مجتمع

التعليم الرسمي يتآكل: خسارة 42 ألف تلميذاً!

ابراهيم حيدر*

لم يشهد التعليم الرسمي في تاريخه نزفاً يهدّد وجوده كما يحدث اليوم. خسرت المدارس والثانويات الرسمية هذه السنة مجدّداً 42 ألف تلميذ وتلميذة وفق ما يوضحه الجدول الأخير لوزارة التربية الذي حصلت عليه “النهار” للمسجلين في المدارس في مختلف المناطق اللبنانية، ما يعني انخفاض نسبة أعداد تلامذة الرسمي للسنة الدراسية 2022-2023 إلى نحو 27 في المئة من مجمل تلامذة لبنان. وهي خسارة فادحة مع ازدياد أعداد التلامذة في قطاعات التعليم إلى أكثر من مليون و100 ألف.

ويشير الجدول بعد انتهاء مهلة التسجيل الأخيرة يوم الجمعة الماضي، وهي التي مُدّدت مرّتين، إلى أن عدد التلامذة في الرسمي بلغ 294679 تلميذاً وتلميذة فيما بلغ العام الماضي 336301 وفق النشرة الإحصائية لعام 2021-2022 للمركز التربوي للبحوث والإنماء، ونسبة الخسارة بلغت 11 في المئة. ويظهر إحصاء المسجّلين في الرسمي أن الخسارة الأكبر هي في الثانويات التي تُعدّ دُرّة التعليم الرسمي مع تراجع الأعداد من 66 ألف تلميذ العام الماضي إلى 59873 هذه السنة، فيما خسر التعليم الأساسي بكل مراحله نحو 36 ألف تلميذ مع التراجع من 270 ألفاً العام الماضي إلى 234809، علماً بأن عدد المدارس الرسمية لفترة ما قبل الظهر للتلامذة اللبنانيين يبلغ 1231، من بينها 275 ثانوية و956 ابتدائية ومتوسّطة، فيما زادت الأعداد لمرحلة ما بعد الظهر لتعليم النازحين في 340 مدرسة وبلغ عدد التلامذة 169393 تلميذاً.

تطرح هذه الأرقام تساؤلات حول صمود التعليم الرسمي بسبب ما نشهده من هجرة معاكسة وانقلاب الأمور رأساً على عقب، خصوصاً أنه في العام الماضي خسرت المدرسة الرسمية أكثر من 40 ألف تلميذ أيضاً، ما يعني أن النزوح من الرسمي بلغ خلال سنتين 80 ألفاً، منهم من تسرب إلى الشارع، وبعضهم الآخر انتقل إلى مدارس خاصّة متواضعة أو تجارية أو مؤسسات لدى جمعيات أهلية وطائفية مدعومة. واللافت أن التعليم الخاص غير المجاني زاد عدد تلامذته إلى أكثر من600  ألف، مقابل 572 ألف تلميذ العام الماضي. الهجرة المعاكسة كانت بسبب الحالة المزرية التي يعانيها التعليم الرسمي، بسبب غياب الدعم والرعاية من الحكومة وتوفير الأموال، وأيضاً بسبب تعطل الدراسة والمقاطعة التي حدثت بداية السنة، والامتناع عن التسجيل بقرار من رابطات الأساتذة ومقاطعة المعلمين والإضرابات طلباً لزيادة الرواتب وبدلات النقل والمنحة الاجتماعية وحوافز الدولار من الجهات المانحة، وهي عبارة عن مبالغ كانت تُدفع شهرياً لمعلمي الرسمي في الملاك والمتعاقدين دون موظفي القطاع العام. تظهر الإشكالية بوضوح في طريقة التعامل مع التعليم، إذ لا يُفهم مثلاً كيف أن الجسم النقابي التعليمي يقرّر مقاطعة التسجيل وإقفال المدارس الرسمية مع بداية العام، وهو أمر سيدفع حكماً أهالي التلامذة إلى البحث عن بدائل، وإن كانت مكلفة. وينسحب الأمر أيضاً على الأيام الدراسية الأخرى عندما يتقرّر إضراب، ومقاطعة مفتوحة في كل وقت من دون دراسة الجدوى وقياس الخسائر والأرباح لاستمرار التعليم، والنتيجة تكون مزيداً من الفاقد، وتراجعاً في فاعلية التعليم، إضافة إلى تخلي الدولة عن رعايته وعدم تأمين الدعم لتتمكن وزارة التربية من تلبية متطلبات الحدّ الأدنى لحماية القطاع وإنقاذ السنة الدراسية. يتعطل التعليم الرسمي عند كل منعطف في مقابل استمرار المدارس الخاصة في التدريس بنحو طبيعي، وهو ما يجعله في وضع كارثي وأمام انهيار محتوم إذا بقيت الأمور على حالها. لكن المشكلة الأخطر تتمثل بتسرّب قسم كبير من تلامذة الرسمي إلى الشارع، أو إلى مدارس خاصّة غب الطلب، لا تقدّم تعليماً بالحدّ الأدنى. والتحدّي اليوم ليس استعادة حيوية التعليم فحسب، بل بانتظام الدراسة للتعويض. وهذا يشترط أوضاعاً مستقرّة والتزاماً من المعلمين في مختلف فئاتهم بالتدريس وحماية التعليم الرسمي، على الرغم من أوضاعهم المؤلمة منعاً لمزيد من إضعافه واستمرار استخدامه مكاناً للتنفيعات والتوظيف السياسي.

*نشرت في النهار في 14-12-2022 .

Leave a Comment