سياسة مجتمع

حرب الإبادة الإسرائيلية تصوب على وكالة “الأونروا”: اميركا تقود حملة المعاقبة الجماعية للشعب الفلسطيني

زهيرهواري   

 بيروت 30 كانون الثاني 2024 ـ بيروت الحرية

ردت إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية ومن يدور في فلكهما على قرار محكمة العدل الدولية التي انعقدت الأسبوع الماضي في لاهاي – هولندا للنظر باتهام جنوب افريقيا لاسرائيل بممارسة حرب إبادة عنصرية ضد الشعب الفلسطيني، بإعلان حرب مفتوحة على وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الادنى – الاونروا –، وهو ما أدى إلى الآن لتوقف حوالي 12 دولة عن تقديم تبرعاتها السنوية لتمويل وكالة الاونروا من بين الدول الرئيسية المساهمة. ومن ابرز هذه الدول اميركا وبريطانيا وألمانيا  وايطاليا واليابان وكندا، ما يعني أن الاونروا مهددة بالتوقف عن تقديم خدماتها خلال الشهر المقبل في وقت أحوج ما يكون فيه الشعب الفلسطيني لهذه الخدمات، وخصوصاً في قطاع غزة الذي يتعرض للتدمير الممنهج منذ حوالي 110 أيام، ويفتقد سكانه إلى كل مقومات العيش دون استثناء، من المأوى إلى الطعام والشراب والطبابة والأغطية والثياب وكل ما يحتاجه الانسان وسط طقس شتوي عاصف، فضلاً عن الأمن المفقود في طول القطاع وعرضه. ومع أن البعض لا يرى رابطا بين الامرين، الا أن الفعلي أنهما مترابطان على نحو لا يقبل الجدل. فمحاولة إسرائيل تدمير مقومات الحياة في قطاع غزة إلى الحد الذي يتعذر استعادتها، وشن حرب يومية لا هوادة فيها على المخيمات والقرى والمدن في الضفة الغربية، لا يمكن له أن يحقق أهدافه الا من خلال تصفية وكالة الاونروا باعتبارها المسؤولة عن حماية وتقديم الخدمات للاجئين الفلسطينيين منذ العام 1950. وخلال أيام الفظائع التي ارتكبت ضد القطاع وأهله ولاجئيه فقدت الاونروا حياة أكثر من 150 موظفاً من العاملين لديها، ودمرت حوالي 60 مدرسة وكذلك عشرات المراكز الصحية. علما أن مدارس الاونروا تحولت إلى مراكز إيواء، لكنها قصفت بالدبابات والطيران ما أدى إلى خسائر بشرية فادحة بين أولئك الذين اعتبروا أن ارتفاع علم الاونروا على هذه المباني كاف لحمايتهم. وهو ما رفضته بالنار إسرائيل، وتلاقت مع اميركا في منع صدور قرار عن الأمم المتحدة يقضي بوقف القتال أو اعلان هدنة مؤقتة للملمة الجراح وإدخال المساعدات الغذائية والطبية للمحاصرين منذ قرابة الأربعة أشهر، أي منذ 7 تشرين الأول / أكتوبر العام 2023 .

لازاريني وغوتيريش

المفوّض العام للوكالة فيليب لازاريني وصف الوضع في غزة بأنّه “جحيم على الأرض” ودعا أكثر من مرة إلى “وقف المجزرة”، وأكّد أنّ ما يحصل “يدفعنا جميعاً إلى إعادة التفكير في قيمنا” لأنّ الحرب “تلطّخ إنسانيتنا المشتركة”. وتوجّه إلى قادة العالم محذّراً من أنّ “التاريخ سيحاكمنا إذا لم يتوقَف إطلاق النار في قطاع غزة”. كذلك انتقد لازاريني “تجريد الفلسطينيين في غزة من إنسانيتهم”، لأنه سيؤدّي  إلى “الانهيار”.

أما الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، فأكد على أهمية ضمان استمرارية الدول المانحة في عمليات تمويل وكالة الاونروا التي علقتها العديد منها بسبب اتهامات اسرائيل بأن موظفين في الوكالة قد يكونون ضالعين في هجوم حماس في السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي. علماً أن الوكالة صرفت بعض الموظفين بعد الاتهامات الإسرائيلية ووعدت بتحقيق شامل. وأوضح غوتيريش أن من بين 12 شخصاً وجهت إليهم اتهامات وفتحت الامم المتحدة تحقيقاً بملفاتهم، “تم التعرف على تسعة منهم وإنهاء خدمتهم”، مشيراً إلى وفاة موظف من بين الذين تدور حولهم المزاعم، فيما يجري العمل على كشف هوية الاثنين الآخرين.

وأضاف غوتيريش في بيان أصدره: يجب عدم معاقبة عشرات آلاف الرجال والنساء الذين يعملون لحساب الأونروا، في أخطر الظروف للعاملين في المجال الإنساني”. وأكد أنه “ستتم مساءلة أي موظف في الأمم المتحدة متورط في أعمال إرهابية، ويشمل ذلك الملاحقة الجنائية”، وشدد على أن الأمم المتحدة مستعدة للتعاون مع سلطة مختصة قادرة على محاكمة مثل هؤلاء الأفراد. ودعا إلى” تلبية الحاجات الملحة للسكان اليائسين، لأن مليوني مدني في غزة يعتمدون على مساعدة الأونروا الحيوية لاستمراريتهم، لكن التمويل الحالي للأونروا لن يسمح بتلبية كل الحاجات في شباط/ فبراير”. وعلى ما يبدو تلقفت اميركا الاتهام الإسرائيلي وأطلقت الحملة المسعورة دون التثبت من الادعاءات.

ومنذ قيامها باتت وكالة أونروا، في غياب أيّ جهة أخرى ذات صلاحية، الهيئة الوحيدة الضامنة للوضع الدولي للاجئ الفلسطيني في أقاليم عملياتها الخمسة: الأردن ولبنان وسورية والضفة الغربية وقطاع غزة، في انتظار التوصّل إلى حلّ نهائي لقضيّتهم. وفي غياب أيّ حلّ لقضية اللاجئين الفلسطينيين، عملت الجمعية العامة للأمم المتحدة وبصورة متكررة على تجديد ولايتها، باعتبارها مسؤولة عن مواصلة حماية ودعم اللاجئين وتقديم الخدمات لهم حتى عودتهم إلى ديارهم. ومن المعلوم أن خدمات الوكالة تتوزع في مجال التعليم،على  706 مدارس تتبع لها وتضمّ 544 ألف تلميذ وتلميذة. أمّا في المجال الصحي فثمّة 140 مركزاً حتى نهاية عام 2023، تُسجَّل فيها سنوياً نحو 7 ملايين زيارة، كما تقدم مساعدات غذائية للأسر الأشد فقراً في المخيمات، وقروضا لتمويل مشاريع صغيرة لمساعدة الفئات الهشة على الوقوف على أقدامها في مناطق عملها الخمسة وهي : الضفة الغربية ( 19 مخيماً) و8 مخيّمات في قطاع غزة، و10 مخيّمات في الأردن، و12 مخيّماً في لبنان، و9 مخيّمات في سورية.

وثمّة 5.9 ملايين لاجئ فلسطيني مسجّلين لدى وكالة الأونروا ويمكنهم الاستفادة من خدماتها، التي تشمل التعليم والرعاية الصحية والخدمات الاجتماعية والبنى التحتية للمخيّمات والتمويلات الصغيرة والمساعدات الطارئة. ومن المعروف أن الأوضاع الاجتماعية في سائر المخيمات بالغة التردي عموماً، ولا سيما في قطاع غزة. وبحسب بيانات الأمم المتحدة الصادرة في أغسطس/ آب 2023، فإنّ 63 في المائة من الفلسطينيين في القطاع يعانون من انعدام الأمن الغذائي، ويعتمدون على المساعدات الدولية، علماً أنّ أكثر من 80 في المائة من السكان يعيشون تحت خطّ الفقر. ويضمّ القطاع حالياً نحو 1.7 مليون نازح، أي الأغلبية الساحقة من السكان، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة. أمّا إجمالي عدد سكان غزة فنحو 2.3 مليون نسمة. ومن بين موظفي الوكالة البالغ عددهم 30 ألفاً، يعمل 13 ألف شخص في قطاع غزة، موزَّعين على أكثر من 300 منشأة مُقامة على مساحة 365 كيلومتراً مربّعاً.

التمويل الدولي والابتزاز

ويتم تمويل الوكالة لنفقاتها السنوية، في أقاليم عملياتها الخمسة، من خلال المنح المالية التي يقدّمها أعضاء في الأمم المتحدة، لعلّ أبرزهم الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وألمانيا والسعودية والاتحاد الأوروبي والسويد واليابان والإمارات وقطر. وتمثّل المساعدات المالية الدولية ما نسبته 93 في المائة من مجمل نفقات الوكالة، فيما تتوزّع النسبة المتبقية على منظمات دولية إغاثية وإنسانية.

وبحسب ميزانية وكالة أونروا لعام 2023 الماضي، بلغ إجمالي النفقات 1.6 مليار دولار، من دون احتساب النفقات الإضافية التي تسبّبت فيها الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، البالغة 481 مليون دولار في الربع الأخير من عام 2023، الأمر الذي يعني أنّ المبلغ يتجاوز مليارَي دولار. وتتوزّع نفقات وكالة أونروا بالطريقة الآتية: 58 في المائة للتعليم، و15 في المائة لقطاع الصحة، و13 في المائة لإسناد العائلات معيشياً، و6 في المائة للإغاثة الاجتماعية، و4 في المائة لتحسين البنية التحتية للمخيّمات، و4 في المائة أخرى لحالات الطوارئ. ومن المعلوم أن الاونروا خلاف كل المنظمات التي تتبع الأمم المتحدة تحصل على تمويلها من التبرعات، بينما سواها كالاونيسكو والاسكوا واليونيفيل وما شابه تحصل على تمويلها من موازنة المنظمات التابع للأمم المتحدة. وهو ما يبقيها رهينة الدول المتبرعة التي لا تجد أن هناك ما يلزمها بدفع المتوجب عليها. وتلجأ الوكالة إلى توجيه نداءات طواريء في حالات محددة ( حروب – أوبئة – كوارث طبيعية )، ولا تدخل هذه في الموازنة السنوية. ودوما وبفعل تواتر الأوضاع الطارئة تعاني موازنة الاونروا من عجز سنوي، خصوصا في بند المشاريع التي تتولاها في البنى التحتية للمخيمات.

العقاب الجماعي

من جهته، أكد المفوض العام للأونروا فيليب لازاريني أن “الفلسطينيين في غزة لم يكونوا بحاجة إلى هذا العقاب الجماعي الإضافي. هذا يطالنا جميعاً”. وذكر لازاريني أن قرار الدول يهدد عمل الأونروا الإنساني في المنطقة خاصة في غزة. وتابع: “من الصادم أن نشهد تعليق التمويل للوكالة رداً على مزاعم بحق مجموعة صغيرة من الموظفين، لا سيما في ضوء التحرك الفوري الذي اتخذته الأونروا بإنهاء عقودهم وطلب إجراء تحقيق مستقل يتمتع بالشفافية”.

ما ذكرناه بداية عن أن ما تتعرض له الاونروا هو من باب الرد على قرارات محكمة العدل الدولية التي وضعت إسرائيل في قفص الاتهام، مثلها مثل الأنظمة النازية والعنصرية التي عرفتها البشرية. ومن المعروف أن هذه ليست المرة الأولى التي تكال فيه الاتهامات الإسرائيلية والأميركية للوكالة والمطالبة بإنهاء عملها وتحويل اللاجئين المسجلين لديها إلى المفوضية السامية للاجئين في العالم، وبذلك يضيع اللاجئون الفلسطينيون،أي 5.6 مليون نسمة بين حوالي 140 مليون لاجيء في العالم مسجلين لديها، ويصبح هم المفوضية لهم كما سواهم هو تدبير دولة لجوء لهم أسوة بباقي اللاجئين في العالم، وبذلك ترتاح إسرائيل من حلم عودة اللاجيء الفلسطيني إلى أرضه وهو ما تتوارثه الأجيال الفلسطينية. أما الاتهامات التي وجهت للاونروا خلال السنوات المنصرمة، ولا سيما في العامين 2018 و2019 مترافقة مع صفقة القرن والسياسات الأميركية بتصفية القضية الفلسطينية، فتراوحت بين معاداة وزرع الكراهية لإسرائيل في صفوف تلامذتها وتحويل مدارسها إلى مخابيء للأسلحة والذخائر، وتخريج طلاب معادين للسامية وما شابه. ومع أن الولايات المتحدة خلال ولاية الرئيس السابق دونالد ترامب قد قطعت التمويل عن الوكالة ( تساهم اميركا بحوالي ثلث موازنتها ) الا أنها فشلت في زعزعة شرعية الوكالة دولياً، بدليل أن الجمعية العمومية للأمم المتحدة تابعت سنوياً التجديد لولاية الوكالة وقيامها بالمهام المناطة بها.

Leave a Comment