سياسة صحف وآراء

وثيقة جامعة… ولكن

*عبسي سميسم

تحظى ما باتت تُعرف في سورية بـ”وثيقة المناطق الثلاث” بقبول شعبي وأهلي متزايد في عموم المناطق السورية، بوصفها بارقة أمل للملمة الجسد السوري المفكّك بعد سنوات طويلة من الحرب الداخلية، خصوصاً مع انغلاق آفاق الحل السياسي عملياً. وكانت مجموعة من الفاعلين المحليين قد أصدرت هذه الوثيقة أول مرة في 8 مارس/آذار الماضي، كإعلان مشترك بين ثلاث مناطق سورية (درعا البلد، القريا، ريف حلب الشمالي)، وتضم مجموعة مبادئ يطمح المبادرون إلى أن تكون موضع توافق وترحيب شعبي على امتداد البلاد، بحيث يجري توحيد الخطاب السوري الوطني عبرها. وتقوم الوثيقة على عدة مرتكزات، تبدأ بما سمي “تأميم السياسة” أي عدم تسليم القرار السوري لأي جهة خارجية، واعتبار الحياة والحرية والأمان والكرامة حقوقاً وطنية، إضافة إلى مناهضة أي فعل أو خطاب يدعو إلى الكراهية، ورفض أيٍّ من أشكال التقسيم للبلاد، مع تأكيد أن الدولة الوطنية هي لجميع أبنائها. كما دعت الوثيقة إلى استعادة مبدأ التنسيق الذي ساد مع بداية الثورة السورية وبناء شبكات عابرة للطوائف والعصبيات.

وبعد الإعلان عن الوثيقة، سرعان ما أعلنت مناطق عديدة الانضمام إليها بوصفها تدعو إلى ميثاق سوري جديد، يقوم على إعلاء قيم المواطنة والحرية والحفاظ على وحدة البلاد. وبعد انضمام “تجمّع العمل الوطني في الساحل السوري” إلى الوثيقة في السابع من شهر إبريل/ نيسان الحالي، وقبل ذلك منطقة الجولان السوري، أعلنت قبل يومين مجموعة “من السوريين الوطنيين الموجودين في إدلب” انضمامها إليها، وقال هؤلاء إنهم ينتمون إلى الطيف الوطني المؤمن بالانتقال إلى الدولة الوطنية.

والواقع أن هذه الوثيقة تأتي لتسدّ فراغاً في “الروح الوطنية الجامعة” بعد سنواتٍ من التشظّي الداخلي، وانقسام البلاد عملياً إلى عدة مناطق، يخضع كل منها لنظام حكمٍ مختلف، بدعم من قوى خارجية، بحيث بات الخطر حقيقياً على مستقبل سورية بلداً جامعاً لكل أبنائه، خصوصاً مع عدم تجاوب النظام في دمشق مع الحلول السياسية المطروحة، واستكانته للوضع الراهن، في ظل الانشغال الدولي عن القضية السورية، وهو ما وجد فيه المبادرون إلى هذه الوثيقة أنه يرتّب عليهم أخذ زمام المبادرة، والسعي إلى جمع كلمة السوريين على الخطوط العريضة التي يتوافقون عليها، وصولاً إلى استنبات حل وطني سوري، بعيداً عن التدخلات الخارجية.

ومع أن الوثيقة تحمل أفكاراً تعد الأكثر منطقية على المستوى النظري، فإن جعل الخطاب السوري الموحد وفق بنودها فاعلاً يبدو في غاية الصعوبة، إن لم يكن مستحيلاً في ظل تحكّم سلطات الأمر الواقع بكل الجغرافية السورية، الأمر الذي من شأنه أن يبقيها في إطار المبادرة النظرية بانتظار تغير المعطيات على أرض الواقع.

*العربي الجديد يوم21 نيسان / ابريل 2024

Leave a Comment