سياسة

العلاقات اللبنانية ـ الخليجية في ضوء الأزمة المستفحلة: السعودية تصيب الرئيسين ميقاتي وماكرون بحجر واحد

بقلم: ابراهيم خليل

يكمن السجال الحاصل في لبنان اليوم حول استقالة وزير الاعلام جورج قرداحي من عدمها، على أنها البوابة التي ستعيد العلاقات المتدهورة بين لبنان ودول الخليج العربي. من دون شك يمكن للاستقالة ان تهديء من الغضب السعودي تجاه لبنان، لكن السؤال هو عن الأسباب والدوافع  والمتضرر الاكبر من الإجراءات الخليجية ؟

الإشكال الذي وقع في منطقة الطيونة بين مناصري حزب الله وحركة أمل من جهة ومناصري القوات اللبنانية من جهة ثانية أصاب صميم حكومة نجيب ميقاتي. التي عانت الشلّل وتعذر التئامها بعد جلسة لمعالجة مطلب أمين عام حزب الله حسن نصرالله في خطابه بتاريخ 11 تشرين الاول  بتنحية قاضي التحقيق في جريمة المرفأ طارق البيطار. الأمرالمتعذر بسبب رمزية القاضي وتحصنّه باهالي الضحايا، اضافةً الى الرأي العام اللبناني والدولي. ثم جاء بعد ها تدهور العلاقات بين لبنان ودول الخليج على خلفية تصريحات للوزير قرداحي.

المواطنون اللبنانيون هم المتضررون الاساسيون من التصعيد الخليجي تجاه لبنان من دون أي شك، نتيجة خوفهم على ابنائهم من أي عملية ترحيل للعاملين في دول الخليج، والذين يشكلون رافعة للاقتصاد الوطني عبر ضخهم الدولارات الى الاقتصاد، ما يساعد عائلاتهم على تخطي الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد.

لكن في المنطق السياسي هناك خاسران الأول اسمه نجيب ميقاتي، والثاني هو الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون.

يعد نجيب ميقاتي من أبرز الخاسرين. فقد اعتقد لدى تشكيله الحكومة العتيدة أنه سيكون الوريث السياسي للحريرية، وباستطاعته كسب جمهورها واستقطابه من خلال النجاح ببعض المشاريع الانقاذية، من البوابة التي دخل عبرها رفيق الحريري، أي الاستثمارات والعلاقة مع السعودية، ما سيجعل منه الزعيم الاول للسُنة. لكن الرسالة الخليجية التي تلقاها تؤكد أن الابواب التي اقفلت امام سعد الحريري ما زالت مقفلة. ولذا سعى ميقاتي لتوسيط الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون مع السعودية، لكن الأمر لم ينجح، وتلقى وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان أجوبة سلبية بعد جولته على عدد من العواصم الخليجية بهدف تعبيد الطريق لميقاتي.

رغم ذلك لم ييأس ميقاتي، وخلال مؤتمر الامم المتحدة للتغير المناخي الذي انعقد في مدينة غلاسكو باسكتلندا اجتمع ميقاتي بماكرون الذي  أبلغه أنه لن يستطيع المبادرة بأي شيء لحل الأزمة مع المملكة العربية السعودية. وأن عليه ادارة الملفات الداخلية اللبنانية ومحاولة النجاح بعمل أي شيء. وفهم ميقاتي أن الإندفاعة الفرنسية تجاه لبنان وتبنيها لحكومته اوقفه الغضب السعودي، وأن ماكرون اصبح عاجزاً عن القيام بشيء.

مع هذا التطور أصبح مركز رئاسة الوزراء رهينة لقرار حسن نصرالله. وهو الموقع الذي سبق وتعرض لعدة نكسات وهزائم بدأت منذ عام 2011 على ايدي الثنائي المتحكم الآن بالبلد حزب الله والتيار الوطني الحرّ، عندما اطاحا بسعد الحريري وهو على باب الرئيس الاميركي باراك اوباما. ومع ابرام رئيس الحكومة السابق سعد الحريري صفقة وصول ميشال عون عام 2016 إلى رئاسة الجمهورية جرت الـ  ” صلبطة ” على صلاحيات رئيس الحكومة جرّاء أداء الحريري الذي كان هدفه بعد استعادة ما خسره من اموال نتيجة افلاس شركاته. وفي تلك الحقبة كان اشد منتقديه على تنازلاته نجيب ميقاتي الذي اطلق عام 2017 شعاره الشهير” كفى يا سعد…”.

ثم سقطت عليه العقوبات الاميركية التي فرضها مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية (OFAC) والتي صدرت بحق جهاد العرب المقاول المقرّب منه، والذي عمل كوسيط عام 2014 للتوسط لعقد اجتماع بين كبار المسؤولين اللبنانيين قبل الانتخابات الرئاسية اللبنانية، مقابل حصوله على عقدين حكوميين تبلغ قيمتهما حوالي 200 مليون دولار.
الصفقة الرئاسية التي انتجت المال لكلا الطرفين انتهت بكارثة بالنسبة لسعد الحريري الذي خرج من العباءة السعودية عام 2017 بعد الحادثة الشهيرة التي حصلت معه وأدت لاستقالته. بعدها لم يستطع الحريري تحسين علاقته مع المملكة  لغاية  2019، بل على العكس ساءت العلاقة رغم تبنيه من قبل  الرئيس الفرنسي ماكرون، الذي ساهم بإنعقاد مؤتمر سيدر عام 2018 قبل اشهر قليلة على الانتخابات النيابية، وكان المؤتمر بمثابة حملة انتخابية له. لكن لم يستطع الحريري الإفادة من الغطاء الفرنسي و لبننة نفسه والخروج بأي بإنجاز في الداخل اللبناني ما يجبر دول الخليج عامةً والسعودية خاصةً على التعامل معه واعتباره شخصية ذات ثقة. بل على العكس فقد أصبح الحليف المعلن للسعوديين في لبنان  سمير جعجع رئيس حزب القوات اللبنانية الأمر الذي استفز الحريري وجعله يطلق مواقف متوترة ضد جعجع طالت بسهامها سفير المملكة وليد البخاري الذي كان يزور جعجع بشكل دوري.

حاول سعد الحريري بعد الانتفاضة واستقالته عام 2019 إعادة التموضع ورفع شروطه بوجه حزب الله، لكن الظروف الدولية في حينها وخيارات الحزب لم تسمح له بالعودة إلى رئاسة الحكومة، فسُمي الاكاديمي حسان دياب لترؤس الحكومة. ولم يستطع الأخير كسر الجليد مع الدول الخليجية، ولم يقم بزيارةعواصمها. ووصفت حكومته بحكومة حزب الله. وبعد الانفجار الذي شهده مرفأ العاصمة اللبنانية واستقالة دياب، اعتبر الحريري نفسه المرشح الطبيعي لتولي رئاسة الحكومة. ما ساهم بإفشال مهمة الدبلوماسي مصطفى اديب. ولمدة اكثر من 9 اشهر حاول الحريري تشكيل الحكومة، وخلال هذه الفترة زار أغلب العواصم العربية من دون ان يستطيع الوصول إلى الرياض ومقابلة ولي العهد محمد بن سلمان. اعتذر الحريري عن تشكيل الحكومة وسمي ميقاتي لتشكيلها، سرعان ما استطاع ذلك بسبب الظروف الدولية التي توافرت من خلال التقارب الايراني الفرنسي وغض النظر الاميركي وعدم اكتراث السعودية. هذه الظروف الهشة التي ساعدته على تشكيل حكومته التي اسمت نفسها بالانقاذية بحاجة إلى من ينقذها لعقد اجتماع وإدراة الملفات الاساسية.

فالرجل الذي أُسمي رئيس حكومة من قبل رؤساء الحكومات السابقين بات بحاجة لأمين عام حزب الله ليعيد له دوره، ويسمح للحكومة بالانعقاد من خلال نزع فتيل إقالة القاضي بيطار، واستقالة جورج قرداحي لإعادة العلاقات الفاترة بين لبنان ودول الخليج.

ثاني الخاسرين هو الراعي الرسمي لحكومة ميقاتي، أي الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون. ولا يمكن تفسير الخطوة السعودية تجاه لبنان الا كونها رسالة سعودية لفرنسا، و سياستها الخارجية ومحاولتها ايجاد أسواق جديدة للاستثمار، وأهمها إعادة اعمار مرفأ بيروت بعدما نجح ماكرون بإبرام صفقة مع العراق برضى ايراني عبر شركة توتال للاستثمار في الطاقة العراقية بمبلغ 27 مليار دولار. السعودية الغاضبة من الأداء الفرنسي والتي تنظر الفرنسيين يدخلون المنطقة العربية من البوابة الايرانية، اعلنتها بشكل غير مباشر أنه لا يمكن تجاهل المصالح العربية وابرام صفقات مع الايرانيين، من دون الأخذ بعين الاعتبار مصالح المملكة التي تبدأ من الاتفاق النووي مع ايران والحد من نفوذها في المنطقة مروراً بالنزيف اليمني وصولاً الى لبنان. وها هي السعودية تقول للفرنسيين هذا هو البلد الذي دخلتم اليه عبر البوابة الايرانية استطعنا شلّ اندفاعتكم فيه وإيقاف أي طموح استثماري لكم.

ماكرون تلقى صفعة من السعوديين وهو الذي يجمع أوراقه  لخوض الانتخابات الرئاسية الفرنسية بعد بضعة أشهر برصيد قليل من الإنجازات والكثير من الخيبات.

ميقاتي وماكرون صُفعا واللبنانيون ينتظرون أياماً سوداء، بدأت من جهنم التي بشرَّهم بها رئيس الجمهورية ميشال عون، ولا احد يستطيع التكهن إلى أين ستصل الأمور، بينما دول الخليج تترقب بدء المفاوضات الاميركية الايرانية في 29 من هذا الشهر لعلها تفلّح بلجم الطموحات الايرانية.

 

 

Leave a Comment