اقتصاد

موازنة الـ 2021 تغطية الرواتب بعد “تشحيل” حقوق قانونية منها

كتب محرر الشؤون الاقتصادية

مع اقتراب دخول لبنان مرحلة فوضى الإنفاق المالي على القاعدة الإثني عشرية، وتأخر الحكومة لأشهر عن إعداد موازنة العام 2021، وضع وزير المال في حكومة تصريف الأعمال غازي وزني مشروعها وأحاله على رئاسة مجلس الوزراء، مع تقرير مفصّل يشرح الأسس المعتمدة في إعداده، وأبرز المتغيرات عن قانون موازنة2020.  ما بات يتطلب موافقة الحكومة عليها وإحالتها على المجلس النيابي لمناقشتها وإقرارها.

والموازنة هي موازنة تصريف أعمال، فنفقاتها مقدرة بـ 18259 مليار ليرة، بما تضمنته من ايرادات ونفقات، تخلو من أي اتجاهات اصلاحية  بفعل الأزمة العاصفة في البلاد، ليس على الصعد الاقتصادية والمالية والنقدية فقط، بل وعلى الصعيد الاجتماعي بعد أن فقدت الليرة  حوالي 85 % من قيمتها. والمفارق أن الموازنة ما تزال تعتبر أن سعر الصرف الرسمي للدولار هو  1500 ليرة، بينما يدق على عتبة الـ 10 الآف ليرة. والعجيب أن الموازنة لا تشير من قريب أو بعيد إلى مسألتين في غاية الأهمية. أولاهما، تتمثل بديون لبنان الخارجية التي توقف لبنان عن سدادها، أو التفاوض مع الدائنين حول طريقة التعاطي معها. أما الثاني، فيتمثل بمستوردات للدولة بالعملة الصعبة. وهذه أيضاَ غير واردة في الحساب. لكن المشكلة المضافة تكمن في الايرادات التقديرية غير المضمونة، طالما أن القطاعات والمداخيل تشهد انهيارات متلاحقة سواء أكانت متأتية من مصادرصناعية أو تجارية أو سياحية أو زراعية وغيرها. 

تتكون الموازنة من 111 بنداً تتمحور على تغطية رواتب وأجور الموظفين والمتقاعدين ودفع النفقات الإدارية لمؤسسات الدولة، لكن المواد 99 و103 و105 و106 و107 تقضم من حقوق موظفي القطاع العام والأساتذة الأمر الذي أثار ضجة في أوساطهم، وإن لم يرق إلى تنفيذ اضراب عام حقيقي، بالنظر إلى تركيبة هيئة التنسيق التي التقت وزني باسم روابط المعلمين في التعليم الأساسي. اذ تنص المواد المذكورة على خفض التصنيف الاستشفائي لموظفي الفئة الثالثة، من الدرجة الأولى إلى الدرجة الثانية، وإلغاء المعاش التقاعدي للموظفين الجدد في الوظيفة العامّة، على أن يُعاملوا مُعاملة المنتسبين للصندوق الوطني للضمان الإجتماعي، وخفض المعاش التقاعدي لورثة الموظف المتوفى إلى نسبة 40 % فقط، وتمديد فترة منع الموظف من استعمال حقه القانوني بطلب الإحالة على التقاعد قبل السن القانوني، وغيرها من المواد التي تحفّظت عليها الهيئات النقابية ورفضتها رفضاً قاطعاً.

اما متقاعدو الأجهزة العسكرية والأمنية، فما يطال حقوقهم إضافة إلى ما ورد أعلاه هناك المواد  93 و97 98 و102 و 108. التي تستهدف حقوقهم المكتسبة، لذا  اعتبروا أن تصحيح واصلاح أوضاع المالية العامة يتم من خلال مكافحة الهدر والفساد وملاحقة سَرَقة المال العام واسترداد الأموال المنهوبة.

وهناك المادة 37 التي تتضمن “ضريبة التضامن الوطني”. وهي ضريبة استثنائية لمرة واحدة على قيمة كل حساب دائن مفتوح لدى المصارف اللبنانية، وتقدّر بنسبة 1% عن كل حساب تبلغ قيمته مليون دولار ولا تتجاوز 20 مليون دولار. و1.5 % في المئة عما يزيد عن 20 مليون دولار ولا يتجاوز 50 مليون دولار. و2 % عن القسم من الحساب الذي يزيد عن 50 مليون دولار.

وكذلك نسبة 1% عن كل حساب تبلغ قيمته 1.5 مليار ليرة، ولا يتجاوز 30 مليار ليرة، و1.5 % على القسم من الحساب الذي يزيد عن 30 مليار ليرة ولا يتجاوز 75 مليار ليرة، و2 % عن القسم من الحساب الذي يزيد عن 75 مليار ليرة، وعلى المصرف أن يقتطع هذه الضريبة، وأن يؤديها إلى الخزينة، ضمن مهلة أقصاها شهران من تاريخ إقرار قانون الموازنة وبعملة الحساب. واللافت أن مشروع الموازنة قدم اعفاءات ضريبية للمصارف على الفوائد الناتجة عن ودائع بالعملات الأجنبية التي يتم ايداعها في لبنان نقداً أو من الخارج  تمتد إلى ثلاثة أعوام. أي أن المصارف هنا تكافأ على تلاعبها بأموال اللبنانيين وودائعهم ومعها كل السياسيين والمصرفيين والمهربين الذين نقلت حساباتهم إلى الخارج. بالطبع هناك إعفاءات يمكن فهمها في ضوء ما آلت أوضاع القطاعات الاقتصادية. أما بشأن قطاع الكهرباء وهو أحد مصادر العجز الرئيسية فيحيل المشروع رفع تعرفة الكهرباء على مجلس الوزراء، بناءً على اقتراح وزير الطاقة والمياه، لإحداث تعديل متدرج على التعرفة، وفق جدول يؤدي إلى توازن مالي تدريجي لمؤسسة كهرباء لبنان، على أن يلحظ المرسوم الإبقاء على تعرفة منخفضة لذوي الإستهلاك المحدود والمؤسسات الصناعية.

تبقى المادة 95 وهي تستحق التوقف عندها لأكثر من سبب أولها أنها تجيز لكل عربي أو أجنبي يشتري وحدة سكنية في لبنان الاستحصال على إقامة طيلة مدة ملكيته، على أن لا تقل قيمتها عن 350 ألف دولار داخل بيروت، و200 ألف دولار في سائر المحافظات.وبهدف تنشيط القطاع العقاري والاستثمار فيه. أما الثاني والأهم فتستثني السوريين والفلسطينيين بدعوى تشجيعهم على العودة إلى بلادهم. وهي عملياً تصيب الفلسطينيين فقط باعتبار أن السوريين يستطيعون بموجب قانون التملك لغير اللبنانيين شراء عقارات، بينما القانون 296/2001 استثنى الفلسطينيين من حق التملك بدعوى محاربة التوطين الذي لاعلاقة له بحق التملك. والمادة بحد ذاتها لن تحقق غايتها طالما أن البلاد في صميم أزمة مركبة سياسية واقتصادية وخدماتية وأمنية، ما يجعل أبناء الوطن يفرون منه، فكيف بالرساميل العربية والاجنبية تأتي للاستثمار والسكن فيه.

يبقى القول إن مشروع الموازنة عبارة عن “عرض حال” لبلد يعاني انهياراً شاملاً دون خطة اصلاح ولو أولية للوضعين المالي والإقتصادي، وهو ينتظر الانقاذ من الخارج عبر مساعدات وقروض لن تأتي، وهي بهذا المعنى موازنة “رفع العتب” بانتظار التفاوض مع الدائنين وصندوق النقد الدولي وغيره من الدول والجهات الخارجية، التي يبدو أنها نفضت يدها من الطبقة السياسية ودولة المحاصصة التي تركت البلد يغرق في جهنم الانهيار دون أن تقوم ولو بخطوة واحدة لإنقاذه ولجم اندفاعه إلى القاع.

Leave a Comment