سياسة

تعدد لوائح المعارضة أقصر الطرق لشرعنة منظومة السلطة

 زكـي طـه 

ليس بجديد أن يتوهم اللبنانيون أنهم محور الكون، وأن ينتظروا من دوله الكبرى حلولاً ومعالجات لمشاكلهم وأزماتهم. وليس غريباً أن يظن بعض حكام لبنان  وزعمائه، أن وجودهم في السلطة أو خروجهم منها، هو قضية دولية إو إقليمية  تتطلّب تدخلات خارجية لمنع انفجار حرب عالمية. هكذا كان دأبهم منذ عهد الإمارة ولم يزل، والأمثلة لا حصر لها.

وليس مستهجناً، تجاهل أكثرهم أن الخارج تحركه مصالحه، وأن بعض أزمات لبنان وأوضاعه هي بعض انعكاسات ما يجري من نزاعات وحروب في المنطقة والعالم. وأن اهتمام الدول بلبنان يتقدم أو يتراجع تبعاً لمصالحها أولاً.

ولهذا تجد اللبنانيين يُقيمون على انتظار تسويات ومخارج لما هم فيه من الخارج، وهو المشغول باولوياته المتمثلة راهناً بالحرب الدائرة على أوكرانيا وفيها، بكل أبعادها الاستراتيجية عالمياً، في السياسة والامن والاقتصاد، بين روسيا ومن يقع في صفها، وبين دول حلف الناتو بقيادة الولايات المتحدة. يضاف لها انعكاساتها على المفاوضات الصعبة والمعقدة القائمة بين الدول الكبرى مع إيران حول سياساتها ودورها في النزاعات المتفجرة والحروب الأهلية القائمة في العديد من ساحات المنطقة المستباحة إقليمياً ودولياً. وآخر تجليات تلك المضاعفات، أن التطبيع مع العدو الاسرائيلي، انتقل إلى تشكيل منظومة إقليمية جديدة بقيادته، تضم دول مصر والمغرب والامارات والبحرين، برعاية أميركية مباشرة. والأهداف المعلنة الدفاع عن دول المنطقة ومواجهة الخطر الايراني الذي يهدد كياناتها ووحدة مجتمعاتها. أما بديل المشاركة السعودية فهو موقف ولي عهدها الذي لا يرى في إسرائيل عدواً للدول العربية وخطراً عليها.

وبصرف النظر عن مضاعفات ما يجري ومخاطره على مصير البلد المحاصر بالانهيار الشامل على كل المستويات. تتابع أطراف السلطة المسؤولة عن أوضاعه، التحضير لمعاركهاالانتخابية. ورغم النتائج المتوقعة يستمر توالد لوائح المرشحين تمهيداً لخوضها في موعدها الافتراضي منتصف شهر أيار القادم. ولأن جميع القوى تستهدف تحقيق أقصى قدر ممكن من الارباح أو أقله من الخسائر، فلا بد من استخدام كل الأسلحة بغض النظر عن النتائج.

ولذلك لم تتوقف معارك العهد، وآخرها التي يخوضها عبر القضاء مع حاكم المصرف المركزي والمصارف. في موازاة مبادرته لزيارة الفاتيكان استقواءً به وطلباً لمساعدته، واستعمالها منصة لتقديم أوراق الاعتماد لدى حزب الله، لتجديد التحالف بينهما في الانتخابات النيابية والرئاسية. في المقابل لم يتأخر الحزب عن ملاقاة العهد وتياره. ولهذا أعلنت قيادته بأعلى صوتها أنها تخوض وتتبنى معركة  نجاح الحلفاء في جميع المناطق. ولذلك بادر الحزب للضغط على شريكه الشيعي، وألزامه بالتحالف مع تيار العهد في أكثر من دائرة، رغم الخصومة المفتوحة وحملات التحريض المتبادلة  بينهما.

والأهم في معركة الحزب الضارية، إصراره على إخضاع اللبنانيين ترغيباً بالدعم الإيراني الذي لن يأتي. وترهيباً عبر حملة تحريض غير مسبوقة. ليس في مضمونها الاتهامي والتخويني وحسب، بل بما يرافقها من تهديدات وتهويل، لا يقتصر على المختلفين معه من شركائه في السلطة، وتصنيفهم “متآمرين وعملاء وأدوات للسفارات الاجنبية واميركا واسرائيل”. ولا يختلف الأمر مع مرشحي المعارضة أو المعترضين على سياساته. ولا يسلم من حملة التخوين المواطنين المؤيدين لهؤلاء أو المقاطعين احتجاجاُ.

في المقابل تخوض القوات اللبنانية معاركها بكامل عتادها التحريضي الميليشاوي، ويشاركها دعاة السيادة بقوة الخارج المناهض لإيران. ونظراً لاختلال موازين القوى الانتخابية لغير صالحها بما فيه حلفاؤها من أهل السلطة. فإن قيادتها لا تكل عن مناشدة الخارج الدولي الاميركي والفرنسي والعربي، وخاصة السعودي والخليجي منه، للمطالبة بالدعم وعدم التخلي عن لبنان المتمثل بهم. أما بيانات موفدي هذه القوى لعواصم تلك الدول، والتبشير بعودة العلاقات الخليجية واقتراب عودة السفراء، فهي للتغطية على الدعم المالي وما يدور حولها من شائعات كثيرة.

أما أحوال قوى السنية السياسية وموروثاتها ومدعي وراثتها، فإنها تعكس حالة الهزال السياسي، في امتداد نتائج أداء الحريرية السياسية للإستئثار بتمثيل الطائفة، وتوظيفه في إطار التسويات والصفقات للبقاء في السلطة بأي ثمن. وما أنتجه ذلك تباعاً من خلل اصاب موقع الطائفة ضمن توازنات الحكم. ومحاصرة موقع وصلاحيات رئاسة الحكومة، والتحكم بهما من قبل تحالف حزب الله وتيار العهد. وما يرجّح المزيد من التراجع، النتائج المتوقعة للانتخابات، التي ستفاقم اختلال توازن القوى، نظراً لافتقاد اللوائح الانتخابية المنافسة للحد الادنى من الوزن التمثيلي والأهلية السياسية. في المقابل تحاول التنظيمات الاصولية، كالاحباش والجماعة الاسلامية، تعزيز حصصهما النيابية، بأمل الفوز بموقع ما في السلطة، إلى جانب اللقاء التشاوري الذي يديره حزب الله.

من الواضح أن الانتخابات ستفضي إلى إعادة انتاج وشرعنة منظومة السلطة  وتجديد شرعية النظام عبر صناديق الاقتراع على نحو فادح. ليس في الأمر نبوءة، فقانون الانتخابات، ومسار تحضير قوى الاعتراض والمعارضة للانتخابات ومعطيات تشكل اللوائح، هما المقرر للنتائج المتوقعة. والمسؤولية عنها لا تغطيها الإحالة على قوى السلطة التي تعرف كي تدير معاركها، ولو قيّض لها أن تختار معارضة من خارجها،  فلن تجد أفضل من الذين يتنازعون تشكيل اللوائح الانتخابية تحت راية التغيير، باعتبارهم الضامن لانتصاراتها، وتكريس شرعية تسلطها وتحكمها بأوضاع البلاد، وكفالة اعتمادها من قبل الخارج.

والواضح أيضاً أن غالبية اللبنانيين، من غير قوى السلطة وجمهورها الميليشياوي، لا يبالون بما يجري التحضير له بمعزل عنهم. لأن نسخ برامج التغيير المعلنة، لا تتضمن سوى مبادىء عامة، ومسلمات تتعلق بدور الدولة ووظائفها. بدءً من نزاهة الادارة واستقلالية القضاء وضمان اموال المودعين وحماية البلد وحصرية السلاح… والسجال بشأن ترتيبها هو تغطية للهروب من موجبات البحث في شروط وسبل الوصول لها. بينما اولويات غالبية المواطنين من حقوق ومطالب وخدمات عامة أوليّة للعيش وفق الحد الأدنى،  تكاد لا تجد مكاناً لها في اهتمامات المرشحين ولوائحهم. وعليه لن يكون مفاجئاً إذا تجاهلوا انتخابات لا تعنيهم.

ليس خافياً أن مستوى هامشية غالبية المرشحين وحدود علاقاتهم مع بيئاتهم التي يسعون لتمثيلها، هما مصدر الخلل هزال موقع المعارضة في الانتخابات. كما في مفاوضات تشكيل اللوائح والتنافس البعيد عن نزاهة المسلك، والسعي لتنسيب المرشحين تسللاً أو ابتزازاً بقوة الأمر الواقع. في ظل تضخم الأنا والفئويات القاتلة وسيادة التفرد والإقصاء للآخر. المؤكد أن ما يجري هو دليل عجز، وتغطية لخفة وزن، أو سعياً لكسب وجاهة والبحث عن دور أو تسويقاً له. كذلك لا يغيب طمع البعض بفوائد مالية نظراً لتعدد مصادر التمويل. أما الحاضر الدائم في زواريب التفاوض بشأن تشكيل اللوائح، فهم ودائع قوى السلطة وأجهزتها، الذين يتقنون الجملة الثورية، والخبرة في تفخيخ اللوائح لتشكيلها على نحو مسيء لموقع ودور المعارضة المستقلة.

وإذا كان تفريع لوائح معسكر السلطة يقع في عداد خطط  قواها. فإن إصرار بعض الاحزاب والمجموعات على رفض الاحتكام إلى مقاييس جادة لاختيار المرشحين وضمان تشكيل لوائح موحّدة وعدم الالتزام بها. علماً أن استسهال خوض الانتخابات كيف ما كان، ليس سوى تأكيد لعجزها وعدم جدارتها في الانتساب للمعارضة. وهذا ما ساهم في تكريس واقع الشرذمة والتفكك والهامشية، التي لا يفيد في معالجتها إدمان الضجيج الاعلامي، والافراط في الحماسة وتوهم انتصارات لن تأتي.

رغم أن نتائج المعركة مقدرة سلفاً، وستنتهي بانتصار قوى السلطة الطوائفية إيّاها. وأن غالبيتها الحالية هي في الطريق لشرعنة استمرار تحكمها في إدارة شؤون البلاد في السياسة والادارة المالية والاقتصادية، وأن رؤيتها ومصالحها الفئوية للمستقبل ستكون هي الغالبة بعد الانتخابات.

وعلى الرغم مما حصل في ساحة المعارضة ونتائجه على صعيد تشكيل اللوائح. ولأننا لسنا من دعاة الورقة البيضاء أو المقاطعة، باعتبارهما انسحاباً غير مبرر من المعركة وخدمة لقوى السلطة، فإننا سنستمر في التحضير لخوض الانتخابات حيث يجب، وفي رفع الصوت لتدارك المزيد من الخسائر، بأمل المساهمة في رفع منسوب المشاركة في صناديق الاقتراع.

وبما أن الانتخابات ليست نهاية مطاف، فالمؤكد أننا سنتابع العمل تحضيراً لما بعدها، انطلاقاً من قناعة راسخة، بأن إنقاذ البلد من المخاطر الزاحفة، ومواجهة معسكر السلطة كان ولا يزال يستدعي وجود تيار سياسي ديمقراطي تعددي معارض وفق ثوابت سياسية مقنعة لغالبية اللبنانيين، على نحو يسمح بالتأطير السياسي وتحشيد أوسع القوى والفئات المتضررة حول حقوقها ومطالبها، لخوض معاركها المطلبية، وبناء توازن قوى قادرعلى شق مسار تراكمي ينقذ البلد ويضعه على طريق التغيير والتقدم.

Leave a Comment