سياسة صحف وآراء

غزة والعرب والعالم اليوم: حوار مع حسام عيتاني عن جذور ومحصّلات ما يجري في منطقتنا وحولها (2)

* ملاذ الزغبي

لنتحدث عن المسألة من الجانب الغربي الآن، أودُّ أن أسألك عن نقطتين، هل سيستمر الدعم الغربي لإسرائيل بشكله الحالي، وهل ترى أن هناك تأثيرات سلبية حصلت على حرية التعبير في بعض الدول الغربية وخاصة في ألمانيا مثلاً، أم أنها مجرد سحابة صيف عابرة؟

فيما يتعلق بالنقطة الأولى، نعم، التحالف الغربي مع إسرائيل سيستمرّ. دائما ما ننسى جوانب أساسية في هذا الإطار، أن إسرائيل أُنشئت بقرار من الأمم المتحدة، وأن إسرائيل هي الحل الذي توصل الغرب له للمسألة اليهودية التjordan 5 gore-tex outlet geox spaccio online von dutch cap benetton saldi jordan 5 gore-tex zapatillas Nike baratas outlet geox spaccio online and camicie donna marsupio mandarina duck penn state football jersey 24 bottle borse ynot blundstone outlet florida state football jersey scarpe ovyè ي بدأت بالقرن التاسع عشر وبلغت ذروتها بالهولوكوست، ولا يُفهَم التمسك الغربي بإسرائيل لا عبر تأمينها مصالحه أو حماية الخطوط الإمداد، ولا بصفتها قاعدة استراتيجية غربية في الشرق الأوسط، من دون العودة إلى حقيقة أن إسرائيل هي الحل الذي توصَّلَ له الغرب للمسألة اليهودية.

بشأن النقطة الثانية، علينا أن نسأل: حرية التعبير لِمن؟ نلاحظ أن أكثرية المعترضين على وضع الحريات ينحدرون من بلاد لا حريات فيها، أي أننا نسمع فلسطينيين ومناصرين لهم يتحدثون عن تعرُّضهم لمضايقات في ألمانيا، لكننا لا نسمع الألمان يحتجون، نسمع أصوات مهاجرين وعرب ومنتمين لليسار الراديكالي، لكن المناخ العام في ألمانيا لا يعترض، وذلك لأسباب تراوح بين القبول الكامل بالسلوك الإسرائيلي والتماهي مع فكرة حق الدولة بالدفاع عن نفسها، وصولاً إلى فكرة التماهي الضمني بين الألمان واليهود كما كتب أحد النقّاد في لندن ريفيو أوف بوكس، أي أن الألمان ليس لديهم مانع بما يحصل لأن إسرائيل برأيهم هي امتداد للحضارة الغربية إلخ.

لكن ألا توجد أصوات لمثقفين أو يهود ألمان يعترضون على التضييق على حرية التعبير؟

أفرادٌ فقط، ودائماً ما يهتم بهم الإعلام العربي ويُبرزهم بشكل أكبر بكثير من حجمهم الحقيقي، فهم لا يمثلون حالة عامة ولا يمثلون فاعلاً سياسياً. هناك عدد كبير من المثقفين والأكاديميين والمفكرين اليهود أبدوا اعتراضات على سلوك الحكومة الإسرائيلية واعتراضات على الاحتلال الإسرائيلي منذ 1967 إلى اليوم، لكن هؤلاء في وادٍ وصُنعُ القرار والأكثريةُ الشعبية والسكانية، سواء في إسرائيل أو في الغرب، في وادٍ آخر. ما الفرق الذي يصنعه مثقف يهودي يقدم دائماً البراهين على عنصرية إسرائيل بينما في المقابل يتشكل الكنيست الإسرائيلي من عنصريين؟ ما الفائدة الواقعية هنا؟

نعود إلى فكرة الفعالية السياسية التي لا تُنتجها مقالة في جريدة أو مقابلة تلفزيونية، وإنما تُنتجها كمية من الناس المقتنعين أن القضاء على الفلسطينيين هو حلّ القضية الفلسطينية! وهؤلاء موجودون بالملايين في إسرائيل، أو من المقتنعين بأن أي كلمة لتأييد الحق الفلسطيني هي مُعاداة للسامية كما هو المناخ العام في ألمانيا. لا أزعم أنني خبير بالشأن الألماني، ولكن من نسمعهم يعترضون على ما يحدث هناك هم أفراد، ليسوا أحزاباً مثلاً.

ماذا عن القوى الدولية الأخرى؟ وهنا أقصد بشكل أساسي ثلاث دول، الهند الصاعدة التي تميلُ بشكل متزايد رسمياً وشعبياً نحو إسرائيل، وكل من الصين وروسيا اللَّتين صدرت عنهما مواقف متفرقة دون تأثير حقيقي على المشهد.

قد تكون الهند هي النموذج الفاقع بين هذه الدول الثلاث، فدلهي كانت تُعتبر مركز ثقل للعالم الثالث وحركة عدم الانحياز والجنوب العالمي، وتحولت إلى واحدة من أشرس الحلفاء لإسرائيل. هذه الظاهرة ليست بسيطة، وتفسيرها لا يُعزَى إلى أن العرب لم يهتموا أو لم يبدوا العناية اللازمة بالحليف الهندي، وإنما لأنّ الهند نفسها تحولت، والمناخ الهندي الداخلي يركز على القومية الهندية وعلى إنتاج إجماع وطني قائم على الهندوسية والثقافة الهندية، وهذا الإجماع الوطني جعلَ من المسلمين الهنود عدوه الأول، واستطراداً المسلمون الهنود يمثلون العرب والفلسطينيين، وبالتالي من الطبيعي أن يكون العدو للهند الجديدة هو الفلسطينيين.

أما الصين فلديها جدول أعمالها المستقل وتوجهها وقضاياها واهتماماتها التي لا تُعنى كثيراً بمنطقتنا. إذا استمعت إلى خطاب ممثل الصين في مجلس الأمن خلال الجلسة التي تم التوافق فيها على قرار لوقف إطلاق النار برمضان الفائت، فإن خطابه كان يُزايد حتى الدول العربية، لكنه ينتهي هنا. بكين غير مستعدة للذهاب أبعد من ذلك، فهي في النهاية جزءٌ من النظام العالمي، وهناك تريليونات الدولارات بالتبادل والصلات مع شركات التكنولوجيا العالمية لا تسمح لهم بأن يزيدوا عن الدعم اللفظي أو أن يتحولوا إلى فاعل حقيقي في الشرق الأوسط أو غير الشرق الأوسط. يدعمونك لفظياً وعاطفياً ومعنوياً فقط.

لروسيا وضعٌ مشابهٌ إلى حد ما، ولا يحول دون فاعليتها انشغالُها بأوكرانيا فقط. وكذلك إذا استمعت إلى خطاب المندوب الروسي في مجلس الأمن، فهو يتحدث عن الجرائم الإسرائيلية والإبادة.. إلخ، لكن لموسكو حساباتها الخاصة ورؤيتها للعالم.

لننتقل إلى لبنان الآن. أكثر من 4 سنوات مرت على انتفاضة تشرين الأول (أكتوبر) 2019، بينما نقترب من الذكرى الرابعة لتفجير المرفأ في آب (أغسطس) 2020، وأنت تحدثت في مناسبات عدة عن مسؤولية المجتمع اللبناني نفسه عن وضعه الحالي وركوده الرهيب. هل ترى أن لبنان حالة ميؤوس منها!

أعتقد نعم، هو حالة ميؤوس منها، إذا استخدمنا المنظور القائل إن المجتمعات يجب أن تسير نحو طريق ما، هناك من يسميه التقدُّم، هناك من يسميه العدالة الاجتماعية، وفريقٌ ثالث يدعوه المساواة، وآخرون الدولة. أي أن المجتمعات النامية يجب أن تسير في هذا الطريق، أن يكون هناك وجهة ما. قد تنحدرُ هذه الفكرة من العقائد الخلاصية، واستُكمِلَت مع الماركسية ومع الدول القومية في أوروبا ثم مع القومية العربية..إلخ. المجتمع اللبناني هو نموذج اللّا وجهة. تتشاركُ مجموعاتٌ شكلاً من أشكال الهيمنة على أكثرية سُكّانية راضية.

إذا أخذنا انتخابات 2018 وهي آخر انتخابات قبل الأزمة، وانتخابات 2022 وهي انتخابات ما بعد تفجير المرفأ والمظاهرات والفضائح والانهيار الاقتصادي وسرقة الودائع، نجد أن ما أنتجته كل هذه الأزمات هو 7 أو 8 نواب متصارعين ومختلفين، بينما عاد إلى البرلمان نحو 115 إلى 120 نائب من القوى التقليدية الأكثر رثاثة والأكثر تَورُّطاً في صناعة الأزمة وفي الاستفادة منها. ما السبب؟ هو اعتقادٌ عند أكثرية اللبنانيين أن حماية وجودها وسلامتها تضمنه هذه الزعامات الطائفية أكثر مما يضمنه مشروع غائمٌ وضبابي عن الدولة غير الموجودة أساساً. أي أنا أضعُ رهاني على شيء موجود وملموس ولديه مؤسساته، وحتى جيشه إن شئت، ونفوذه القادر على خدمتي وعلى أن يدخلني إلى المستشفى أو يدفع أقساط المدارس أو يؤمن لي فرصة عمل، على أن أراهن أو أتعلَّقَ بمشروع وهمي اسمه الدولة أو الديمقراطية أو العدالة أو التقدُّم.

إذا عُدنا مرة أخرى إلى تجارب قديمة، القوى اليسارية في لبنان كانت تدرك هذا الجانب، كان لديها مستوصفات، كانت تشقّ الطرقات، وترسل طلاباً لاستكمال دراستهم في الاتحاد السوفييتي، كانت تُؤمّنُ مصلحة، تُؤمّنُ فرصة للتطور في الحياة العادية. القوى التي تقول اليوم بمعارضة المنظومة الطائفية ليست لديها القدرة على أن تفعل شيئاً مماثلاً أو أن تُقدِّمَ خدمات. ما فائدة أن يكون لدي نائب آدمي ومحترم وفهمان، دون أن يكون قادراً على أن يفيدني.

هؤلاء الفاسدون الطائفيون المتخلفون قادرون على تقديم أشياء ملموسة تُفيد قواعدهم الانتخابية، ولا يمكن استبدال ذلك بالكلام فقط، بل عليك إحلال ما هو أفضل منه، وبالتالي نبقى ضمن المعادلة نفسها، وليس من مَخرج.

الحرب الأهلية كانت دخلت بما يشبه الدائرة المُفرغة بين 1975 و1990، ولم تنكسر هذه الدائرة المُفرغة إلّا عند تدخّل الخارج، لمّا اتَّفقَ الأميركيون والسعوديون والسوريون أن الحرب يجب أن تنتهي وبات هناك مشروعٌ عنوانه رفيق الحريري. اتَّفقَ الجميع حينها لعدة أسباب إقليمية وعالمية فرضت نهاية الحرب الأهلية، وانتهت على شكل تفويض عربي ودولي لنظام حافظ الأسد أن يدير لبنان، وأَدارَهُ بما يَعرِفْ، بأسلوبه الذي يُديرُ الأشياء به، فاستمرت الحياة بشكل ما. بعد اغتيال الحريري عُدنا للنقطة صفر، الانقسامات نفسها عادت لتترسّخ، والمناطق تقريباً مُقسَّمة والمؤسسات مُنهارة والوضع مشلول، ولا يوجد توافق دولي لإنهاء الأزمة لأن لا أحدَ يحتاج لبنان، لا فائدة لأحد من حلّها، بالعكس هي عبء. من العبء التورّطُ مع مجموعة من الفاسدين والكاذبين ومجرمي الحرب والميليشيات، ومن أجل ماذا؟ لا جدوى. في الفترة السابقة بين 75 و90 كان لبنان يمثل ساحة تُفرَّغُ فيها كل احتقانات المنطقة، والآن ما الفائدة من حل الأزمة اللبنانية من وجهة نظرة قوة دولية كبرى؟ وضعُ سكانه كوضع ملايين آخرين حول العالم.

يبدو السؤال عن الثورات العربية مُحيِّراً، فأوضاع كل الدول التي شهدت انتفاضات أو ثورات تتراوح بين سيئة وأكثر سوءاً، بين استقرار هشّ يُرافقه إما قمع أو تردٍّ اقتصادي في أفضل الأحوال واحتلالات وحروب أهلية متفجرة في أسوئها، هل من الممكن أن نشهد أي تغييرات أو اضطرابات بسبب تفشي الفقر مثلاً؟

أستبعدُ ذلك، الأسباب التي أدّت إلى هزيمة ونهاية الثورات ما زالت موجودة، وهذه الأسباب عميقة وحقيقية، بمعنى أن دُولاً ومجتمعات عربية راسخة ومتناسقة اجتماعياً وطائفياً مثل مصر لم تستطع أن تنتج قوة منظمة تتولى السلطة إلّا الإخوان المسلمين، وكانت النتيجة التي رأيناها، والإخوان رُفِضوا من الشارع قبل وصول العسكر إلى السلطة.

الكلام العاطفي والرومانسي الذي شاعَ في بدايات الثورات حول قدرة الثورات على إنتاج النخبة التي تديرها وتقودها تبيَّنَ أنه خاطئ بالمطلق، والقوى المتضررة من الثورات أكثر تنظيماً ووعياً وأكثر إمساكاً بأدوات التخريب والإدارة، وكما حدث دومينو ثورات، حدث دومينو ثورات مضادة أسقطتها. بتقديري هذه الأسباب ما زالت موجودة وتتعمّقُ بشكل أكبر.

المجتمعات العربية تفقد، ليس قدرتها على تنظيم نفسها فحسب، بل وقدرتها على إنتاج ثقافة ومعرفة وعلى النظر إلى نفسها ونقد نفسها، وذلك من خلال صعود الشوفينية والقضايا الضيقة، فالشوفينية تُريح العقل وتُجنِّبه التفكير والنقد. وكذلك كثيراً ما يتم إلقاء اللوم على قوى قاهرة خارجية شريرة لديها نوايا سيئة تقطف ثمار الثورات. لا تطرحُ أسئلةً على نطاق واسع عن ماذا تمثّل داعش أو جبهة النصرة، ولماذا تمكنوا من الاستمرار كل هذه الفترة، وحتى لو وجدنا إجابات عقلانية ومنطقية ومقنعة، فهذه الإجابات بينها وبين الفعل السياسي سنواتٌ ضوئية.

إذاً لا مخرج أيضاً في هذه البلدان أيضاً..

لا يوجد طلبٌ على الديمقراطية، فالديمقراطية كما يفهمها الغرب ليست مرغوبة لدينا، أي الديمقراطية التي تنطوي على حريات فردية وتحرر اجتماعي، هذه الديمقراطية غير مرغوبة وغير مقبولة وليس لديها الأساس الاقتصادي والاجتماعي الذي يحملها. الشكل المقبول والمطلوب هو نوع من الحكم البطريركي الذي يحافظ على القيم التقليدية والعائلة المتماسكة تحت سلطة الأب، ورأس الهرم الذي يمثله رئيس الدولة، هذه نحن غير قادرين على التخلي عنها. أنور السادات كان يقولها بصراحة «أنا كبير العيلة»، وهذه الطريقة هي الأسهل والأكثر قُرباً من الثقافة السائدة، وبتقديري فهي مستمرة، بينما المجتمع ما يزال يعيش القيم نفسها والأفكار نفسها وطريقة الإنتاج نفسها.

ربما يكون عدد الانتخابات التي أقيمت وستقام هذا العام هو الأكبر في التاريخ، وفي دول متفاوتة من حيث الأهمية الدولية ومستوى وشكل الديمقراطية فيها، من إندونيسيا أكبر ديمقراطية في العالم الإسلامي، مروراً بالهند أكبر ديمقراطية في العالم، وصولاً للولايات المتحدة أهم الديمقراطيات وأكثرها تأثيراً. ومع ذلك حذَّرَت الإيكونوميست، ليس وحدها بطبيعة الحال، خلال استشرافها العام الحالي، من أن الديمقراطية في خطر. إلى أي درجة تتفق مع هذا الرأي؟

عندما نتكلم عن الديمقراطية، علينا أن نتحدث بشكل واضح؛ هل المقصود هو الديمقراطية الليبرالية أم الديمقراطيةُ الإنتخابية أم أشكالٌ أخرى من الديمقراطية، والأمثلة المذكورة في السؤال ليست متطابقة بالطبع. النموذج السائد غربياً هو الديمقراطية الليبرالية، وبعودة سريعة للماضي، فالديمقراطية والليبرالية مسألتان مختلفتان، وزواجهما كان متأخراً، ربما بعد الحرب العالمية الثانية. في البداية كان هناك ما هو ديمقراطي يعتمد على الأكثرية بغض النظر أين تصب، وهناك ما هو ليبرالي يترك الأشياء لحركة السوق ويركز على حريات من دون قيود وخصوصاً حرية رأس المال. زواج الديمقراطية والليبرالية هو ما أنتجَ مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية في الغرب ودولها الحديثة وضبطَ دور الدولة ودور الاقتصاد. هذه الديمقراطية الليبرالية تتعرض منذ أيام مارغريت تاتشر ورونالد ريغان إلى محاولة للتضييق لمصلحة الليبرالية.

مثلاً في هنغاريا، لدينا رئيس الوزراء فيكتور أوربان، وهو ديمقراطي وغير ليبرالي، والأغلبية الساحقة من الهنغاريين انتخبوه، علماً أن منافسه مسيحي محافظ.

الخطر الحقيقي هو على الديمقراطية الليبرالية القادرة على الموازنة بين دور الدولة ودور المجتمع بالرقابة على الدولة وبين الحريات العامة والفردية، بما فيها حرية رأس المال التي يجب أن تخضع للرقابة إلى حد ما.

الولايات المتحدة تجسّد ذروة الديمقراطية الليبرالية وساحةَ اختبارها الأولى، وما يمثله دونالد ترامب وأشباهه هو عملياً أزمةٌ في الديمقراطية، والتي وصلت إلى مكان أصبحت معه تُهدِّدُ الحريات، وليس صدفة أن الحديث عن التعديل الثاني في الدستور الأميركي، والذي يتيح امتلاك السلاح، دائماً ما يتم ربطه بالحرية، وبرأي المدافعين عنه أن الحكومة يمكن أن تنحو إلى الطغيان وعلى المواطن أن يكون مُسلحاً لمقاومتها. ضمن هذه القسمة الأخيرة، الحكومةُ يمثلها الحزب الديمقراطي والمواطن يمثله الجمهوريون الذين يقدمون أنفسهم حماة الحريات الدستورية ومن ضمنها الحق في حمل السلاح. ومن الأسباب الأخرى التي يجب أخذها بالاعتبار أن المسار الاقتصادي الذي سلكته الولايات المتحدة في آخر خمسة عقود أدى للقضاء على ما يسمى الحلم الأميركي، لم يعد متاحاً لشخص لا يحمل شهادة جامعية كما كان سابقاً أن يؤمن معيشته ويؤسِّسَ أسرة ويرسل أبناءه للجامعة، ويختلف تشخيصُ سبب ذلك من جهة لأخرى، سواء كان السبب هو الضرائب، أو الـ outsourcing أي نقل الأعمال إلى خارج أميركا، أو تغوُّلُ عقلية الربح السريع؛ كلُّ ذلك قضى على آلية التراكم التي كانت تعمل لعشرات السنين وأنتجت ما يسمى الحلم الأميركي، حيث يحصل كل شخص على فرصة. هذا ما يفسر لماذا اليسار الراديكالي واليمين المتطرف في الولايات المتحدة أصبحا أكثر قوة بشكل متزامن، وذلك نتيجة انتفاء القدرة على المبادرة الفردية، والارتباط إما بمؤسسات أو التفلّت من القوانين، وهذه ظاهرة موجودة بدرجات أقل وبأشكال مختلفة في كل الدول الأوروبية، حيث يصعد اليمين المتطرف في ألمانيا، وكذلك حزب الإصلاح في بريطانيا، ومارين لوبان في فرنسا، وجميعهم يمثلون الديمقراطية غير الليبرالية.

هذا يقودني إلى سؤال آخر، حال انتصار دونالد ترامب في الانتخابات الأميركية المرتقبة مع نهاية العام، وهو الانتصار المُرجَّح بشكل طفيف حتى الآن، هل سنكون أمام موجة جديدة من صعود اليمين المتطرف عالمياً؟ هل الربط الآلي بين المسألتين دقيق؟  

هناك رهانات تذهب بهذا المنحى، أنَّ الانتخابات التي ستشهدها دول أوروبية بعد انتصار مُحتمَل لترامب في الانتخابات الأميركية ستنعكسُ عليها الموجة التي سيسببها انتخاب ترامب مجدداً، حتى أنَّ ثمة استعدادات للاستفادة من هذه الموجة. بيد أنه إذا جرَّبنا النظر إلى النقاط المشتركة بين الجميع، وهي المهاجرون والأزمة الاقتصادية وسخافة بعض الاتجاهات في ثقافة الووك Woke Culture ووصولها إلى مساحات غير مجدية وغير مقنعة، واللعب على هذه القضايا جميعاً واستغلال عواطف شرائح من الناخبين تجاهها، وهي مسألة مشتركة بين كل الدول الغربية ودول الشمال، فمن الوارد جداً أن تمتد هذه الموجة.

لكن بالمقابل، وبالنظر إلى التجارب التي شاهدناها، مثل تجربة اليمين الراديكالي في إيطاليا سواء خلال الحكومة السابقة أو مع حكومة جورجيا ميلوني، فإنها تشير إلى وجود حدود لم يتمكن هذا اليمين من اختراقها، كالضوابط التي يضعها الاتحاد الأوروبي على سبيل المثال، إذ لا تستطيع أي حكومة داخل الاتحاد الأوروبي أن تخرقها، سواء فيما يتعلق بالمهاجرين أو حقوق الإنسان أو الحريات وغيرها. من هنا يمكن فهم الهجوم على هذه المؤسسات وعلى الاتحاد الأوروبي بدعوى أنه مؤسسة بيروقراطية غير مُنتخَبة، وأن لديها صلاحيات أكبر مما يحق لها، وأنها تتدخل بالشؤون الداخلية للدول الأعضاء ذات السيادة.. إلخ. أعتقدُ أن العام المقبل سيكون مثيراً للاهتمام.

سأختم مع سؤال شخصي، هل تُحضِّرُ لأي كتاب جديد، وخاصة مع النجاح المعقول الذي حققه كتابك الأخير «الفتوحات العربية في روايات المغلوبين»، والذي صدرت له أربع طبعات لغاية الآن؟

لدي مشروعان الآن، لا أعرفُ أي منهما قد أتمكن من إنجازه أولاً، ما زلتُ في المراحل الأولية، والفكرة لم تختمر بشكل كامل. يُفترَض أن يتناولا مسائلَ عن المسلمين وعلاقتهم ببعضهم وغيرهم. عندما يُتاح لي الوقت، سأعمل عليهما.

*    نشرت المقابلة بتاريخ 25 نيسان 2024 على  موقع الجمهورية الالكتروني  / المعارضة السورية

https://aljumhuriya.net/ar/

Leave a Comment