مجتمع

خالد غزال: عطاؤك زادنا على درب الآلام

كتب محمود قميحة

أكتب اليك بعد عامين من الشوق، وذلك من باب الإلتزام بأصول الوفاء والمودة، وهو أمر في المتناول اليسير. أما الكتابة عنك فليست طوع البنان، لأن الإحاطة بشخصك وتاريخك وإرثك وخصالك لا تدخل في عابر التناول.

من أين أدخل الى عوالمك خالد غزال صفوة السهل الجميل، صاحب البنية المجبولة بعرق الكادحين، المكافح والأمين على المنبت والموقع.

خالد غزال، وفي الأصل وجدت لتكون بذرة النضال الصلبة، منذ إنخراطك في صفوف الحركة القومية في ستينات القرن الماضي في مرحلة النهوض القومي. استشعرت مع كوكبة من رفاقك مرارة هزيمة الخامس من حزيران عام 1967 فاتجهت الى تجديد الخيارات، فكان الإنفتاح على مصادر وينابيع الفكر الاشتراكي عبر منظمة الاشتراكيين اللبنانيين، وبسرعة قياسية شاركت في صياغة التحول الأهم بإعتناق الماركسية اللينينية فكراً ومنهجاً، وكنت واحداً من مؤسسي منظمة العمل الشيوعي في العام 1971، وظل موقعك في المنظمة حتى رحيلك متصدراً الصفوف القيادية، بالنظر الى عمق التزامك صدقاً ونزاهة وترفعاً عن الحسابات الرخيصة. ولا عجب أن تكون الأمين والمؤتمن على تراث المنظمة، والمبدع في قيادة ومواكبة التحولات التي تمثلت بتوجه المؤتمر الرابع للمنظمة نحو تنظيم يساري ديمقراطي وعلماني.

خالد غزال كنت حارس خزائن المنظمة الفكرية والسياسية والتنظيمية والمالية، ومع ذلك ظل جلباب التواضع زينتك، وخيار الابتعاد عن الأضواء مسلكك. تركت موقعك الوظيفي في الإدارة اللبنانية، وتفرغت للعمل الحزبي لثقتك المطلقة بالمشروع الذي انخرطت فيه، فكنت قائداً حزبياً فذاً، وصاحب المساهمات الكبرى في المداخل التي اجتازها المشروع الحزبي للمنظمة. أما المساهمة الأبرز فقد تمثلت ومن موقعك كأمين سر للمكتب التنفيذي في قيادة وإنجاح المؤتمر الرابع للمنظمة تحضيراً وإنعقاداً.

أما خالد غزال الباحث العلماني الصادق نهجاً وممارسة فقد أغنى المكتبة العربية بالعديد من المؤلفات من موقع الملتزم بالدفاع عن قضايا التقدم والديمقراطية وبناء وترسيخ ثقافة الحداثة في مواجهة الفكر الأصولي، الذي تناسلت منه وما تزال شتى منوعات الإرهاب والإلغاء والإختزال والإحتكام الى القتل والتصفيات الجسدية، بدلاً من الحوار وإِعمال العقل في مواجهة الرأي الآخر.

ومثلما كنت مجلياً في هذا المجال، كان قلمك سيالاً في الحقل الاعلامي خاصة ما حملته إفتتاحيات مجلة “بيروت المساء”، وسأشدد على الكتابات التي حملتها نشريات النصف الأول من العام 2018، والتي أظهرت كم كان خالد غزال لماحاً وقارئاً للأزمة التي نشهد بعضاً من فصولها السوداء راهناً.

ما حملته الافتتاحيات تشديد على أن التسوية تشهد مظاهر انقلاب لتجاوز الدستور وعدم احترام اتفاقية الطائف، والإيغال في سياسة المحاصصات والسعي لإقامة نظام رئاسي، وتفاقم استعصاءات الداخل والإرتهان لشروط الخارج والتهديد بنزع التكليف من رئاسة الحكومة أو التأليف، وفقاً لإرادة صاحب القصر وتياره. هذا ما نشهد فصوله راهناً، على خشبة المسرح بكل مكوناته أطر وساحات ولاعبين، فيما الإنهيار الكبير إقتصادياً ومالياً يطال شتى مناحي الحياة ويدفع باللبنانيين الى قعر الهاوية، وما استتبع ذلك من فقر وجوع وبطالة وإنهيار القيمة الشرائية للعملة الوطنية. ومع هذا تتصرف القوى السياسية بلا مسؤولية ولا أهلية في التعاطي مع أزمات البلد السياسية والإقتصادية والكيانية، التي يرزح المواطنون تحت وطأتها ويئنون من إنعكاساتها المدمرة.

في ذكرى رحيلك أيها الرفيق الحبيب، لا أحد يجادل في مقدار وحجم الخسارة والفراغ الذي خلفت، لكننا نسير على درب الألام. منذ عقد حين فقدنا الرفيقة وداد شختورة قائدة نقابية صلبة ورائدة في حقل العمل النسائي، ومن بعدها فقدنا العزيز القائد ابو حسين الشوباصي، ثم جاء رحيل القائد المناضل محسن إبراهيم قائد المنظمة وملهمها فكراً ورؤية من موقع الإلتزام بقضايا الحداثة والتقدم والتحرر الاجتماعي والديمقراطية على الصعيدين الوطني والعربي، وتبعه القائد الجنوبي الرفيق المناضل أبو حسن مروة. من دون مكابرة، خفت الموازين، لكن الوهن لم يستوطن أحداً من الرفاق. ما زلنا في الموقع السياسي الأصيل والمستقل والنزيه، وما زلنا ونظل نحمل الآم شعبنا وقضاياه، مسكونين بالأمل في النضال من أجل قيام نظام ديمقراطي عادل وكيان وطني مستقل.

لذكراك وذكرى رفاقنا القادة والمناضلين عبق الرياحين وأريج الأصرار على السباحة عكس تيار الطوائفية القاتلة.

Leave a Comment