مجتمع

إضراب هيئة التنسيق النقابية وتقاذف مسؤوليات الفساد

كتب نضال الفقيه
لا تختلف دعوة هيئة التنسيق النقابية للإضراب عن دعوة الاتحاد العمالي العام، والذي سرعان ما أعلن رئيسه عن إلغائه، خلال مؤتمر صحافي أعلن فيه عن تلقيه الوعود من قبل بعض الوزراء في حكومة تصريف الأعمال. لا تختلف الدعوة للإضراب أيضاً عن الدعوات التي تبادر إليها بعض قوى السلطة السياسية، ولا تغيير من طبيعتها حدة الخطاب والنبرة العالية لبيان الهيئة من حقيقة السياق الذي يأتي فيه، وهو التجاذب والصراع على الحصص بين قوى السلطة نفسها، والفتح الانتقائي لملفات الفساد التي يتقاذفها مختلف أطرفها، في إطار محاولاتهم رفع المسؤولية عن انفسهم، وإلقائها على الأطرف الآخرى. خصوصا وأن هيئة التنسيق النقابية باتت نسخة كاملة المواصفات عن تركيبة منظومة السلطة السياسية  الحاكمة، منذ ان تمت مصادرة قرار مكوناتها من قبل تلك القوى بالتكافل والتضامن فيما بينها. وهذا يشمل روابط التعليم الرسمي ونقابة معلمي المدارس الخاصة ورابطة موظفي الإدارة العامة. الأمر الذي حوّل الهيئة إلى أداة من أدوات أطراف الطبقة السياسية الحاكمة التي تعمد إلى استخدامها في إطار الصراع بين بعضها البعض من جهة، أو لتعطيل وشل دور أي حركة نقابية مستقلة تمثل المصالح الحقيقية لجمهور المعلمين والموظفين من جهة أخرى.
ويبدو أن الجديد الوحيد في الدعوة للإضراب، هو المزيد من الانكشاف لدور الهيئة في التبعية لقرار السلطة السياسية، حيث باتت تلك الهيئة في واد، والواقع الاقتصادي والاجتماعي في واد آخر، بعد أن فقدت رواتب المعلمين والموظفين أكثر من 80 % من قيمتها الفعلية، وباتت أوضاعهم الوظيفية والمعيشية في أدنىكمستوياتها، بكل ما تلقيه على عاتقهم من معاناة يومية تثقل كاهلهم. وإذا كانت الحركة النقابية قد شهدت سابقاً نهوضاً منذ الاستقلال وحتى منتصف سبعينيات القرن الماضي، وشملت روابط المعلمين والاتحادات الطلابية والاتحاد العمالي العام وغيرها.. ما سمح لها بالتعبير عن مصالح تلك الشرائح الاجتماعية التي تمثلها والدفاع عنها، وهو الدور الذي استمر الى ما بعد انتهاء الحرب الاهلية.

غير أن سلطة المحاصصة الطائفية بنسختها الحالية التي نتجت عن تنفيذ اتفاق الطائف، عملت بدأب وإصرار على ضرب تلك الحركة النقابية، بدءاً بالاتحاد العمالي العام، ومروراً برابطتي التعليم الرسمي الثانوي والاساسي ورابطة موظفي الإدارة العامة، وحولتها جميعا إلى مجرد هياكل فارغة لجهة البرنامج النضالي النقابي الذي يصون حقوق العمال والموظفين والمعلمين، وفاقدة للقرار النقابي المستقل الذي بات في يد السلطة السياسية التي عينتها.
لقد كشفت الانتفاضة الشعبية التي بدأت 17 تشرين الاول في العام الماضي، مدى عجز هيئة التنيسيق النقابية وسواها من أطر نقابية ملحقة، بما في ذلك القوى التي تتكون منها والتي كانت غائبة عن جميع الاعتصامات والتظاهرات والتحركات التي انطلقت مع بداية تلك الانتفاضة وحتى الآن، بالرغم من الواقع الاقتصادي والمعيشي المزري الذي ترزح تحت وطأته الاغلبية الساحقة من اللبنانيين. ما يؤكد وبما لا يقبل الحد الادنى من الشك، بأن هذه الهيئة وبمكوناتها الحالية قد فقدت الدور والقدرة على إطلاق أي تحرك نقابي جدي يحقق الحد الأدنى من مطالب الفئات الاجتماعية التي يتوجب عليها حمل مصالحها، حيث  أن واقع العجز والشلل والتبعية لأطراف السلطة السياسية الذي يميز دور  الحركة النقابية الحالية، والتدهور الكارثي للأوضاع الاقتصادية والمعيشية للعمال والموظفين في نفس الوقت. مما يستدعي من الجمهور الأوسع لهذه الفئات الاجتماعية المبادرة إلى أخذ قضيتها بيدها عبر عقد الجمعيات العمومية لوضع برامج مطلبية خاصة بها، وتشكيل لجان متابعة نقابية، تتولى إعادة بناء  أطر حركة نقابية مستقلة تعمل من أجل تحقيق مطالب تلك الفئات ولعب دورها الريادي في بناء دولة المواطنية الواحدة والعدالة الاجتماعية.

Leave a Comment