ثقافة

لن أصفِّقَ بعد الآن

بقلم الشاعر محمد علي سرور       

يا صمتُ… قلْ لي

ما الحربُ… وكلُّ الجراحِ تسكنُني؟

ما السلامُ…

فوق صدري يقتلونَ الحمام

بلا أصابعَ كفي …

والحلمُ مفطومٌ في أبجديتي

كاليمامِ المذبوح…

أنام.

 قلْ لي:

بلا كفٍّ كفّي

كيف أصافحُ يدًا تهيمُ بيدي؟

بلا صوتٍ صوتي… قلْ لي:

ماذا يقولُ النايُ لدمعتي ؟

يا صمتُ…

طوِّقني بِعَذبِ سُكونِكَ 

واعلنْ أن سُكناكَ شَجني.

كم ناجيتَكَ… يا صمتُ

أن اعطِني

اعطني دربًا لا ينتهي بهاويةٍ

وخشوعَ الصخرةِ أمامَ الريح

اعطني…

أصالةَ الفرس… بَسالةَ الخيّال

وشرفةً… لا يشيخُ قمرُها.

لقد خانتني الدروبُ يا صمتُ 

ولم يبقَ في خاطري سوى

قدَمينِ… لطفلٍ يحترق

لامرأةٍ…

تمسحُ بكُمِّها قبرَ النهار.

لأنّني سليلُ لغةِ الصحراءِ

مكرِ الصحراءِ

وجفاءِ الصحراءِ

مَشيتُ على قدَمينِ من رملٍ

فلم أصِلْ.

ولأنني نصَّبتُ البُغاةَ أسياداً على جلدي  

لعقتُ وحلَ أقدامِهم.

لن أستجدي دِماءَ أحبَّتي

قد أحببتُهم أحياءَ.

لن أدَّعي أن لأرواحِهم أجنحةً

تحلِّقُ عالياً… في السماء

لن أدَّعي أن جراحَهم تُثملُني

وأشلاءَهم قناديل.

لن أغازلَ الموتى

ولن أقدِّسَ حَجَرًا أو شكلاً مُزخرفاً

أو عباءةً … أو قبرًا من رُخام.

ما أقدِّسُه الآن…

وكلَّ حين

خطىً ضئيلة بين الأنقاضِ

عينا صاحِبِها تترقَّبُ…

 الرصاصةَ التالية.

لا أدري بأيّ الآثامِ وقعتُ

لكنَّني أعترفُ أمامَ الملأِ بأني

حطَّمتُ صَنمَ المَعنى

وحاذرْتُ غِواية الحانات

حيث تُطفأ المصابيحُ

وجحيمُ الخطابِ يفترسُ الحواس.

أتدرونَ ما الحانات… الخَلوات؟

حيث الأفيونُ يتنكَّرُ بالتُقى

وعَسسٌ… يُفتي باغتيالِ الضوء.

أعترفُ الآن …

أنَّ قبائلَ البَغي تمضغُ أنينَ وردِنا

وأمامَ المَلأ…

أعناقُ الطيِّبينَ تئِنُّ تحت نابِ الفجيعةِ.

أعلنُ الآن… الآن 

طلاقي من نصوصٍ يبِستْ في كُتُبي

ومن أصنام كالجثامين

حتى أمسٍ قريبٍ… كنتُ أشبهُها.

الآن أعترفُ

أن المنافقينَ تدثَّروا هالة القداسةِ 

فاكتملَتْ هزيمةُ الضوءِ.

باسمِ جلالةِ السيفِ

ادَّعوا أنَّ للأنبياءِ عُروشاً

على الحدِّ…

بين الأساطيرِ والسواطير.

لا تسَلْ يا صمتُ 

عن مَلائكةٍ هَجروا قلوبنا

عن نُذورٍ تجرَّحتْ بين مخالبِ الأفَّاكين

ووعودٍ تلاشتْ في الرمالِ الصفراء.

مَنْ يؤذَّنُ الآن للحُبِّ…

متى كان الحبُّ في شرعِهِم آذانًا؟

ويحَنا…

هزَمتنا قبائِلُ النار.

منذ أسمَينا الغزوَ فَتحًا 

وَتمتَّعنا بعذارى السَّبي من بناتِ الله

أطبَقتْ علينا دفَّةُ التاريخِ،

وعلِقنا في ماخورِ الفجيعةِ.

منذ أقمْنا للنزوةِ مآدِبَ تحت جُلودِنا

ومَنَحنا جلاوِزةَ الرَّوعِ خضوعَنا

ترجَّلنا عن صهوةِ العُلى…

وصارَ الزِّنديقُ مَولانا.

منذ صارَ العقلُ خطيئةً،

والَّتجديدُ تجديفًا

والكشفُ جُرمًا مُبرمًا

خنقنا الشعلةَ في حنجرةِ غدِنا

وزحفَ القيدُ إلى دمِنا.

تبّاً لقدِّيسينَ يَعدونَ بِجنَّاتٍ أنهارُها الدماء

تبّاً لرعيَّةٍ تنحَتُ في أجسادِها الجراح…

 تبَّا لنصٍّ يشرِّعُ الفناء.

لن أصفِّقَ بعدُ لِلموتى

لن أصفِّقَ 

للرُّكام الطالعِ من أكُفِّ الفقراء

للأحزانِ الساكنةِ أهدابَ المقهورين

لن أصفِّقَ

لأنني كلُّ التائهين… 

في بوادي العراء.

26 كانون الاول 2020    

Leave a Comment