مجتمع

الاطباء بين الرهان على التغيير والانصياع للأمر الواقع

د. وهيب سلامة

أما وقد انجلى غبار المعارك الانتخابية النقابية، ووضعت اللعبة الديمقراطية اوزارها. وهي الانتخابات  التي انتظرها الاطباء  وقواهم النقابية الديمقراطية، بعد طول مماطلة وتأجيل لمرات عدّة، بحجج واهية وغير مقنعة في أكثر الاحيان. حيث تكشّفت نوايا القوى السلطوية التي ترتهن القرار النقابي، والتي سعت لاستغلال الظروف الصحية والاغلاق الذي رافق انتشار جائحة “كورونا”. هذه القوى التي هالها تحرك الشعب اللبناني في انتفاضته المجيدة في ١٧ تشرين، ومشاركة الاطباء إلى جانب الالاف من الشعب اللبناني التي طالها الانهيار المالي والدمار الاقتصادي، والتعطيل لمؤسسات الدولة وتآكلها لحساب دويلات المحاصصة، بفعل السياسات المذهببة  والطائفية، والفساد المستشري الذي لم تنجُ منه المؤسسات المهنية النقابية والديمقراطية حيث امكن للسلطة واحزابها السيطرة والعبث… وذلك عن طريق تسخير الموارد، وحشو الموظفين والأزلام وعقد الصفقات، والتي افضت إلى تجويف هذه المؤسسات، وتعطيل لآليات حياتها الداخلية الديمقراطية والنظامية، وبالتالي شل آليات المحاسبة والتقرير، والامتثال للمحاسبة الدورية أمام الجمعية العمومية لإقرار البراءات المالية والموازنة النقابية السنوية. هذة المناقشات  تدخل في صلب الحياة الديمقراطية الداخلية للنقابة، لأنها تشكل رادعاً اساسياً يؤمن عملية الشفافية والمراقبة والمحاسبة، وذلك، لتعزيز الثقة والحد من الهدر والاختلاس . .

هذه العملية الكبيرة والمعقدة من الاصلاح على اتصال مباشر بدور النقابة الجماعي، كحاضنة  نقابية مهنية واجتماعية لآلاف الاطباء العاملين والمتقاعدين والمرضى منهم، الذين ينتظرون تحسن موارد النقابة وزيادتها  في هذه الظروف المعيشية القاهرة، حيث يعاني الاطباء من وطأة الازمة المالية، التي اسهمت في تآكل قدرتهم الشرائية وجعلتهم ينضمون إلى صفوف الفقراء والمعوزين هم وعائلاتهم. ما دفع بالالآف منهم الى السفر والهجرة بحثاً عن مورد رزق. وهذا ما أسهم في تراجع الخدمات الطبية بشكل عام، وتراجع دور لبنان الريادي كمستشفى للعرب بفعل النزف الكبير في الكوادر الطبية المتخصصة.

وهذه العملية الديمقراطية الداخلية كانت قد توقفت منذ ٢٠١٤ عندما رفضت الجمعية العمومية التصويت على التقرير المالي المقدم لها من قبل مجلس النقابة حينها، بسبب ما شاب هذا التقرير من تناقضات ونواقص غير مبررة وغير مقنعة. والأدهى عدم توصل شركات التدقيق المالي، بما فيها المعينة من مجالس النقابة والمدفوعة أجرتها بعشرات الاف الدولارات النقابية، إضافة إلى اللجنة المالية المعينة من قبل وزير الصحة الأسبق د.جميل جبق، والتي بدورها اعلنت وجود شبهات لعمليات فساد مالي ومصاريف غير مسندة؟!.

يضاف إلى المشاكل والأزمات المالية، التعديات الجسدية والمعنوية على الاطباء والجسم الطبي، ومصادرة المصارف الخاصة لمدخرات الاطباء وأموال صناديقهم الضامنة، وبقاء مشكلة آلاف الاطباء الملزمون بدفع “خوات “بدلات الضمان الالزامي المقر منذ عام ٢٠٠١ من دون وجه حق، وبصيغة ضرائب و”خوات” مالية من دون الحصول على حق الاستشفاء.. وغيرها من القضايا الاساسية التي تنتظر من مجلس النقابة الجديد العمل على التصدي لها، وعبر اوسع حوار مع الاطباء وتكتلاتهم ولجانهم الطبية…

على أن ما رافق العملية الانتخابية من شبهات واجراءات اوحت بحقيقة ما تعمل عليه القوى المتحكمة بالقرار الداخلي في النقابة، وما تضمره من خطوات  واجراءات ..فالانتخابات النقابية، جرى “تلغيمها” بعملية تهريب بوليسية، واستحداث اجراء غير قانوني حسب الدوائر القانونية في وزارة الصحة نفسها، والتي اعلنت موقفها بعدم جواز التصويت المسبق بالاستفتاء والاجابة بـ: نعم أو لا، قبل نقاش التقرير المالي ومروره في الجمعية العمومية، وأن الاستفتاء يبقى استفتاءاً ورأياً لا يعتد به أمام القرار الصريح للجمعية العمومية، التي تعتبر السلطة الأعلى، والمخولة خاصة عند انتهاء ولاية المجلس وبدء العملية الانتخابية؟؟ علماً، وهذا ما افرزه الواقع حين تصدى الاطباء لمحاولات النقيب المنتهية ولايته، الدفاع والتبرير الباهت وناقش، ولم يستطع النقيب واركانه الدفاع عن ميزانيته وتقاريره المالية المليئة بالمغالطات والفجوات مضاف إليه الكشف – الفضيحة عن وجود صندوق  “مالي اسود” غير وارد في النظام، ما يزيد الشبهات والفضائح، التي لم تفلح جهود النقيب في طمسها؟! لتُرفع الجلسة من دون قرار، ولتأتي بعدها نتيجة الاستفتاء في “الصندوق الاسود” كما سماه الأطباء – مغايرة ومعاكسة للنقاشات في الجمعية العمومية ولتقارير لجان التدقيق المالي.

كذلك رافق العملية الانتخابية اعتراض كبير ابداه المرشحون لمجلس النقابة وطالبت به “لائحة النقابة تنتفض”، والتي انضوى ضمن صفوفها قوى من رحم انتفاضة تشرين مستقلين وممثلين للحزب الشيوعي اللبناني ومنظمة العمل اليساري الديمقراطي العلماني، التي طالبت باستبدال الفرز الالكتروني والمترافق مع شبهات بالتزوير بالفرز اليدوي – واذا كان من صعوبة لضيق الوقت –علماً أن الاطباء طالبوا به منذ انتخابات ٢٠١٩- وذلك تأكيداً للشفافية وتعميماً للثقة ودحضاً للشبهات -على الاقل إجراء فرز يدوي لصندوق عشوائي قبل اعلان النتائج  لإجراء المطابقة المطلوبة .

الا أن النقيب والمجلس المنحل رفضا بشكل قاطع مهددين. وحال ذلك دون هذا الاجراء الذي وافقت عليه لجنة ادارة الانتخابات ورفضته “القوى المسيطرة”ومن دون تبرير؟

وكانت الانتخابات النقابية قد جرت صباح الاحد في ٢٩ أيار وشارك بها ٢٤٤٦ طبيبا من أصل حوالي ٩٠٠٠ طبيب سدد اشتراكه السنوي، وله حق الانتخاب والترشح، وما رافق هذة العملية من ظروف معيشية قاهرة تطال الاطباء ولقمة عيشهم كما باقي فئات الشعب اللبناني الآخذة ظروفه المعيشية بالتدهور، مع تطور الانهيار المالي والاقتصادي وغياب سياسات مالية اقتصادية انقاذية توقف الانهيار المتعاظم، وتعيد الثقة للناس يستعيدون معها مدخراتهم التي سطت عليها المصارف بشكل اعتباطي، اشبه ما يكون بعملية نهب موصوفة، في ظل صمت الدولة ومؤسساتها القانونية والمالية والتشريعية المسؤولة .

لقد افضت المعركة الانتخابية بين لوائح قوى السلطة والانتفاضة عن سيطرة شبة كاملة للأولى ..رغم أن النقابة تنتفض استطاعت أن تخرق هذه السيطرة وتخوض معركة انتخاب نقيب عبر مرشحها الفائز بالعضوية الدكتور جورج الهبر في  مواجهة النقيب الجديد  المنتخب الدكتور يوسف بخاش المدعوم من تحالف احزاب السلطة  .

وبعد ان انتهى هذا الفصل النظامي من العملية الديمقراطية يتطلع الاطباء إلى مجلس النقابة الجديد، لكي يضطلع بالدور النضالي المطلوب منه في الالتفات إلى القضايا الاساس التي تهمهم ومنها :

١- اجراء حوار ديمقراطي صريح وورش عمل لاصلاح البيت النقابي الداخلي: خاصة في قضايا الشفافية الإدارية والمالية والمكننة.

٢- اقرار مبدا التوصيف الوظيفي.

٣- توسيع اللامركزية الإدارية بعد تطبيق المكننة.

٤- إعادة النظر بالانتخاب الالكتروني، وشفافية البرامج المتبعة ومن شركات معترف بها وذات مصداقية والحق بالاختبار لزيادة الثقة والمصداقية في العملية الديمقراطية  .

٥- زيادة الموارد ، تحرير المدخرات،رفع المعاش التقاعدي، رفد صندوق الاستشفاء والإعانة بشكل عادل ومتساوٍ، وليس بدعم استشفاء وتامين خاص ومن صندوق النقابة. وحل مشكلة الاطباء العالقة منذ قرار الإلزام في ٢٠٠١.

٦- رفع قيمة التعريفات الطبية وربطة بنسبة التدهور للعملة الوطنية .

٧- وضع الآلية العملية لقانون حصانة الطبيب وحمايته وتجريم المعتدين .

واخيراً النهوض بدور النقابة كصرح صحي مهني علمي وديمقراطي مستقل عن السلطة ومراكز قواها .

Leave a Comment