سياسة منشورات

الفساد السياسي رافعة التدخلات الخارجية

ومسؤولية النُظم الحاكمة في إعادة انتاجه، وتكريس النزاعات الأهلية وتسهيل التدخلات الخارجية  القريب منها والبعيد، دون تمييز بين العدو والخصم،

لم ينقص وزير خارجية اميركا في زيارته إلى لبنان، وبعدما جال وصال في البلاد وأسمع المسؤولين إنذاراته وطلباته وحدد “للأصدقاء” مهامهم وأدوارهم، سوى القيام بجولة على المخافر الأمنية والبلديات لإبلاغها توجهياته وإرشاداته لضمان مصالح أميركا واسرائيل. تمت الزيارة بعد جولات موفديه التحضيرية، وشكلت تتويجاً لمسلسل زيارات وزراء ومندوبي الدول التي كان لها شرف المساهمة في تأخير أو تسهيل تشكيل الحكومة تبعاً لمصالحها وحاجات وكلائها المحليين.

من المؤكد أن حركة الزوار ومعهم الوزير الأميركي، تكتسب أهمية استثائية، لأنهم أتوا وهم يحملون العروض والطلبات والانذارات والتحذيرات التي تتناسب ومصالح بلدانهم، ويُفترض باللبنانيين أن يتنافسوا ويتصارعوا في سبيلها. أتى كل منهم وهو مطمئن لاستعداد من يدين له بالولاء تنفيذ ما سيكلف به من مهام، لأن في ذلك مصلحة مشتركة بين الطرفين. جاءوا وهم  يعرفون أن المصالح هي عماد العلاقات بين الدول وهي التي ترسم مساراتها. وبالاستناد لها تتقارب القوى  فتعقد التحالفات المفتوحة على إمكانية الإرتقاء نحو تغليب الشراكة والاستقرار أو تتباعد وتتناقض فتدخل في مسارات دامية. وهذا ما يجعل قضايا الاستقلال والسيادة والوطنية مسائل قابلة للتطور النسبي، أو للبقاء في دائرة الأحلام والشعارات بفعل الانقسامات والخلافات حولها، كما تخبرنا صفحات التاريخ القديم والحديث.

وعليه لا تُقرأ تدخلات الخارج، إلا عبر فهم مصالحه وسياساته من ناحية، ووعي طبيعة انقسامات مجتمعاتنا الطائفية والقبلية والعرقية التي تنعكس سلباً على الدول والكيانات والأوطان من ناحية أخرى.  أما إحالة المسؤولية عنها إلى التآمر الخارجي فهو أقصر الطرق لتأبيدها والتعمية على التخلف القائم ومسؤولية النُظم الحاكمة في إعادة انتاجه، وتكريس النزاعات الأهلية وتسهيل التدخلات الخارجية  القريب منها والبعيد، دون تمييز بين العدو والخصم، أو الأخ والصديق، فتحيل الكيانات ساحات مفتوحة للنزاعات، وميادين للنهب، وتجعل مكوناتها أدوات للاستعمال وشعوبها ضحايا مجهولة المصير..

 هذا هو واقع الحال الراهن لبلدان المحيط ولبنان منها، حيث يسود الإرتهان للخارج الإقليمي والدولي، الذي تُستمد منه القوة مقابل التفريط بالمصالح الوطنية، فتصبح الوطنية صنو الولاء للخارج عبر تنفيذ توجهات حكامه وموفديه. وعند التدقيق لا يختلف الإيراني عن التركي، أو الفرنسي والبريطاني عن الروسي، بصرف النظر عن تمايز وطبيعة المصالح ومستويات تعارضها أو تناقضها، سواء في ما بينهم، أو مع الولايات المتحدة الاميركية التي تتربع على  قمة الهرم من حيث النفوذ والمصالح والدور القيادي في إدارة الحروب ورسم خرائطها وتوزيع الأدوار فيها، لأن الجميع يسعى لنيل اعتراف منها أو فوز بوكالة  ولو  جزئية تجعله شريكاً، في هذه الساحة أو تلك  المنطقة أو ذلك الشأن. علماً أن الخارج لا يرى في الأنظمة الحاكمة والقوى المتصارعة فيها أكثر من “عدة شغل” وأدوات نهب وإخضاع واستعمال، لا تختلف في ذلك بالنسبه له، السعودية عن سوريا والعراق ومصر.. أو لبنان. أما الحصيلة  فهي استباحة وابتزاز هذه البلدان وتعريض مجتمعاتها لشتى ممارسات الاستغلال والقتل والدمار والاقتلاع والتهجير. ولا يختلف الأمر حول للقضية الفلسطينية حيث التنافس على أشده لتكريس دولة اسرائيل أداة للهيمنة والسيطرة عبر استغلال الانهيار العربي، وتشريع القدس المحتلة عاصمة للدولة اليهودية، وإلحاقها بضم الجولان السوري بقرارات اميركية تمهيداً لصفقة القرن التصفويّة، والاستفادة من السياسات الايرانية والتركية التي تعزز انقسامات الفلسطينيين وتبدد نضالاتهم وتهدر إنجازاتهم وإمكانية استعادة بعض حقوقهم.

 وأمام تعدد الانقسامات الداخلية في مجتمعاتنا، ليس غريباً أن ينهار العديد من الكيانات  وتستباح في حروب دولية وإقليمية  متداخلة، فيدمّر عمرانها وتنهب مواردها وتهدر بينما تسفك دماء شعوبها وتبدد.

 لا تختلف حال لبنان عن محيطه، لأن صراعات قواه وفسادهم شكل ولا يزال رافعة لتدخلات الخارج وتلاعبه، كما رسخت نظام المحاصصة الطائفي، وحولت الطائفية سلاحاً فتاكاً بيد الطبقة السياسية الحاكمة، التي تمتهن الفساد السياسي وما يتفرع عنه من أبواب، كوسيلة لممارسة السلطة وهدر المال العام، بينما تبقي الحرب الأهلية سيفاً مسلطاً يكبل حياة اللبنانيين ووسيلة ابتزاز لهم في حقوقهم ومصادر عيشهم ومستقبل أبنائهم، حيث الوطنية والخيانة وجهة نظر والفساد شطارة.

لذلك فإن شعارات الاصلاح والانقاذ ومكافحة الفساد ليست سوى فولكلور رخيص ومادة تضليل وتعمية لتعميم اليأس والإحباط، وشل ارادة الاعتراض لدى المتضررين وتعطيل قدرتهم على المطالبة بحقوقهم، وانتظار خلاص لن يأتي لأن زمن العجائب لا وجود له إلا في عالم الخرافات والأساطير. ولأن الانتظار لا ينتج إصلاحاً ولا يصنع تغييراً ولا يمنع  تدخلاً خارجياً، كذلك فإن الرؤية بعين واحدة من قبل المعترضين وسوق التبريرات  لممارسات بعض قوى الداخل أو الخارج، لا تؤسس لمعارضة ديمقراطية قادرة على بناء حركة تغييرية فاعلة تأتي بالمتضررين إلى ميادين النضال لتشكيل مصالح وطنية جامعة ومشتركة.

[author title=”المحرر السياسي” image=”http://”]المحرر السياسي[/author]