مجتمع

إضراب القطاع العام في ظل الفراغ في السطلة التنفيذية: أيام تعطيل يدفع ثمنها المواطن والطالب والمالية العامة

محمد قدوح

يشهد القطاع العام سلسلة تحركات مطلبية، دعت إليها روابط التعليم الرسمي ورابطة موظفي الإدارة العامة، إضافة إلى دعوات من موظفي بعض الوزارات ولجان العمل النقابي في التعليم الأساسي. الجامع المشترك بين هذه الدعوات هو المطالبة بتصحيح الرواتب والأجور، ورفع قيمة التقديمات الاجتماعية والصحية وبدل النقل.

ليس غريباً أن يجدد العاملون في القطاع العام المطالبة بتصحيح الرواتب والأجور، بعد أن ارتفعت كلفة معيشة الأسرة إلى اكثر من 23 مليون ليرة بحسب الشركة الدولية للمعلومات، وبعد أن تبخرت قيمة المساعدة الاجتماعية التي اعطيت لهم قبل نحو أربعة أشهر نتيجة تواصل إنهيار قيمة العملة الوطنية، والذي بلغ حداً قياسياً الاسبوع الماضي، حيث تجاوز سعر صرف الدولار الـ 55 ألف ليرة. لكن الغريب أن لا تشمل المطالب أصل المشكلة بدءً من الفراغ في المؤسسات الدستورية مروراً بالسياسات المالية والاقتصادية وصولاً إلى فلتان اسعار مختلف السلع والمواد الغذائية، وغياب الرقابة من قبل الإدارات المعنية بها.

بناءً عليه، وعلى مشهد التحركات التي حصلت الاسبوع الماضي يمكن تسجيل الملاحظات التالية:

اولاً ـ بدت بعض الروابط مفككة، عاجزة عن قيادة التحرك (رابطة التعليم الثانوي ورابطة الموظفين)، وظهر بوضوح تقدم قواعدها في إدارة التحرك، كما بدا ايضاً أن التواصل بين الروابط غير موجود ولو بالحد الادنى.

ثانياً ـ بدا الاضراب والاعتصامات التي نفذت وكأنها موجهة ضد مجهول، وذلك بسبب الفراغ في المؤسسات الدستورية وخلاف أطراف المنظومة الحاكمة حول دستورية اجتماعات مجلس الوزراء، وتجاهل الحكومة المستقيلة لحركة الموظفين في القطاع العام، وبالتالي من هي الجهة التي يمكن أن تفاوض المتوقفين عن العمل، وبالتالي تقرر ما يمكن تقديمه لهم لوقف تحركاتهم وتوقفهم عن العمل؟

ثالثاً ـ إن الانهيار الاقتصادي والمالي المتواصل منذ نحو ثلاث سنوات والذي ادى إلى نتائج مدمرة على مؤسسات الدولة كما على معيشة المواطنين، لم يغيِّر قيد أنملة في أداء المنظومة الحاكمة التي تستمر في ممارسة كل اشكال النهب والتعسف، مما يؤكد أن هذه المنظومة لن تتأثر بتعطيل الإدارات العامة، وتوقف التعليم في المدارس الرسمية، بل على العكس من ذلك فإنها ترى في ذلك خدمة لها، لتغيير مفهوم الوظيفة العامة، وإضعاف التعليم الرسمي لصالح القطاع الخاص المرتبط بقوى هذه المنظومة. لذلك فإن المواطن والطالب في المدرسة الرسمية والمالية العامة هم المتضررون من الاضراب.

رابعاً ـ أظهرت التجارب السابقة بأن التحركات المطلبية القطاعية حيث يسعى كل قطاع لتحسين وضعه، لم تحقق الحد الأدنى من المطالب، فضلاً عن ان مثل هذه التحركات تسمح للسلطة بالتلاعب بحقوق هذه القطاعات، بما يخدم مصلحتها لجهة عدم توحد هذه القطاعات ضمن إطار نقابي تنسيقي قادر على صياغة رؤية واضحة وبرنامج مطلبي، يؤدي الى تحصين حقوق العاملين، كما مؤسسات الدولة والتعليم الرسمي.

وبناءً على ما تقدم، وأمام الواقع المتردي الذي بلغه القطاع العام، والذي يتقرر بإنتقال السلطة إلى مرحلة فرض مشروع التعاقد الوظيفي كسبيلل للخروج من المأزق الذي يعيشه العاملون فيه، ويندرج في هذا السياق إقتراح وزير التربية والتعليم العالي تنسيب المعلمين في القطاع الرسمي إلى شركات التأمين بديلاً عن تعاونية موظفي الدولة، لذلك فإن الروابط في القطاع العام مدعوة اولاً لإعادة تجديد شرعيتها عبر الدعوة لإجراء انتخابات جديدة، ولا سيما رابطة موظفي الإدارة العامة ورابطة التعليم الثانوي، وثانياً الدعوة لعقد مؤتمر نقابي لطرح موضوع القطاع العام ومناقشة واقعة وسبل الخروج منه، وبالتالي وضع برنامج إنقاذي لتحصين وتطوير الإدارة العامة والتعليم الرسمي على مختلف مستوياته، ويلي ذلك قيام تحرك للضغط حيث يجب أن يكون، وبأشكال وأساليب متنوعة.

إن مواجهة سياسات السلطة المالية والاقتصادية وإعادة تأكيد دور الدولة في تقديم الخدمات مقابل الواجبات المطلوبة بما هي جباية الضرائب والمستحقات، ليس مسؤولية العاملين في القطاع العام فقط، وإن كانوا الأكثر تضرراً من الانهيار المالي والاقتصادي، إنما هو مسؤولة كل اللبنانيين. وذلك من أجل بقاء الكيان اللبناني، وبناء دولة القانون والمؤسسات، واستعادة دورها وقدرات القطاع العام على تامين مقومات عيش العاملين فيه سواء أكانوا معلمين أو موظفين أو أجراء، إضافة إلى كل المتضررين من شلل مؤسسات القطاع العام وافلاس ميزانية الدولة، وهو ما يشمل القطاع الخاص الذي يعاني هو الآخر في متابعة نشاطه الاقتصادي والإنتاجي نتيجة انهيار قطاع الطاقة وغيره.

Leave a Comment