سياسة

المبادرة الروسية لإعادة لاجئيي سوريا… المموّل هو المقرّر  

في ظلّ ما تقدّم، تطمح روسيا من خلال مبادرتها إلى الإمساك بزمام الأمور في سوريا لجهة إعادة الإعمار بعد أن أمسكت بزمام الأرض عسكرياً، خصوصاً أنّ المبالغ المقدرة تزيد على ٤٠٠ مليار دولار،

بداية الصيف الماضي أطلقت روسيا مبادرة لعودة اللاجئين السوريين، الذين يقدر عددهم بنحو ٧ ملايين لاجئ ونازح، واعتبرتها جزءا من التسوية السورية؛ وقالت وزارة الدفاع الروسية آنذاك أنّه بإمكان نحو ١,٧ مليون لاجئ سوري من العودة إلى وطنهم في أقرب وقت، وهؤلاء يتوزعون بين لبنان، الأردن، تركيا، العراق، مصر والدول الأوروبية.

وأضافت الوزارة المذكورة، أنّه يمكن الآن (أي وقت إطلاق المبادرة) استقبال نحو ٣٣٦,٥ ألف لاجئ في ٧٦ مركزاً سكنياً في المناطق الأقل تضرراً من الحرب موزعين على الشكل التالي:

  • ١٣٤,٣٥ ألف لاجئ من محافظة حلب.
  • ٧٣,٦ ألف لاجئ في محافظة ريف دمشق.
  • ٦٤ ألف لاجئ في محافظة حمص.
  • ألفا لاجئ في محافظة دير الزور.
  • ١٠,٦ ألف لاجئ في محافظة حماه.
  • ٨,٩٥ ألف لاجئ في منطقة القلمون الشرقي.

ومع الإنتهاء من أشغال إعادة تأهيل البنية التحتية في محافظة دمشق بما فيها منطقة الغوطة الشرقية ومدن حلب وحماة وحمص، يمكن عندها استقبال بين ٥٥٠ و٦٠٠ ألف لاجئ خلال فترة تمتد من ثلاثة إلى ستة أشهر، وأعلنت وزارة الدفاع الروسية عن تأسيس مركزٍ لاستقبال وإيواء وتوزيع اللاجئين في مدينة دمشق.

هذا، وتبذل وزارتا الدفاع والخارجية الروسيتان جهوداً واسعة في هذا الموضوع، حيث أُنشيء مقر للتنسيق المشترك بينهما، ومن المقرر توسيعه لاحقاً ليضم هيئات ووزارات روسية أخرى مع طموحٍ لضمّ ممثلين عن دول أجنبية ومنظمات دولية.

ولم تقصر وزارة الدفاع الروسية جهودها على اتخاذ إجراءات على الأرض في سوريا، بل وسعت جهودها على المستوى الدولي، فقدمت للولايات المتحدة عدداً من المقترحات بخصوص اللاجئين، تضمنت وضع خطة مشتركة لعودتهم إلى الأماكن التي كانوا يعيشون فيها قبل حدوث النزاع، بالإضافة لعودة اللاجئين من لبنان والأردن وتشكيل مجموعة عمل روسية ـ أميركية ـ أردنية، وأخرى مماثلة لها في لبنان، بالإضافة إلى تشكيل مجموعة لتمويل إعادة إعمار البنية التحتية السورية.

ووسعّت روسيا مروحة اتصالاتها لتشمل المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في محاولة منها لإشراك الأطراف الأوروبية في مقترحاتها.

موقف المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة من المبادرة:

جاء ردّ المفوضية على لسان الناطقة باسمها ميليسا فليمينغ، التي قالت: “إنّ المفوضية تجري محادثات مع المسؤولين الروس للبحث في تفاصيل ونطاق الخطة المقترحة لإعادة اللاجئين السوريين إلى بلدهم”، مؤكدة في الوقت ذاته أنها لا تشارك في تنظيم أو ضمان أي عودة للاجئين سوريين، مشدّدة على ضرورة أن تكون أي خطة لتشجيع اللاجئين السوريين أو تنظيم عودتهم، ملتزمة المعايير الدولية لضمان أن تكون عودتهم طوعية وآمنة ومستدامة وتحفظ كرامتهم، داعية كلّ من يتدخل في مسار إعادتهم إلى ضرورة التزام التقيد بهذه المعايير.

وعن الأمكنة الّتي يؤخذ إليها العائدون، أشارت فليمنغ “أنّ السؤال يجب أن يوجّه إلى السلطات الروسية لأنّها صاحبة الخطة”. مضيفة أن المفوضية العليا لا تسهل عودتهم إلى سوريا، إلى أن تصبح الظروف ناضجة لذلك، والمفوضية لا تشارك في تنظيم أو ضمان أي عودة لنازحين سوريين إلى بلدهم، في إشارة إلى أن المفوضية العليا لا تضمن عودة اللاجئين السوريين وفق المبادرة الروسية؛ متسائلة عمن يتحمّل الدعم المالي لإعادتهم ومن سيوفر الأموال للروس لأجل ذلك، مشيرة إلى أنّ الروس لم ينسقوا مبادرتهم مع المفوضية، داعية إيّاهم لفعل ذلك.

 

الموقفان الأوروبي والأميركي

في رده على المبادرة الروسية، اعتبر الاتحاد الأوروبي أن عمليات عودة اللاجئين السوريين إلى بلدهم، يجب أن تتم تحت راية المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة وبموجب مقتضيات القانون الدولي، بحيث يتم مراعاة مبدأ الطوعية وعدم الترحيل القسري.

وجاء هذا الموقف في معرض تعليق لأحد المتحدثين باسم الاتحاد على مسألة إعادة اللاجئين السوريين من لبنان برعاية روسية، والذي قال: “في ظل الظروف الحالية حيث انعدام الأمن، نرى أن شروط العودة الطوعية غير متوفرة”.

وأوضح، أن بروكسل تراقب ما يجري في لبنان من عمليات إعادة للاجئين سوريين، وقال: “نحتاج حالياً إلى ضمان الحماية المستمرة لهؤلاء من مخاطر الإخلاء القسري وتحسين وضع إقامتهم القانوني“.

إلى ذلك، أكدت العديد من المصادر الدولية، أن روسيا قد استبعدت تماماً الأمم المتحدة ومن ورائها الاتحاد الأوروبي في مجال إعادة اللاجئين، باعتبار أن موسكو هي اللاعب الأبرز حالياً على الساحة السورية.

وقالت بعثة الاتحاد الأوروبي ومكتب المنسق المقيم للأمم المتحدة في لبنان، إنه “لا تغيير في موقف المجتمع الدولي حول الموقف من عودة اللاجئين السوريين“.

جاء ذلك في بيان مشترك أصدره المكتب والبعثة تعليقاً على المواقف اللبنانية الأخيرة حول مؤتمر بروكسل الثاني لدعم مستقبل سورية والاقليم، الذي عقد في وقت سابق.

وقال البيان: “إن الموقف الوارد في بيان بروكسل جرى التأكيد عليه سابقاً في الورقة التي أعدت بصورة مشتركة بين حكومة لبنان والاتحاد الاوروبي والأمم المتحدة والشركاء الدوليين للمؤتمر”.

وأكد أن الاتحاد الاوروبي والأمم المتحدة يعتبران وجود اللاجئين السوريين في لبنان مؤقتاً والحلول التي يتم البحث عنها للاجئين هي خارج لبنان. وأوضح أن ما تم تداوله في لبنان حول “وجوب ضمان أن تكون عمليات إجلاء المدنيين آمنة وذات طابع مؤقت وطوعي وحفظ الحق في العودة أو اختيار البقاء” وغيرها من العبارات التي تتعلق بوضع السكان المتأثرين بالنزاع داخل سورية لا يرتبط بلبنان ولا يتعلق باللاجئين.

في ظلّ ما تقدّم، تطمح روسيا من خلال مبادرتها إلى الإمساك بزمام الأمور في سوريا لجهة إعادة الإعمار بعد أن أمسكت بزمام الأرض عسكرياً، خصوصاً أنّ المبالغ المقدرة تزيد على ٤٠٠ مليار دولار، وبذلك تضمن لنفسها قسما كبيراً من تلك المبالغ، ولكن من سيدفع تلك الأموال هو من سيضع شروطه في آخر الأمر، وسينعكس ذلك على القرار السياسي والاقتصادي، وبالطبع ليست روسيا هي من سيضع تلك الشروط.

[author title=”الدكتور سعيد عيسى” image=”http://”]كاتب وخبير في التنمية والحكم الصالح[/author]