سياسة

سوريا: خلط الأوراق والتلاعب الأميركي ـ الروسي

على هذا المستوى يتم خلط الأوراق ويتم تبادل التهم ويشتد الصراع السياسي والميداني فوق الأراضي السورية، وأكثر ما يلفت أن الاجتماعات لمجموعات المحاور، قديمها والمستجد تعقّد بغياب الدولة السورية، وكل ذلك من أجل تقرير مصير سوريا ومن أجل بحث مستقبلها نظاماً وكياناً.

تعمل الإدارة الأميركية ـ كما سربت أوساطها ـ على وضع خريطة طريق وتطبيق استراتيجية في سوريا تستند إلى النقاط التالية:

أ ـ إبقاء القوات الأميركية  الخاصة من ضمن التحالف الدولي  في سوريا، في مواجهة داعش شرق نهر الفرات وفي قاعدة التنف وفي زاوية الحدود السورية ـ العراقية الاردنية لتحقيق ما يلي:

ب ـ القضاء على  تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام ـ داعش ـ وعدم السماح بظهورها مرة ثانية.

ج ـ التخلص من القوات الإيرانية والقوى التابعة لها والتي تعمل تحت أمرتها في جميع الأراضي السورية.

د ـ الدفع بحل سياسي برعاية الأمم المتحدة بموجب القرار الدولي رقم 2254.

ه ـ كل ذلك في ظل واقع سيطرتها على ثلث مساحة الأراضي السورية في منطقة تضم ما يساوي 90% من مصادر النفط السوري و50 % من مصادر الغاز.

وغير بعيد من ذلك انعقاد القمة الرباعية في اسطنبول بمشاركة كل من فرنسا وألمانيا ـ من المجموعة المصغرة ـ إضافة إلى تركيا وروسيا، هذه القمة التي بحثت بشأن سوريا، وتعاوده في السابع والعشرين من تشرين الثاني بجدول اعمال يضم النقاط التالية:

أ ـ   بحث الوضع الميداني في سوريا.

ب ـ التداول بشأن المنطقة المنزوعة السلاح في إدلب.

ت ـ نقاش العملية السياسية كما ومختلف جوانب الأزمة السورية.

 

ابراهيم كالين الناطق باسم الرئاسة التركية قال: “من المتوقع مواءمة الجهود المشتركة لإيجاد حل دائم للأزمة في سوريا”. وقد سبق أن عُقد اجتماع مشترك في الرابع عشر من شهر أيلول على مستوى المستشارين الأول لوزراء الخارجية في اسطنبول تحضيراً للقمة. في الواقع الميداني لم تنسحب “هيئة تحرير الشام” حسب اتفاق سوتشي الروسي ـ التركي من المنطقة العازلة منزوعة السلاح في إدلب.

وفرنسا التي ستشارك في القمة الرباعية وهي واحدة من الدول السبع التي تشكل المجموعة المصغرة (الولايات المتحدة الامريكية ـ بريطانيا ـ المانيا ـ فرنسا ـ المملكة العربية السعودية ـ مصرـ الاردن) خلاصة موقفها أن موسكو لا تمتلك جميع الأوراق، وبالتالي يمكن التأثير عليها وعلى صيغة الحل في سوريا وقد وضعت شروطاً لمشاركتها في القمة الرباعية هي:

1 ـ ألا تحصل عملية عسكرية تستهدف إدلب.

2 ـ أن تساهم القمة في إطلاق مسار سياسي يضم الجميع باكورته    تشكيل وإطلاق نشاطات اللجنة الدستورية.

3 ـ الحصول على التزام روسي واضح بالحل السياسي.

ذلك أن رأي فرنسا هو أن تركيا أصبحت بمواقفها أقرب إلى آراء المجموعة المصغرة منها إلى مجموعة آستانة واشنطن، تربط بين انسحاب قواتها من سوريا وبين التوصل إلى حل سياسي. وهي ترى أن الصيغة الرباعية “غير مسبوقة” يمكن أن تكون مفيدة من أجل ضمان أمن الشمال السوري لفترة أطول. الاطراف الضامنة “لمسار استانة” ستعقد اجتماعاً في العاصمة الروسية على عجل “لبحث مستجدات الموقف في سوريا ولتنسيق المواقف بشان آليات دفع العمل المشترك حول تأسيس اللجنة الدستورية”، الاجتماع على مستوى نواب وزراء الخارجية لروسيا ولتركيا ولإيران وهو ـ أي اجتماع ـ سيسبق اجتماع الدول الأربعة ـ ألمانيا وفرنسا وتركيا وروسيا ـ على مستوى القمة ـ هذه أهميته. يضاف أن نواب وزراء الخارجية الثلاثة عقدوا اجتماعاً مع دي مستورا في جنيف لبحث تشكيل اللجنة الدستورية السورية. يومها تم الاتفاق على لائحة الاسماء المقدمة من الدولة وعلى لائحة الاسماء المقدمة من المعارضة، ولم يتم التقدم بلائحة دي مستورا التى تمثل المجتمع المدني ومستقلين. وزير الخارجية الروسي لافروف يقول إن بلاده مستعدة لتعزيز التعاون مع الولايات المتحدة الاميركية بشأن الملف السوري، لكن الاخيرة ترفض ذلك كما أعلن لافروف عن قناة اتصال لدى الطرفين (سوريا والولايات المتحدة) لتفادي وقوع حوادث في سوريا. أضاف: كنا مستعدين لمزيد من التعاون ولكن الولايات المتحدة ليست مستعدة لهذا التعاون الكامل. لافروف كان قد انتقد تحركات واشنطن في سوريا واتهمها بالعمل على إنشاء كيان انفصالي في مناطق شرق الفرات.

على هذا المستوى يتم خلط الأوراق ويتم تبادل التهم ويشتد الصراع السياسي والميداني فوق الأراضي السورية، وأكثر ما يلفت أن الاجتماعات لمجموعات المحاور، قديمها والمستجد تعقّد بغياب الدولة السورية، وكل ذلك من أجل تقرير مصير سوريا ومن أجل بحث مستقبلها نظاماً وكياناً.

واشنطن متمسكة بالبقاء في منطقة طالما قدمت دعمها لقوات سوريا الديمقراطية ـ مناطق شرق الفرات الغنية بالنفط والغاز والخصبة زراعيا، منها تضغط للوصول إلى تجسيد مشروع سياسي يتناسب ورؤيتها ويحفظ لها مصالحها ويبقى لها قدرتها على التلاعب بالكيان وبالنظام كما بأنظمة المنطقة المحيطة وكياناتها وهي في كل الاحوال اللاعب الأساسي المطلوب التفاهم معه من أجل الوصول إلى حل، واللاعب الذي لم يكن بالإمكان تجاوزه رغم كل المحاولات التى سبقت.

روسيا ممسكة ميدانياً وسياسياً بمناطق النظام، تحاول أن تخرج بمشروع يُبقي لها نفوذها وهي التى أنقذت النظام وأهله بعد أن كاد يسقط، والتي تدرجت بتوسعها من منطق الاحتفاظ بسوريا المفيدة الذي ما لبثت أن وسعته جنوباً، وأعادت القوى الرسمية إلى المناطق المتاخمة لفلسطين المحتلة، وأعادت الوضع لما كان عليه ميدانياً قبل الانفجار، بحيث تتولى السلطة تهدئة الحدود الجنوبية وإعادة قوات المراقبة الدولية لدورها السابق. ثم عمدت بعد ذلك لتجميد الوضع شمالاً في إدلب بالاتفاق مع تركيا وبالتوافق على إقامة منطقة عازلة منزوعة السلاح بعرض 15 الى 20 كلم تفصل بين قوات النظام والقوى المتجمعة في إدلب. وهي اليوم تنشط لعقد اجتماعات رباعية فيها من دول المجموعة المصغرة ما يفتح على المشروع الاميركي المقبول اوروبياً وعربياً وتلقى بالملامة على واشنطن بكل تصاريحها المتعلقة بالبحث عن حل في سوريا.

هكذا تتوالى المواقف من قوى الفعل فوق الاراضي السورية، كل يلقى المسؤولية على الآخر، وسوريا غارقة في مأساتها ونظامها غير مهموم إلا بما يبقيه على قيد الحياة. وللناس خياراتها المأساوية، إما مشردون وإما مشاريع شهداء أو معوقين أو جرحى.

[author title=”محمد حسن” image=”http://”]كاتب لبناني[/author]