سياسة مجتمع

حرب غزة والشروط الضرورية لتحقيق الصمود اللبناني المطلوب

د. وهيب سلامة

صور ـ 22 تشرين الثاني 2023

بينما تدخل حرب الابادة الصهيونية ضد الشعب الفلسطني في قطاع غزة والضفة الغربية يومها ال ٤٥ ضمن خطة اقتلاع الشعب الفلسطني من ارضه التاريخية، وتنفيذا للمشروع الصهيوني الأصلي، والهادف الى السيطرة الكاملة على كل فلسطين وانهاء القضية، والتخلص من الكتلة البشرية الفلسطنية عبر عمليات الاقتلاع والتطبيع والتطويع، وإعادة التوزيع من خلال نكبة جديدة على البلدان المحيطة والبعيدة. كل هذا يجري، مع ما يحفل به الميدان الفلسطيني، من مجازر دموية يندى لها الضمير الانساني، وبخاصة مواقف الدول الاوروبية واميركا و”العالم المتحضر” الذي يغمض جفينة عن ابشع ابادة بشرية في التاريخ الحديث بكل ما تتكدس داخلها من بشاعة ورعب وهمجية متوحشة ضاربة عرض الحائط جميع المواثيق والمعاهدات الدولية والحقوقية والمفاهيم الاخلاقية والانسانية وكل الشرع العالمية، وفي تناقض واضح بين المفاهيم والادعاءات وتعريفات الضحية والجلاد، وحق الدفاع عن النفس، والمحتل والمعتدي الارهابي ..!

هذا الخلط والتجاهل المطلوب، القصد منه تأمين أطول فترة من الوقت للدولة الصهيونية لكي تنجز مهمتها في تنفيذ مخططها الانتقامي الرادع، والسيطرة الحاسمة والطويلة الامد لانجاز المراحل المتقدمة من مشروعها الأصيل، بصفتها قاعدة متقدمة للدفاع عن مواقع المستعمرين القدامى والجدد، ونهب خيرات شعوب المنطقة، والتدخل في خياراتها السياسية والاجتماعية والوطنية. وفي ظل عجز عربي واسلامي عن مد يد العون للشعب الفلسطيني الذي يواجه منفرداً الآلة العسكرية الاسرائيلية المجرمة.

اذاً وبينما تدخل المواجهة الفلسطينية – الاسرائيلية اليوم الـ ٤٥ بعد العملية البطولية التي شنتها “حركة حماس”، والتي وجهت خلالها ضربة عسكرية وامنية واستراتيجية وجودية للدولة الصهيونية، وما نتج عنها من خسائر تكبدها المحتل الغاصب، وما تلا ذلك من هجوم صهيوني غاضب  ضد الشعب الفلسطني الصامد على ارضة، وما تخلله من مجازر صهيونية ترتكب في كل لحظة ضد الاطفال والنساء والشيوخ، وكذلك ضد الصحافيين والجسم الطبي والاستشفائي هذة المجازر التي صنفت من قبل العديد من المؤسسات الحقوقية والدولية كجرائم ابادة جماعية وجرائم ضد البشرية .

وفيما حرب الابادة  ضد الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية تستعر وترتفع ارقام الشهداء والمصابين، تتصاعد المواجهات على ارض فلسطين ويجرى تسخين المواقع الحدودية بين لبنان والدولة العبرية. إذ اندلعت ومنذ اليوم الثاني لعملية ٧ تشرين ما سمي بالحرب المنضبطة ضمن “قواعد الاشتباك” المتفق عليه، والتي ترتفع مخاطرها وتزداد خسائرها ونتائجها الكارثية والمنذرة بتدحرجها اتساعاً وخطراً .

ورغم التدخلات والاعلانات والاتصالات المستمرة بين جميع القوى والاطراف الفاعلة اقليمياً ودولياً لمنع اتساع وحصر رقعة المواجهات، فقد سقط العديد من الشهداء خلالها نا يزيد عن 70 شهيداً ” للمقاومة الاسلامية”، عدا المدنيين والاعلاميين، مضافاً لذلك النزوح الواسع من القرى والبلدات الحدودية واحراق الحقول والمحاصيل الزراعية، وتدمير للبيوت وتشريد للطلاب وذويهم بعيداً عن منازلهم ومدارسهم وفي ظروف نفسية واجتماعية ومعيشية خانقة وضاغطة   …

تضاف هذه المخاطر،  واحتمالات توسعها بفعل التهديدات الاسرائيلية، إلى الوضع الاقتصادي والمالي الذي يعانية لبنان واللبنانيين، في  ظل حالة التفكك والاهتراء للدولة ومؤسساتها والذي يقاد بحكومة تصريف للأعمال، جراء شغور موقع رئيس الجمهورية وفراغ العديد من المؤسسات الشرعية، والامنية وانعدام الامكانات المادية والمالية للصمود والمواجهة، وحالة الانقسام الاهلي العمودي. وهي الاسباب التي تمنع امكانية تنفيذ اية خطة طارئة للمواجهة سواء منها الصحية ام الاجتماعية المعيشية وذلك بفضل عدم الجهوزية وانعدام الامكانات المادية واللوجستية والبشرية للمستشفيات والمؤسسات الصحية في الجنوب وفي كل انحاء  الجمهورية المترنحة . ورغم الكلام الرسمي  والاجتماعات الوزارية التي تمخضت عن قرارات بتشكيل “خلية ازمة” لمواجهة المخاطر والازمات الزاحفة، فإن الجهود والاجتماعات الوزارية والنيابية لم تتخطى إعداد الخطط الورقية، غير المضمونة التفيذ، بالنظر للواقع الاقتصادي والمادي والافلاس الذي تعيشة الدولة والمؤسسات، بما فيها، الصحية -الرسمية منها كما الخاصة، وقبل انفجار الاوضاع الخطيرة وتداعياتها المحتملة على البلاد. اذ  هي ما زالت تترنح تحت تأثير الازمة العاصفة، وغياب اي خطة انقاذية بديلة تعيد البلاد الى سكة التوازن المالي والاقتصادي والاجتماعي. اذ إن البلاد تعاني من انهيار المخزون الدوائي والغذائي كمية ونوعية، وانعدام الصيانة وهجرة الكوادر المتخصصة والكفوءة من الاطباء والممرضين.؟؟؟

إزاء هذه الوقائع القاهرة والصادمة تبقى المراهنة على الدعم الدولي من المؤسسات والجمعيات والتي هي بالاساس المساهم الاول، بفعل غياب وعجز الدولة، والضامن المتبقي لبعض الخدمات الطبية المرضية والاساسية للبنانيين والمقيمين، والتي لا يمكن باي شكل مقارنتها بالامكانات المطلوبة لمواجهة حالات الكوارث العسكرية الطارئة، مع ما ينتج عنها من زيادات في الاصابات والاستهلاك المطلوب من المواد الطبية والمستلزمات الاستشفائية والغذائية والمياه والمحروقات. وما يترتب علية من دمار في البنية التحتية المدنية والعمرانية. والمهمة الاساس على اللبنانيين جميعاً بغض النظر من انتماءاتهم الحزبية والمناطقية والطائفية والطبقية، تتعلق بتضافر الوعي والإرادة، لتغليب المصلحة الوطنية وتجنيب البلاد المغامرات غير المجدية، واعطاء المبررات المجانية للعدو الصهيوني المتربص بالوطن شراً، عبر العودة المجددة لاستعمال  البلد ساحة لتبادل الرسائل وممارسة الضغوط ضمن الصراعات الإقليمية، والتي  يمكن أن تسبب خسائر صافية بالارواح والعمران، وتهديداً لوحدة الوطن  وشعبه ونهوضه واستقراره.

Leave a Comment