سياسة

الانتخابات المعلّقة على مصالح أهل السلطة 

زكي طه

باستثناء نص القانون الذي يُحدد ولاية المجلس النيابي بأربع سنوات، وهو ما يستند له في تقرير موعد الانتخابات للمجلس الجديد، فإن المعطيات القائمة والمتوالية فصولاً لا تشي بأن الاستحقاق الانتخابي في طريقه للتحقق في الموعد المقترح. سواء تعلق الأمر بأوضاع البلاد العامة والاندفاعة المتسارعة نحو الارتطام بقعر الهاوية. أو فيما خص مسارات التحضير التي لا تزال متعثرة على أكثر من صعيد. بدءاً من موعد إجراء الانتخابات الذي لم يُحسم بشكل نهائي، وهو لا يزال موضع نزاع قانوني ودستوري، بين أكثرية الكتل النيابية التي قررت تقديم الموعد إلى 27 آذار المقبل، وبين رئيس الجمهورية وتياره السياسي، اللذين يُصران على موعد 28 أيار 2022.

وبصرف النظر عن أسباب تقريب الموعد أو رفضه، فإن النزاع بشأنه لا يمكن تنسيبه إلى رغبة أي من الجهتين أو حرصهما على حصول الانتخابات. ولا يختلف الأمر لديهما بشأن صيغة مشاركة المغتربين فيها. إذ يُصر الرئيس وتياره على الالتزام بنص القانون، الذي حصر مشاركة هؤلاء بانتخاب ستة نواب يمثلون الاغتراب اللبناني الواسع. في حين أن أكثرية كتل المجلس النيابي ورئيسه، قررت تعديل القانون وإعادة تنسيب المغتربين انتخابياً، وهم المنتشرون عبر أزمان مختلفة في شتى ارجاء العالم، إلى دوائر نفوسهم الاصلية في لبنان قبل اغترابهم، وحصر مشاركتهم في انتخاب الـ 128 نائباً من بين المرشحين محلياً.

وعليه، فإن ما قررته أكثرية المجلس النيابي بشان الموعد وتصويت المغتربين، ليس أمراً نهائياً حتى الآن. كما وإن عدم استجابة المجلس لطلب رئيس الجمهورية ورفضه بالأكثرية إعادة النظر بما قرره سابقاً، لا تجعل التعديلات نافذة رغم نشرها في الجريدة الرسمية.  والسبب مرده الطعن بها وبدستورية جلسة إقرارها، أمام المجلس الدستوري من قبل تيار الرئيس. ما ينتج عنه خلط للأوراق وتشريع الباب للاطاحة بالاستحقاق برمته، وسط تلويح الآخرين بتعطيل انعقاد المجلس الدستوري لتكريس التعديلات.

وما يفاقم الشكوك حول مصير الانتخابات، ما يشهده مسرح البلاد وما يحتشد فيها من قضايا متفجرة يصعب حصرها أو السيطرة عليها، وهي التي تبقي غالبية اللبنانيين وسط مصير مجهول. خصوصاً مع ارتفاع وتيرة السجالات المتوترة وغير المسؤولة وطنياً، وسيادة لغة التهديد والوعيد من قبل الطرف المتحكم بالوضع العام في مواجهة المعترضين على خياراته السياسية المتعلقة بموقع لبنان الإقليمي وعلاقاته العربية وخصوصاً الخليجية منها. والاصرار  من قبله على تكريسها أمراً واقعاً، وسط إدارة ظهر كاملة لمفاعيلها السلبية المترتبة على مصالح البلد واللبنانيين في شتى ميادين السياسة والاقتصاد والاجتماع. بالإضافة إلى التجاهل التام لمواقف واعتراضات سائر الجهات المعنية بها من كل الضفاف الداخلية والخارجية.

ومع تسارع المواقف المغلقة على أية حلول للأزمات أو تسويات بشأنها بين أهل الحكم وقوى السلطة. تندفع البلاد نحو مزيد من التأزم والاحتقان بالتزامن مع اتساع حدة الفوضى الأهلية والأمنية على نحو غير مسبوق في أكثر من اتجاه. وفي موازاة انهيار ما تبقى من قيمة العملة الوطنية وانفلات اسعار جميع السلع على غاربها وبشكل جنوني في أعقاب رفع الدعم عن الادوية والمحروقات، حيث بات الحصول عليها حكراً على الاغنياء فقط. في المقابل يستمر مصير ملف التحقيق العدلي حول انفجار المرفأ معلقاً، بانتظار جلاء المحاولات المحمومة من أهل السلطة لكف يد القاضي المولج بالتحقيق. وإلى جانبه ملف التحقيق السياسي والأمني بأحداث الطيونة، وما كان في سياقها من غرائب محاولات تصفية حسابات بين قوى السلطة. خصوصاً بعد تطورات ومضاعفات أزمة العلاقة المتفجرة مع دول الخليج العربي وانعكاساتها الخطيرة والكارثية على جميع الصعد العامة الوطنية، والتي لم تزل تتوالى فصولاً، مما يضع البلاد في عين العاصفة.

ولذلك لم يكن مفاجئاً أن تصاب الحكومة سريعاً بالشلل والعجز عن الاجتماع، ناهيك بكل ما كان مأمولاً منها من قبل بعض الداخل والخارج، وتحديداً على صعيد المفاوضات مع الهيئات الدولية بشأن الاصلاحات والوضعين الاقتصادي والمالي. ما يعني أن مهامها باتت محصورة راهناً وإلى أمد طويل بتصريف الاعمال، وسط تصاعد المخاوف من إقالتها أو استقالة رئيسها، وانعكاسات ذلك على  مصير استحقاقي الانتخابات النيابية والرئاسية، وتكشف الرغبة الجامحة لدى البعض في الاطاحة بهما.

وما يعزز الشكوك أيضاً، أنه ولدى التدقيق في مواقف وأداء أكثرية أطراف السلطة بشأن الانتخابات، يتبيّن أنهم اصحاب مصلحة في عدم حصولها. وبينما تبدو القوات اللبنانية الطرف الأكثر حماساً للاستثمار في أزمات خصومها لتوسيع قاعدة تمثيلها الطائفي عبر الانتخابات، فإن الأمر سيان بالنسبة لحزب الله الذي يعلن اطمئنانه إلى وضعه، بالنظر لمفاعيل فائض قوته على أكثر من صعيد مع الانتخابات أو من دونها. أما سائر القوى الأخرى فإن مصلحتها الغالبة تكمن في تأجيل الاستحقاق للاحتفاظ بما لديها من أوزان نيابية معرضة للتعديل سلباً وإن بنسب محدودة جداً. ولذلك يسعى كل منها لتحميل الآخر مسؤولية التأجيل أو الإلغاء.

وفي هذا السياق ورغم اقتراب الموعد الافتراضي للاستحقاق النيابي في آذار المقبل والدخول في المهل الدستورية التي ينص عليها القانون. فإن غالبية اطراف السلطة لم تزل تتريث في اطلاق حملاتها الانتخابية والبدء بالتحضير لها وفق آليات يُستشف منها أننا ذاهبون حقاً إلى حصولها في موعدها. وبصرف النظر عن استطلاعات الراي التي تقوم بها بعض المؤسسات لمصلحة هذا الطرف أو ذاك لجس النبض، فإن الحديث عن التحالفات بين تلك الاطراف لم يتجاوز دائرة التكهنات الإعلامية، رغم أنها تبقى محكومة للمصالح المشتركة في ما بينها. أما الغموض والتريث في إعلان اسماء المرشحين الجديين لدى هذا الطرف أو ذاك، بما فيه الاشاعات المتعلقة بخوض الانتخابات من عدمها في ما خص تيار المستقبل، وما يرافق ذلك من تحليلات، فهي لا تقدم أو تؤخر في شيء.

و رغم ما تواجهه البلاد من مخاطر زاحفة من كل الجهات، وسط شلل الحكم ومؤسسات الدولة وعجزها، ورغم الإنهيار الكارثي وما يقع في ركابه من أزمات متفجرة، فإن مصدر اطمئنان قوى النظام يكمن في عوامل قوتها مجتمعة ومنفردة باعتبارها ردائف تتشارك السلطة، وتتنازع الهيمنة وتقاسم المغانم وتتصارع من موقع التحالف والعداء في آن. وما يعزّز اطمئنانها أن مطالبات وضغوط الجهات الخارجية التي تستظل رايات الاصلاح أو المراهنة على الانتخابات والتحذير من عدم حصولها، أنها غير قابلة للصرف لدى منظومة السلطة. خصوصاً وأن ساحات الداخل لا تزال تفتقد للقوى الاجتماعية الوازنة التي بمقدورها محاصرة أهل السلطة والضغط عليها لاجبارها على تنفيذ وعودها أو الوفاء بالتزاماتها. وما يؤكد ذلك هو حال قوى الاعتراض والمعارضة التي تدعي وصلاً بالانتفاضة والثورة والتغيير، والتي ورغم الضجيج الاعلامي لم تفلح في أن تشكل مصدر قلق على الصعيد الانتخابي بالنسبة لأطراف المنظومة الحاكمة في ساحاتها الفعلية. ما يعني أن ثقة الناخبين بها لا تزال مفقودة، وأن مخاطبتهم من فوق وعبر وسائل الاعلام ومن خلال البرامج والشعارات العامة ليست كافية أو مقنعة لهم. مما يجدد طرح السؤال حول امكانية الاستدراك ولو متأخراً وقبل فوات الأوان.

 

 

Leave a Comment