سياسة

إدارة بايدن والصراع مع ايران يفاقم أزمات المنطقة العربية

كتب زكي طه

    إلى جانب أولوية اهتمامه بقضايا الوضع الداخلي، يتابع الرئيس الاميركي ترميم علاقات بلاده الدولية ومع المنظمات والهيئات الأممية، التي تضررت  في عهد  الرئيس السابق. هذا ما تؤكده المراسيم التي وقعها، واتصالاته مع قادة الدول الرئيسية لفتح مسارات البحث معها حول مختلف ملفات المصالح المشتركة أو الخلافية معها. ما يؤشر إلى مساعي إعادة تشكيل تجمع دولي وازن استرتيجياً، قادرعلى مواجهة روسيا والصين المتهمتان بالتخريب على المصالح الاميركية والاوروبية. إلى  جانب محاصرة ايران وتشديد الضغط عليها لاجهاض مشروعها النووي ووقف إنتاجها للصواريخ البالستية والحد من مخاطر طموحاتها الاقليمية في آن. 

   وفي السياق لاتزال الإدارة الاميركية الجديدة، تتدرج في الافصاح عن توجهاتها الاستراتيجية للتعامل مع قضايا الشرق الاوسط  المتعددة. لا يقتصر  الامر على الملف النووي، بل يشمل  استراتيجية النظام الايراني القائمة على التدخل في أزمات المنطقة المزمنة منها والمستجدة، خاصة دول الجوار العربي، تحت راية المواجهة مع اميركا والعداء لاسرائيل غطاءً لسياساتها.  كما وأن  توجهات الإدارة الاميركية الجديدة لا تستثني الصراع العربي الاسرائيلي في امتداد القضية الفلسطينية. في ضوء التخلي العربي عن  شعار “الأرض مقابل السلام”، واستسهال الانتقال  بدفع اميركي إلى معادلة السلام الاسرائيلي مقابل التسليم العربي والتطبيع معها، وأسر القضية الفلسطينية  في وضع مقفل اسرائيلياً على حل الدولتين. وذلك تحت وطأة التهديدات الايرانية لكياناتها ومجتمعاتها والعداء لأنظمتها، في موازاة الرعاية الاميركية للأزمات المتفجرة في العديد من الكيانات العربية، وقد تحولت ساحات حروب أهلية وصراعات إقليمية دولية مفتوحة لتقاسم السيطرة عليها ونهب مواردها.

   ولذلك يستمر مسؤولو الإدارة الاميركية الجديدة والنظام الايراني في تبادل الاشتراطات لاستئناف المفاوضات حول القضايا موضع النزاع بينهما. لكن المؤكد أن هذا المسار لا زال مؤجلاً، بانتظار استكمال تجميع الاوراق الاميركية، وحشد المواقف الدولية والاقليمية، لتطويق النظام الايراني وضمان إجباره على التراجع، والعودة إلى التزام مضمون الاتفاق النووي تمهيداً لإعادة النظر به، والتسليم بعدم الحصول على القنبلة النووية. ما يعني أن الانتخابات الايرانية القادمة ستجري تحت سقف العقوبات والحصار وتحت وطأة الضغوط الدولية والتحذيرات المتكررة من الاستمرار في تخصيب اليورانيوم، التي يشكل البيان الفرنسي الالماني البريطاني الأخير عينة منها. 

    في المقابل، ولأن مشكلة القيادة الايرانية تكمن في الحصار القائم والعقوبات المفروضة مضافاً لها الشروط الجديدة، فهي تتعمّد التأكيد  للاطراف الدولية وخاصة اميركا، أنها ليست مطلقة اليد في المواجهة معها. ولذلك لا تزال ترفض العودة للاتفاق ومبدأ تعديله، ورهن وقف تخصيب اليورانيوم برفع الحصار الاقتصادي وإلغاء العقوبات المالية الاميركية. أما التنافس المحموم  بين اجنحة النظام على اطلاق المواقف المتصلبة رفضاً للشروط الاميركية، فإنها تقع في اطار الصراع على الفوز في الانتخابات الرئاسية والنيابية القادمة.

    ولتأكيد  القدرة على الصمود، تخوض ايران معاركها في الساحات العربية. حيث تستمر محاولاتها لإبقاء العراق ميدان مواجهة، من خلال العمل على تعطيل فعالية الدعم الاميركي للحكومة العراقية في سبيل الاستقرار، وعرقلة الانتخابات لتعطيل خططها لإعادة تكوين السلطة في البلاد. إلى جانب الدفع بميليشيات الحشد الشعبي لإدامة الاشتباك مع القوات الاميركية في العراق والمطالبة بانسحابها.

  وفي مواجهة مساعي اميركا لوقف الحرب اليمنية واضعاف دورها في الخليج، المتمثلة بالضغط على السعودية وتجميد صفقة الطيران معها ووقف التنسيق بشأن عملياتها الحربية، بهدف دفعها للموافقة على عقد تسوية مع ميليشيات الحوثيين، أتى الرد من خلال دفع النظام الايراني لتلك الميليشيات نحو تصعيد حدة المعارك لتشمل أوسع مساحة ممكنة في الداخل اليمني، واستغلال الضغط على السعودية لرفع مستوى المواجهة معها وزيادة وتيرة اطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة لاستهداف منشآتها ومرافقها الحيوية. ورغم مواقف الإدانة الدولية بادرت الإدارة الاميركية إلى رفع اسم ميليشيا الحوثيين عن لائحة الارهاب تأكيداً لالتزامها العمل لوقف الحرب اليمنية.

    وبالنظر لطبيعة الأزمة السورية وتعقيداتها الإقليمية والدولية، والتي تحولت في جانب منها للصراع مع النظام الايراني المصنف اميركياً في خانة الارهاب ومعه الميليشيات التابعة له. وإلى جانب الاشتباك السياسي مع الدورين الروسي والتركي المتهمان بالتخريب على المصالح الاميركية في المنطقة، ورغم قيادة التحالف الدولي لمكافحة الارهاب، وتجديد التزام قانون قيصر ضد النظام،  فإن الدور الدور الاميركي  في سوريا لا يقتصر على إدارة الأزمة وحماية الاكراد، بل يشمل ضمان أمن اسرائيل، ودعم استمرار غاراتها الجوية والصاروخية التي تستهداف المستودعات وخطوط الامداد والمجمعات العسكرية الايرانية والميليشيات التابعة في مختلف انحاء سوريا، والإبقاء عليها في حالة العجز عن الرد رغم الخسائر الفادحة، الامر الذي  لايتعارض مع التوجه الروسي.

    أما في لبنان وبمواجهة الدور الذي يضطلع به حزب الله والمتمثل بقدرته على التحكم بأوضاع البلد كافة، وربطه باستراتيجية النظام الايراني في المنطقة، من خلال مشاركته القتالية في سوريا ومساهمته في الصراع الدائر في العراق وحرب اليمن، مع إعلان حماية لبنان ومواجهة اسرائيل. فإن التوجه الاميركي لم يتعدَ لغاية الآن إدامة الحصار السياسي والاقتصادي على لبنان ومواصلة العقوبات المالية على الحزب وبعض حلفائه. وأمام الدعم الخارجي المتنوع للقدرة التعطيلية المتبادلة لدى اطراف السلطة، المسؤولة عن شلل مؤسسات الدولة وتسريع الانهيارالاقتصادي والمالي، فإن لبنان مقيم  في دائرة الاخطار الاسرائيلية التدميرية وكيانه عرضة لخطر الزوال.

 وعليه، وبالنظر لقدرة ايران على إدامة الصراع واستغلال أزمات المنطقة، ورغم استحالة امتلاكها للسلاح النووي، فإن حظوظ نجاح ادارة بايدن في اخضاعها بما يتلاءم مع المصالح الاميركية ليست بالسهولة التي يتصورها البعض. ما يعني أن أزمات المنطقة في مختلف ساحاتها بما فيها لبنان، لا تزال مرشحة للاحتدام، ما يعرّض ما تبقى من بُناها الاقتصادية والعمرانية للمزيد من الخراب، ويكرس بقاء مجتمعاتها أسيرة  حال الانقسام والتفكك والهجرة، ما يسهل معه استمرار التعامل معها كقضايا انسانية تتطلب الإغاثة،  في ظل افتقادها  لقوى التوحيد والاستقلال القادرة على إعادة تأسيس هوياتها الوطنية الجامعة  وترميم الروابط القومية في ما بينها.

Leave a Comment