانيسا ثورب في مقالتها، إذ استبعد من قمة اللائحة التي تمخض عنها الاستفتاء كل من “المواطن كاين” (Citizen Kane) و”الدوار” (Vertigo)، الفيلمان المكرسان سابقاً كأفضل ما يمكن للشاشة الكبيرة أن تقدمه. أما الفيلم الجديد المتربع على رأس اللائحة “جين ديلمان، 23 رصيف التجارة، 1080 بروكسيل” Jeanne Dielman, 23 quai du Commerce, 1080 Bruxelles (1975)، وهو دراما نسوية أخرجته البلجيكية شانتال أكيرمان وغير معروف نسبياً، فيعد أول فيلم تصنعه امرأة يتصدر الأفلام العشرة الأوائل. وجاء فيلم (مايكل) باول و(إيميريك) بريسبيرغر “قضية حياة أو موت” (A Matter of Life and Death) في موقع أدنى (من السابق)، بحيث احتل الآن المرتبة 78، متأخراً بتسع درجات عن دراما الباليه الحيوية التي صنعها المخرجان، “الحذاء الأحمر” (The Red Shoes).

وبحسب ثورب سيكون عشاق السينما سعداء خلال عطلة نهاية الأسبوع للترحيب باللائحة الجديدة التي تضم 100 من الأفلام السينمائية البارزة، وقد نشرت اللائحة مجلة “سايت أند ساوند” (Sight and Sound) التي يصدرها “معهد السينما في بريطانيا” (British Film Institute). أما الاستفتاء المهم الذي تتشكل على أثره اللائحة، فينظم كل 10 أعوام ويشارك فيه مخرجون وممثلون ونقاد عالميون. وبلغ عدد المشاركين فيه لهذه الدورة 1639 شخصاً. نتائج الاستفتاء منذ انطلاقته عام 1952، كان يتصدرها في العادة مخرجون رجال، بيد أن الوقت حان هذه المرة، وفق ما ترى ثورب، كي تأتي النتائج معبرة عن وجهة نظر أعرض وأكثر تنوعاً.

في هذا الإطار ترى ثورب أن قلة من المعلقين والصحافيين يجادلون في الظاهرة التي كانت سائدة في الماضي المتمثلة في فرض “الأفلام العظيمة” فرضاً، ويدعون إلى إبراز خيارات تماشي روح العصر مثل الفيلم الكوري التهكمي “طفيلي” (Parasite) الحائز على جائزة أوسكار عام 2019 الذي جاء في المرتبة 90، وفيلم “ضوء القمر” (Moonlight) لـباري جينكينز الذي يقدم قصة عن الهوية الجندرية الكويرية، الحاصل على المرتبة 60، والفيلم الأول لـجوردان بيل “أخرج” (Get Out)، الحاذق بتقديمه أجواء رعب مستندة إلى ظاهرة التمييز العرقي الذي يحتل الآن المرتبة 95، وفيلم سيلين سكياما، “صورة ذاتية لسيدة تحترق” (Portrait of a Lady on Fire)، المصنوع منذ ثلاثة أعوام والذي احتل الآن، على نحو لافت، المرتبة 30. إلا أن آخرين من المعلقين الصحافيين، وفق ثورب، تذمروا من ميل سائد بين المشاركين في الاستفتاء إلى عدم الابتعاد عن “مربع اختيار” محدد سلفاً، يجعلهم حريصين بالمبدأ على التأكد من إضافة مزيد من المخرجات النساء إلى لائحة الأفلام المختارة.

لكن بالإجمال ومع انحسار غبار معركة تشكيل اللائحة وبدء عملية تحليلها لفهم ما تفصح عنه من تبدل في الأمزجة النقدية، فإن هناك، وفق ثورب، أخباراً جيدة بالنسبة إلى القوة المستمرة للحكائية البريطانية (أدب السرد)، إذ على رغم وجود 69 مخرجاً عالمياً مختلفاً باللائحة الآن، بدل 55، من أصل الـ100 الأوائل، فإن مواهب ألفريد هيتشكوك وتشارلي تشابلن وباول وبريسبيرغر، ما زالت حاضرة على نحو جيد، وذلك من دون ذكر المخرج المولود في بوتني (منطقة جنوب غربي لندن) كارول رييد، صانع تحفة “الرجل الثالث” (The Third Man) عام 1949. فهذا الفيلم الأخير بعد 73 سنة من ظهوره، يحافظ على المرتبة 63 (ضمن اللائحة) جنباً إلى جنب مع فيلمي “الأصدقاء الطيبون” (Goodfellas) و”كازابلانكا” (Casablanca).

ويمكن القول اليوم إن الأفلام البريطانية التي ما زالت تحتل مراتب متقدمة في لائحة أفضل 100 فيلم، هي إلى حد ما مختلفة عن الأعمال التي تسميها ثورب أفلام “حوض المطبخ” الدرامية التي اعتقد سابقاً بأنها سمة تميز الصناعة السينمائية البريطانية، إذ إن أعمالاً بارزة مثل “كيس” (Kes) لـكين لوتش، أو “فيرا دريك” (Vera Drake) – التي مهدت الطريق للمخرجين البريطانيين العاملين اليوم، أمثال كليو بيرنارد، لين رامساي، أو أندريا آرنولد – تبقى غير معروفة كثيراً في العالم.

لكن بحسب إيزابيل ستيفنس، مديرة تحرير “سايت أند ساوند” التي حادثتها ثورب، “فإن الخيط المتعدد الألوان ضمن عملية بناء العالم البريطاني التخيلي، ما زال حاضراً عبر المخرجين الذين يشملهم الاستفتاء. وهذا يكاد يكون تقليداً مسرحياً”، وفق تعبيرها.

على أن تلك المقاربة التي تتحدث عنها ستيفنس، النابعة من تنويعة أدائية ومن تقاليد أدبية قوطية، تبقى واضحة حتى في عمل ريدلي سكوت الذي يحتل المرتبة الـ 54 بفيلم “النصل الحاد” (Blade Runner). كما يمكن تلخيصها في الأسطر المكتوبة المنبثقة من الغيوم في مطلع فيلم “قضية حياة أو موت”، التي تقول: “هذه حكاية عالمين، العالم الذي نعرفه، والعالم الآخر الموجود فقط في الأذهان”.

وفي السياق عينه ترى ستيفنس أن “خيارات المخرجين الآخرين تبقى بالغة الأهمية”. كما تعتبر أن الفيلم الآسر الذي أخرجه ديفيس، “أصوات بعيدة، حيوات يابسة” (Distant Voices, Still Lives)، قدره التقدم في المرتبة ضمن اللائحة خلال عقد السنوات المقبل. وتتوقع ستيفنس أيضاً أن تحظى أفلام نيكولاس روغ، مثل “لا تنظر الآن” (Don’t Look Now) و”تجوال” (Walkabout)، بمزيد من الشعبية، وأن تحقق أفلام “أورلاندو” (Orlando) لـسالي بوتر، و”تحت الجلد” (Under the Skin)، و”بعد الشمس” (Aftersun)، العمل الخيالي الذي صنعته تشارلوت ويلس في الآونة الأخيرة، تقدماً ملحوظاً في المراتب ضمن اللائحة مستقبلاً

وتقول ستيفنس في السياق إن التأثير المستمر للحكائية البريطانية سيبدو أكثر قوة لو “غشينا” قليلاً و”حسبنا من بين البريطانيين الأميركي ستانلي كيوبريك الذي انتقل إلى بريطانيا عام 1961 لصناعة فيلم “دكتور سترانج لوف” (Dr Strangelove) مع بيتر سيليرز، وبقي في المملكة المتحدة”. وكان ساد اعتقاد قبيل إعلان اللائحة الجديدة يرى أن فيلم كيوبريك “2001: ملحمة الفضاء” (2001: A Space Odyssey) سيأتي هذه المرة في المرتبة الأولى ويتصدر اللائحة، إلا أنه بقي في المرتبة السادسة. وعن كيوبريك أيضاً تقول ستيفنس: “في الحقيقة هو بريطاني إلى حد ما، إذ إن فيلميه “السطوع” (The Shining)، في المرتبة 88، و”باري ليندن” (Barry Lyndon) الذي يشارك المرتبة 45 مع فيلم هيتشكوك “نورث باي نورث ويست” (North by Northwest)، صوّرا هنا في بريطانيا مع فريق عمل بريطاني”. كما أن “دكتور سترانج لوف”، الفيلم السياسي التهكمي والمفضل بالنسبة إلى غاري أولدمان، يعد سلفاً حقيقياً لأعمال تهكمية بريطانية ظهرت في الآونة الأخيرة مثل “موت ستالين” (Death of Stalin) لـ آرماندو يانوتشي.

والأخير في المناسبة، وفق ثورب، اختار فيلم “حياة براين” (Life of Brian) لـمونتي بيثون كواحد من أفلامه الـ10 المفضلة. كما صوّت لفيلم “الديكتاتور العظيم” (The Great Dictator) لـتشابلن المولود في لندن. ويحتل اليوم فيلما تشابلن الآخران، “أضواء المدينة” (City Lights) و”الأزمنة الحديثة” (Modern Times)، المرتبة 36 و78 تباعاً، بعد أن كانا بين الثلاثة الأوائل في لائحة 1952. وهذان الفيلمان من الأعمال الكوميدية النادرة في لائحة المئة فيلم، إذ يمكن أن نذكر في هذا الإطار حلول فيلم “الشقة” (The Apartment) للمخرج الأميركي المهاجر بيلي ويلدر في المرتبة 54، و”البعض يحبها ساخنة” (Some Like It Hot) في المرتبة 38 إلى جانب “النافذة الخلفية” (Rear Window) لـهيتشكوك. أما جاك تاتي، فقد ظل بارزاً في المرتبة الـ 23 مع فيلمه “وقت للعب” (Playtime).

وعن ظاهرة تبدل مراتب الأفلام من عقد سنوات لآخر، تقول ستيفنس: “من الرائع أن نرى أياً من الأفلام تقدم في المرتبة وأياً منها تراجع، إذ إن ديفيد لين كان ضمن الأفلام الـ10 الأوائل مع فيلمه “علاقة عابرة” (Brief Encounter)، ثم تراجع”. على أن هيتشكوك في نهاية المطاف يبقى متربعاً على قمة هرم الحكائية البريطانية، بحيث يبرز مع فيلم “الدوار” (Vertigo) الذي حل الآن في المرتبة الثانية بعد تصدره عام 2012 إلى جانب “النافذة الخلفية” و”نورث باي نورث ويست” و”سايكو” في المرتبة 31، إذ بحسب ثورب قد يكون للمخرجين البريطانيين أفضلية في عملية اختيار الأفلام، لأن أعمالهم تأتي باللغة ذاتها المعتمدة في هوليوود التي ما زالت تتصدر الإنتاج السينمائي العالمي. لكن مع تزايد عدد الأفلام الأجنبية (غير الناطقة بالإنجليزية) واتساع فضاء انتشارها، فإن الأمور ستتبدل كما تقول.

نشرت في اندبندنت عربية 8  كانون الاول / ديسمبر 2022

Leave a Comment