اقتصاد

اللبنانيون يستقبلون عاماً جديداً أكثر كارثية من سابقه!

كتب عماد زهير

أيام تفصلنا عن مطلع العام الجديد، ولا يبدو إلى الآن ما يبشر اللبنانيين بأن غدهم سيكون أفضل من يومهم الحالي رغم سواده. فالطبقة السياسية الحاكمة تتصرف وكأن الوقت ملك يمينها، لذا لا تبالي بأوضاع البلاد من شتى نواحيها، وتتفرغ لاجترار الأيام غير عابئة بقيمة الوقت وأهميته في معالجة القضايا الملحة، التي تتراكم في مختلف نواحي الحياة من السياسة إلى الاجتماع والاقتصاد و.. لذا لا مبرر للتفاؤل إلا بالدعوة إلى ضرورة استعادة قرار الناس باعلان انتفاضة متجددة، ومواجهة مثل هذه السلطة التي تنصرف إلى صراعاتها ومحاصصاتها دون عداه.

والواقع أن الأسابيع المنصرمة قطعت الشك باليقين بمدى كفاءة هذه السلطة على معالجة القضايا والمشكلات المتدافعة، وأقصى ما فكرت به وسعت إليه في غضونها، كان طموحها بمد يدها نحو ما تبقى من ودائع مصرفية للشعب اللبناني في خزائن المصارف، من خلال طرح ضرورة تخفيض الاحتياط الالزامي للمصارف إلى حدود الـ 10%، ما يتيح لها التصرف بحوالي سبعة مليارات دولار تصرفها على متابعة دعم السلع الأساسية وهي المحروقات والأدوية والقمح. أما الاجتماعات التي عقدت في رئاسة الحكومة، فلم تكن أكثر من مداولات في الحلول التي يتبين أنها تتعارض مع مصالح القوى المستفيدة من الدعم بأشكال متعددة، أبرزها التهريب خارج الحدود اللبنانية إلى سوريا والعراق وتركيا وحتى الكويت. ولا شك أن هناك تجاراً مستفيدين إلى جانب القوى الأكثر نفوذاً في النظام بشبكاتها الممتدة في لبنان وخارجه.

وعليه من المتعذر ضمن البنية التي آل إليها النظام ترشيد هذا الدعم، ووصوله إلى مستحقيه فقط دون سواهم ، وهم هنا الفئات الأكثر فقراً والمحدودة الدخل. ومن المعروف أن تلك الاجتماعات التي شارك فيها حاكم المصرف المركزي وعدد من الوزراء جاءت على إيقاع تراجع قدرة المصرف على مواصلة هذه العملية التي استنزفت جزءاً من الاحتياطي الذي يملكه، ولم يتبقَ لديه سوى ما يكفي شهراً واحداً في حال استمرار الدعم بشكله الراهن. ودون الغوص في طبيعة وتفاصيل الطروحات ومدى مخاطرها على الحياة اليومية للناس، يمكن القول إن البلاد تستمر في التخبط  وسط  أوحال المستنقع الذي دُفعت إليه، والمرشحة للغرق فيها في ضوء المشاريع المتداولة. إذ المعروف أنه إلى جانب مسألة الدعم ورفعها مع مضاعفاته الفادحة على الصعد الاجتماعية والمعيشية اليومية للمواطنين، طُرحت أيضاً عملية التصرف بالتغطية الذهبية لليرة اللبنانية، وبدا البعض يسوِّق لتسييله واستعماله في كسب المزيد من الوقت قبل الانهيار الشامل والكلي للاقتصاد. وهو ما يعني بدقة وموضوعية مواصلة الطبقة السياسية إياها استهلاك ما تبقى من قدرات البلاد ومقدراتها، ولا بأس بعدها بخراب البصرة بما فيها ومن عليها، بعد أن نقلت هذه الطبقة بشقيها السياسي والمالي أموالها إلى الخارج.

والحقيقة أن المؤشرات التي حملتها الوقائع الاقتصادية كانت أبعد من خيال اللبنانيين بأشواط. فقد بات لبنان يحتل الرقم الثاني بعد فنزويلا في نسبة التضخم، وجاءت بعده دولة الموزامبيق كما ذكرت التقارير الدولية، لكن المؤشر الأشد خطورة هو تلك التي لخصها البنك الدولي في آخر تحليله للوضع عندما تحدث عن ركود في الاقتصاد اللبناني وصلت نسبته إلى 19% سلبي، علمأً أن العديد من الخبراء الاقتصاديين المحليين يرفعون النسبة إلى أكثر من 25% مع نهاية هذا العام.  ما يعني أن المزيد من القطاعات لن يكون نصيبها سوى مصير من سبقها من إقفال وتشريد للعمال والموظفين والمتعيشين من استمرار بقائها وإن بطاقة متضائلة. أيضاً في باب الأمثلة المحبطة ما أقدمت عليه شركة “الفاريز” عندما رفعت يدها عن مواصلة العمل في التدقيق الجنائي الذي وقعت عقداً مع الحكومة على القيام به، وما أثاره من ردود فعل لدى القصر الجمهوري والمجلس النيابي. فقد تبين من مواقف هذين الطرفين أن كلاً منهما يريد التدقيق لحسابه. فالقصر يريده مقتصراً على المصرف المركزي للاطاحة بشخص الحاكم، والمجلس يريده متجاوزاً المصرف شاملاً كل الإدارات والمؤسسات العامة بما يضع وزارة المالية وسط كم المخالفات في وزارات معروفة. ومثل هذا الموقف يدفع إلى توقع أن لا تدقيق مالي أو جنائي في المدى المنظور. لاسيما وأن كل طرف سيحجب ما يريده من معطيات بحوزته حول مقدمات ومجريات الانهيار والمستفيدين منه من قوى سياسية واقتصادية، بما فيها ضياع أموال المودعين وتهريبها للخارج. وتدخل في مثل هذه الدائرة من التعطيل المقصود جمعية المصارف والمصرف المركزي والقوى السياسية بدءاً من القصر ومن خلفه جميع القوى والتيارات السياسية التي شاركت في السلطة… وكل حسب طاقتها وقدرتها على النهب أولاً والتعطيل ثانياً.   

وباختصار شديد يمكن القول إن نهاية التدقيق الجنائي تعني مسألة واحدة لا ثاني لها، وهي رفض المسؤولين مقاربة الوضع بالجدية اللازمة في ملف هدر المال العام ومكافحة الفساد، وهو موقف أقل ما يقال فيه إنه سيؤثر سلباً على مفاوضات لبنان مع الدول التي دعمت مثل هذا التوجه، وكذلك مع صندوق النقد والبنك الدولي، وكلها كان لبنان يعوِّل عليها للحصول على المال اللازم للخروج من أزمته الاقنصادية المستفحلة. فقد اعتبر هولاء جميعاً أن التدقيق واحداً من أهم شروط التعافي بما يتضمنه من خروج الاقتصاد والسياسات المعتمدة من حلقة الفساد والزبائنية والنهب المنفلتة من عقالها، والتي أوصلت البلاد إلى ما وصلت إليه. إذن لا تدقيق يعني أن لا أموال يمكن أن يحصل عليها لبنان من الدول والمؤسسات القادرة. يجب أن نعطف هذا المآل على توقف لبنان عن سداد ديون اليوروبوند.. وكلها دلائل على انسداد الأفق الدولية أمام البلاد، هذا في أحسن الأحول، علماً أن هؤلاء المدينين قد يلجأون إلى المحاكم الدولية ووضع ما تبقى من المؤسسات والأملاك العامة (يجري الحديث عن شركة الميدل الايست وكازينو لبنان وموجودات المصرف المركزي من الذهب وغيرها) في مرمى الإدعاء القانوني من أجل الحصول على أحكام ببيعها لاسترداد ديونهم.

لقد تضافرت في غضون الأسابيع والأشهر الماضية المنظومتين السياسية والمالية على تعميق الهوة التي يندفع إليها الاقتصاد الوطني، وحالتا دون القيام بأي محاولة جادة من شأنها وضع البلاد على سكة التصحيح، ما أبقاها في مسار من الانهيار المتتالي، و عليه يقف لبنان الآن أمام احتمال تصنيفه دولة فاشلة بمختلف المقاييس، في ما الفعلي أن هذه الطبقة الحاكمة هي الفاشلة، بشهادة الداخل قبل الخارج الذي يئس من قيامها بالحدود الدنيا من الاصلاح لإنقاذ نفسها على الأقل.

وفي النهاية ينتظر اللبنانيون عاماً جديداً من دون أي احتفالية، فقط مشهداً حزيناً  للاقتصاد الوطني الذي يتهاوى بسرعات قياسية، ومعه تحولهم إلى مجرد “شحاذين” ينتظرون “الصدقات” والمساعدات الدولية بعد أن فقد أكثر من 50% من أبنائه قدراتهم على تأمين المقومات الدنيا من وسائل العيش البسيط. 

Leave a Comment