مجتمع

خطة وزارة التربية للتعليم المدمج في مرحلتها الثالثة : مخاطر المزيد من الانتشار الوبائي لفيروس “كورونا”

حيث وجدت هذه الإدارات نفسها غير قادرة على فعل بمستوى الخطر القائم، مما جعل دورها يقتصر على اتخاذ بعض الإجراءات المحدودة التي لا ترتقي الى مستوى الخطة الشاملة والمتكاملة في نفس الوقت لمواجهة الفيروس

كتب نضال الفقيه

 تبدو وزارة التربية وقد حسمت أمرها بالمضي في خطة التعليم المدمج، أي بين التعليم الحضوري للتلامذة والطلاب والتعليم عن بعد، على الرغم من الارتفاع الكبير في عدد المصابين يوميا بفيروس “كورونا”، والذي وصل حافة الـ  2000 إصابة يومياً، ناهيك عن الوفيات الناتجة عن هذا الوباء، بعد أن أصبح في مرحلة الإنتشار المجتمعي غير المسيطر عليه، ما يدفع إلى الدعوة لاعلان الاستنفار العام والعودة للحجر العام بعد اقفال عشرات القرى والبلدات يومياً تبعاً للحالات وتوزعها، وسط تحذيرات من أن المستشفيات والأطقم الطبية باتت عاجزة عن الاستيعاب والتعامل مع المزيد من المصابين. ما حدا بوزير التربية لإصدار بيان يعفي فيه المدارس في المناطق المعزولة من فتح أبوابها طيلة المدة المقررة من وزارة الداخلية. وكانت الوزارة قد وضعت تلك الخطة للعام الدراسي الحالي على أن يتم تنفيذها على مراحل ثلاث، الأولى تبدأ بعودة تلامذة الشهادات الرسمية إلى المدارس، والثانية عودة تلامذة الصفين السابع والثامن الأساسي، والثالثة لتلامذة الحلقتين الأولى والثانية والروضات.
وإذا كان قد تم تجاوز المرحلتين الأولى والثانية بالحد الأدنى من الإصابات التي تعرض لها عدد من المدرسين والتلامذة، وفي أكثر من مدرسة ومنطقة، حيث ظهرت تلك الإصابات في مناطق كثيرة كمدينة النبطية، مرورا بصيدا، وعدة مناطق في البقاع، وصولا إلى طرابلس، وسط حديث يتم تداوله في الوسط التعليمي في أن بعض المديرين في المدارس الخاصة، لا يعلنون عن وجود إصابات للتلامذة أو المعلمين في مدارسهم، كي لا تقفل تلك المدارس. والتفاوت الكبير بين مدارس انتظمت فيها الدروس، وأخرى انطلقت فيها ببطء وحذر وبتجربة غير مشجعة، يبقى التحدي الأكبر في تجاوز المرحلة الثالثة من خطة التعليم المدمج التي بدأ تنفيذها نهار الإثنين 2 تشرين الثاني، لأنها تمثل عودة العدد الأكبر من التلامذة الأصغر عمراً، حيث هناك العديد من المخاطر التي لا يمكن مواجهتها بفعل الإختلاط الكبير بين الأطفال، كاختلاف مساحات غرف الصفوف، التي لا تسمح الكثير منها بتطبيق إجراءات التباعد المطلوب، وعدم امكانية ضبط الازدحام في الباصات والملاعب وعلى المشارب والأدراج والحمامات، وتبادل الأوراق والأدوات التعليمية بين التلامذة والمعلمين والتلامذة أنفسهم، واستحالة ضبط أطفال الروضات لجهة تبادل الأغراض والألعاب والطعام والشراب والكمامات وغيرها، وعدم قدرة الكثير من المدارس على تأمين كلفة الكمامات أو مواد التعقيم، مما يفتح الباب واسعا أمام خطر كبير جداً، بانتشار الفيروس بين هؤلاء التلامذة الذين لن تحول الإجراءات المتخذة مهما كانت دقيقة من الاختلاط والتواصل فيما بينهم، ناهيك عن مدى دقة وفعالية تلك الاجراءات، ومدى التزام المدارس بها، وهو سؤال مطروح لا تبدو الإجابة عليه مشجعة، مما ينذر بخطر داهم، يهدد بانشار فيروس “كورنا”، ووفق مستوى أكبر توسعاً مما نشهد، وأشد خطورة مما هو حاصل الأن.

تتعدد الأسباب والعوامل التي تقف وراء إصرار وزارة التربية على المضي في تنفيذ خطتها للتعليم المدمج، وتحوّل ذلك إلى فعل أقرب للمغامرة في ظل المخاطر الكبيرة التي يواجهها تلامذة المدارس، جراء الانتشار المجتمعي غير المسيطر عليه لفيروس “كورونا”، بدءا بفشل تجربة التعليم عن بعد التي تم تنفيذها العام الدراسي المنصرم بكل المقاييس، بفعل الضعف في شبكة الإنترنت، ومروراً بالإنقطاع الدائم للتيار الكهربائي، وعدم توافر أجهزة الحاسوب لدى الأغلبية الساحقة من التلامذة، وغياب المناهج الالكترونية، وأخيراً الضغط الكبير الذي مارسه أصحاب المدارس الخاصة على الوزارة من أجل اتخاذ خطوة التعليم الحضوري، تحت شعار ترك الحرية لاصحاب تلك المدارس، باختيار الطرق الرئيسية للتدريس التي يريدون اعتمادها، على أن تكون الأولوية للتعليم الحضوري، الذي يشكل فرصة لأصحاب هذه المدارس، من أجل الحصول على رسوم التسجيل من الأهالي.
ويدرك وزير التربية حجم هذه العوامل، ومدى ثقلها على وزارته والتي فرضت عليه المضي في خطة التعليم المدمج كشكل لإتمام العام الدراسي الحالي، حيث وإضافة لكل ما سبق من معوقات، كان عامل الفساد المستشري في دوائر الوزارة ومراكز الحمايات السياسية داخلها، يجعل قرارات الوزير نفسه في الكثير من الأحيان معطلة وغير قابلة للتنفيذ، مما أجبره كمسؤول أول عن عمل الوزارة إلى الخروج للاعلام عارضا بعض وجوه ذلك الفساد وحجمه الهائل الذي كان أحد أهم الاسباب التي لم تعطل دور الوزارة في وضع خطة فعالة في مواجهة فيروس كورون  فقط،  بل منعت وفي الأساس وقبل الأزمة الصحية الاخيرة، وضع خطة تربوية حديثة للنهوض  بالتعليم بقطاعيه العام والخاص، تتمثل بمناهج جديدة تواكب أحدث النظريات التربوية الحديثة، وتوفير  الكادر التعليمي المدرب والمؤهل عبر كلية التربية في الجامعة اللبنانية، والبناء المدرسي الجيد والتجهيزات الفنية المطلوبة من مختبرات وأجهزة حاسوب وغيرها.
إن العجز الذي أصاب الإدرات المعنية للدولة اللبنانية بمواجهة الانتشار الوبائي لفيروس كورونا، جعل زمام انتشاره يفلت من يدها، حيث وجدت هذه الإدارات نفسها غير قادرة على فعل بمستوى الخطر القائم، مما جعل دورها يقتصر على اتخاذ بعض الإجراءات المحدودة التي لا ترتقي الى مستوى الخطة الشاملة والمتكاملة في نفس الوقت لمواجهة الفيروس، وهو ما يصدق على وزارة  التربية نفسها باعتبارها واحدة من تلك الإدارات التي تحولت خطتها في هذا الشأن الى مجرد مجموعة من الاجراءات الوقائية والحفاظ على السلامة الفردية من جهة، أو إقفال المدرسة التي تظهر الإصابات على مدرسيها وتلامذتها من جهة أخرى.
وترتفع الاصوات النقابية ولجان الأهل تحذيراً من المخاطر التي تحملها العودة إلى التعليم الحضوري  في مرحلته الثالثة، وبعضها يحمّل المسؤولية المباشرة لوزارة التربية عن أي وفيات تحصل في أوساط التلامذة أو المعلمين، جرّاء قرارها المضي في تنفيذ خطتها للتعليم المدمج، فهل تؤدي هذه الصرخة إلى تخلي الوزارة عن خطتها هذه، والعودة إلى تنفيذ خطة التعليم عن بعد، أم أن ذلك سيتم تحت وطأة وحجم انتشار عدوى فيروس “كورونا” في أوساط المجتمع التعليمي وصولاً للأهل؟

Leave a Comment