سياسة

الحكومة الاسرائيلية الموعودة تمهد الطريق نحو مزيد من التطرف

زاهي البقاعي

قبل أن يعلن بنيامين نتنياهو حكومته رسمياً، طلب حزبه من الرئيس الاسرائيلي يتسحاق هرتسوغ منحه مهلة إضافية لتشكيل حكومته، بعدما سيطر على  أكثرية  الكنيست  بعضوية 64 صوتاً من أصل 120 صوتاً هم عداد أعضاءه.  ويعمل نتنياهو وحزبه  منذ  تكليفه تشكيل الحكومة  التمهيد لتمرير تشريعات لصالحه في الكنيست تضمن له التخلص من الملفات التي طالما حاصرته وحلفائه، والتي أدت إلى رحيله عن الحكم.  وغايته تحقيق ائتلافات مع عدد من الشركاء، تتيح له فترة حكم جديدة ليكرس زعامة لم تشهد اسرائيل مثيلاً لها حتى من جانب المؤسسين الكبار أمثال بن غوريون وغولدا مائير واسحاق رابين ومناحيم بيغن. ومثل هذا النجاح لا يعود إلى عبقرية استثنائية يتمتع بها، بقدر ما ينطلق من غلبة الاتجاه اليميني بتفرعاته على الحياة السياسية والكتل الاجتماعية في البلاد، إلى الحد الذي يمكن معه القول أن اليسار والوسط العمالي قد باتا أخف من وزن الريشة في التأثير على الرأي العام واتجاهاته، فيما باتت الصراعات الفعلية تدور بين يمين متطرف ويمين أكثر تطرفاً. ومثل هذا الانحياز يتغذى أولاً من مناخ دولي جعل من القضية الفلسطينية مجرد ملف من ملفات كثيرة تديرها الولايات المتحدة دون سواها من دول وتكتلات العالم بما فيها الأمم المتحدة. ومن المعروف أن ذلك ترافق مع زحف يميني في العالم الغربي عبر عنه كل من ترامب في اميركا وجونستون في بريطانيا، ناهيك بالتحولات اليمينية في العديد من دول الاتحاد الاوروبي. أما الوضع العربي فيشهد ذروة التردي لجهة التفكك والتحلل الكياني في العديد من الدول العربية المحيطة، أي سوريا والعراق ولبنان، مع اختراقات تطبيعية للدواخل البعيدة بما هي دولة الامارات العربية المتحدة والسودان والمغرب، مضافة إليها مصر والاردن. أما الدول التي لم تطبّع مع العدو الاسرائيلي فتخففت من أعباء القضية الفلسطينية بأشكال مختلفة متفرغة لمشكلاتها الداخلية. وينسحب التفكك على الوضع الفلسطيني حيث لم تنجح أي من المحاولات التي بذلت عربياً وداخلياً في رأب الصدع بين مكونيه الأساسيين فتح وحماس، وبالتالي الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة المحاصر.

وكان الليكود قد نجح في غضون المهلة الاولى في الوصول إلى اتفاقات ائتلافية مع شركائه الحريديين من “شاس” وكتلة “يهدوت هتوراة”، وتيار “الصهيونية الدينية” برئاسة بتسلئيل سموتريتش، بالإضافة إلى “عوتسما يهوديت” و”نوعام”. وهذه التشكيلة اليمينية المتطرفة تكفي لنيل الثقة في الكنيست. ولكن نتنياهو وحزبه بتحالفاته فضل أن يطلب تمديداً إضافياً لتمرير القوانين أولاً، وثانياً تغيير رئيس الكنيست الحالي ميكي ليفي الذي ينتمي الى حزب “ييش عتيد”، الذي يقوده رئيس الحكومة المنتهية ولايته يائير لبيد، وكما كان متوقعاً جرى التصويت في الكنيست على اختيار رئيس جديد للبرلمان من داخل القائمة النيابية لحزب “ليكود”.

أما القوانين التي يرغب نتنياهو بتمريرها فأبرزها دون منازع هو “قانون درعي”، ما يسمح بتمكين زعيم حركة “شاس” من تولي منصب وزاري ، بعد الحكم الذي أصدرته المحكمة بسجنه مع وقف التنفيذ في العام 2021، وهو ما فسرته المحكمة بأنه يحول دون تبؤوه منصباً وزارياً.   ويهدف التعديل هنا إلى تسويغ قانوني لشغله منصباً وزارياً. وهو جزء من المعركة الكبرى التي يخوضها الليكود واليمين الصهيوني ضد المحكمة العليا بصيغتها الحالية والتي تندرج تحت مسمى قانون “التغلب” الذي ينزع من هذه المحكمة صلاحية النظر في القوانين التي يصدرها الكنيست، أو القرارات التي تتخذها الحكومة. ويعني التعديل هنا أن النظام السياسي بما يمثله من تحالفات وكتل، بات بإمكانه كف يد القضاء عن العديد من القضايا بما فيه قضايا الفساد الاربعة التي كانت وراء السبب في إضعاف موقع نتنياهو سابقاً، وقادت إلى الانتخابات النيابية المتكررة. ومع نزع مخالب المحكمة العليا سيصبح القضاء أضعف من التصدي للارتكابات التي يمارسها قادة حزبيون هم جزء من مراكز القوى في السلطة. وتشمل التعديلات القانونية المطلوبة توسيع صلاحيات وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، بموجب الاتفاق  بينه وبين نتنياهو.

وكان بنيامين نتنياهو قد توصل إلى اتفاق مع حزب “شاس” اليميني الديني ينص على إسناد وزارتي الداخلية والصحة إلى أريه درعي رئيس (شاس) خلال النصف الأول من ولاية الحكومة الجديدة، على أن يتولى وزارة المالية في النصف الثاني. وكذلك إشغال شاس حقيبتي الخدمات الدينية والرفاه والأمن الاجتماعي. أما حزب “الصهيونية الدينية” اليميني المتشدد فالاتفاق يقضي بتولي زعيمه بتسلئيل سموتريتش وزارة المالية لمدة عامين.

وسبق أن توصل حزب “ليكود” إلى اتفاقات ائتلافية مع أحزاب “الصهيونية الدينية” و”القوة اليهودية” و”نوعام”، في حين لا يزال يتفاوض مع حزب “يهودوت هتوراه” اليميني الديني، إذ تواجه المفاوضات معه صعوبات نظراً لوجود مسائل خلافية. وفي المقابل يحصل الليكود  على حقائب الدفاع والخارجية والعدل والبنى التحتية. وكانت أول ردود فعل على هذه التشكيلة المنتظرة قد جاءت من الاتحاد الاوروبي الذي أبلغ السفير الإسرائيلي لديه حاييم ريغيف، بأنه في الوقت الحالي سيتوقف عن الترويج لمسودة اتفاق للتعاون الاستخباري بين الشرطة الإسرائيلية ووكالة الشرطة الأوروبية (يوروبول)، الذي وصفته مصادر اسرائيلية بأنه “أول إشارة أوروبية إلى أنّ التغيير في السياسة الإسرائيلية في الضفة الغربية سيؤدي إلى الإضرار بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي”. وبموجب القانون الدولي، يعتبر الاتحاد الأوروبي الضفة الغربية أراضٍ محتلة، ويدعو إسرائيل إلى وقف الاستيطان فيها، الذي جاءت الاتفاقات الائتلافية لتطلقه على نحو أكثر سفوراً.

ومن الواضح لدى الرأي العام والاتحاد الاوروبي أن الحكومة الإسرائيلية ستضم وجوهاً من أقصى اليمين المتطرف الذي سيتسلم مواقع أمنية حساسة، تتمتع خلالها بموجب التعديلات قوات الأمن الإسرائيلية بالضفة الغربية بصلاحيات واسعة، من شأنها أن تطلق بالضرورة موجات استيطانية عاتية، وقد تتجاوز الضفة الغربية لتصل إلى استهداف الوجود الفلسطيني في اراضي العام 1948.

صحيح أن الثلاثي القادم في حكومة نتنياهو الجديدة (إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتيريتش وآفي معوز) هم من عُتاة المتطرفين، إلا أنه ينبغي الإنتباه إلى أن حكومة بينت السابقة تنتتمي إلى المدرسة السياسية الدينية الاستيطانية نفسها، بدليل متابعتها مشاريع الاستيطان في الضفة الغربية المحتلة من خلال  بناء أكثر من 7000 وحدة استيطانية، وبدء تكريس التقسيم الزماني في المسجد الأقصى، وتغيير إجراءات فتح النار على الفلسطينيين، إلى حد أنه أصبح معها القتل الكيفي أمراً يومياً من جانب القوى الأمنية.

وعليه، يمكن القول أن سياسة تقليص صلاحيات المحكمة العليا من شأنها أن تنعكس على نحو واضح على الفلسطينيين من خلال توسيع صلاحيات أجهزة الأمن في ظل مسؤولية بن غفير صاحب السجل الحافل بالتصريحات العنصرية، من نوع المطالبة علناً بترحيل الفلسطينيين، وانتهاء بالدعوة الى استخدام العنف المفرط ضد ” رُماة الحجارة”، علاوة طبعاً على تبني العنف ضد الخصوم السياسيين في الداخل الإسرائيلي. ذاك أن بن غفير كان ظهر في الاحتجاجات ضد رئيس الوزراء السابق اسحق رابين قبيل اغتياله، حاملاً قطعة من سيارته ومهدداً إياه بأن “من يصل الى سيارتك لن يصعب عليه الوصول اليك”. وكذلك احتفل بمرض رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق ارييل شارون، وأقام حفل شواء بالمناسبة. حتى شارون وسياساته (بناء جدار العزل وفك الارتباط مع الفلسطينيين) لم يكن مقبولاً لديه، بل مثّل تهديداً للتوسع الاستيطاني في بقية الضفة الغربية.

يبقى السؤال الأهم هو كيف ستختلف السياسة الاسرائيلية حيال فلسطينيي الداخل (عرب 48) في ضوء صدامات العام الماضي، وعمّا اذا كانت التصريحات السابقة لبن غفير، عن برنامج لتشجيع الفلسطينيين على الهجرة، وعن ترحيل من يعمل منهم ضد دولة إسرائيل، ستشق طريقها الى وزارته ونهجها. ذاك أن مثل هذه السياسة، معطوفة على المزيد من العنف ضد الفلسطينيين، سترفع وتيرة الانتقادات الدولية لإسرائيل، وما ورد من الاتحاد الاوروبي على أهميته لا يكفي إذ إن الولايات المتحدة هي المدعوة أكثر من سواها لاتخاذ مواقف لجم مؤثرة، لا سيما وأن نتنياهو كان من الداعمين لسياسة الرئيس الاميركي السابق دونالد ترامب واليمين الاميركي المتطرف.

ويبقى السؤال الأساسي عمّا اذا كان الطور المتجدد في السياسة الاسرائيلية يكفي لدفع الفصائل الفلسطينية نحو إحياء المشتركات وبرنامج المواجهة، طالما أن هيمنة اليمين الصهيوني المتطرف دينياً وقومياً من شأنه تهديد الوجود الفلسطيني برمته بما فيه من هم يعيشون في قطاع غزة المحاصر؟!.

Leave a Comment