صحف وآراء

إبداعات الداخل الفلسطيني في مقاومة مشاريع التطبيع الصهيونية: التحديات والمعوقات

إعداد: سهيل السلمان*

لا يمكن الحديث عن مقاومة التطبيع من دون الحديث عن حركة مقاطعة إسرائيل وفرض العقوبات عليها وسحب الاستثمارات منها، والمعروفة عالمياً باسم BDS. فحركة المقاطعة والتي انطلقت في 9/7/2005 في ذكرى مرور عام على فتوى لاهاي الخاصة بجدار الضم والتوسع الذي أقامته “إسرائيل”، الدولة القائمة بالاحتلال في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 67 بما فيها القدس الشرقية وما حولها.. انطلقت كحركة حقوق إنسان تدافع عن حق الشعب العربي الفلسطيني غير القابل للتصرف في تقرير مصيره.. أطلقت نداءً تاريخياً يدعو العالم إلى عزل دولة الاحتلال والاستعمار الاستيطاني والفصل العنصري في شتى المجالات الأكاديمية والثقافية والاقتصادية والعسكرية حتى تنصاع للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني وتلبي ثلاثة شروط هي:

– إنهاء احتلال جميع الأراضي العربية التي احتلت عام 67، وإزالة المستعمرات والجدار.

– انهاء نظام الفصل العنصري “الابرتهايد” القائم في أراضي عام 1948، ضد الجزء من شعبنا الذي يحمل الجنسية الإسرائيلية.

– عودة اللاجئين الى ديارهم الأصلية التي شردوا منها ، وهو حق طبيعي يكفله القانون الدولي. توافق هذه الحقوق الأساسية الثلاثة مع الأجزاء الأساسية الثلاثة المكونة للشعب الفلسطيني (المهجر والشتات.. الأراضي المحتلة عام 48 … الأراضي المحتلة عام 67).

من التجارب الفلسطينية الناجحة في مواجهة التطبيع.. حملة ضخمة ضد مؤسسة “one voice “- صوتنا واحد. وهي مؤسسة إسرائيلية تم إنشاؤها لأغراض التطبيع، أهدافها الجمع بين فلسطينيين وإسرائيليين بإشكال متعددة من ورش عمل، ورحلات، سفرات، وانشطة مشتركة. وجزء من هذه الورش يناقش السلام والتعايش من دون الالتفات لنظام القمع والاضطهاد والقهر والاحتلال والاستعمار، وكل انتهاكات حقوق الإنسان التي يقوم عليها نظام إسرائيل “الابرتهايد”، وبالتالي ينطبق عليها معايير التطبيع الذي أقره المجتمع المدني الفلسطيني..

منذ ان بدأت هذه الحركة بالعمل، وبعد البحث ومعرفة كل التفاصيل، والوصول إلى كل المعلومات التي كنا بحاجة إليها، تمّ إصدار بيان موجه للرأي العام وللمجتمع الفلسطيني حولها وحول أنشطتها المشبوهة، حيث دعا البيان إلى مقاطعة أنشطة هذه المؤسسة، وتلا البيان بيانات أخرى دعت إلى مقاطعة المؤسسة بالكامل.

خلال إصدار هذه البيانات تم تنظيم مجموعة من الأنشطة تضغط وتطالب بوقف أنشطة هذه المؤسسة، وجزء من هذه الانشطة ركز على تعريف الناس فيها وبالدور المشبوه الذي تلعبه، .. أحيانا كانت تعلن المؤسسة عن نشاط معين، مباشرة يتم تنظيم نشاط مضاد من أجل العمل على إلغاء نشاط هذه المؤسسة، فيتم الغاؤه.. وبالتالي شلت أنشطة هذه المؤسسة بشكل كامل وأغلقت مكاتبها وانسحبت بشكل شامل من الضفة الغربية وقطاع غزة. هذه النجاحات تحققت بفعل بناء تحالف عريض يقود هذه الأنشطة ضد المؤسسة.. تحالف شبابي من مناهضي التطبيع من حركة المقاطعة من القوى الوطنية والإسلامية من الجميع.. قاموا بالتصدي لهذه المؤسسة وفضحها وتعريتها والضغط باتجاه إنهاء كل أعمالها في فلسطين.

.. هذه المؤسسة قامت بتسجيل مؤسسة أو مبادرة أخرى سمتها ” زمام”، وهي تعمل على الجانب الفلسطيني، ولدى الاحتلال مؤسسة أخرى اسمها ” دار كنيو بالعبري “- طريقنا بالعربي ،(هكذا ترجع مؤسسات التطبيع في البلد )… كنا متابعين للموضوع، أصدرنا بياناً حول زمام وأفشلنا كل شراكاتها. كان لهم شراكات مع جامعة النجاح ومع مؤسسات مختلفة مثل مؤسسة مبزور وغيرها. وبالتالي بدأت تفشل، وبدأ الناس بالانسحاب من الشراكات مع هذه المؤسسة مباشرة بعد صدور البيان حولها. ليس هذا وحسب بل قمنا بتوقيع اتفاق مع جامعة النجاح لإعطاء محاضرات عن المؤسسات التطبيعية لطلاب الجامعة .. التحدي، كيف نحاصر المؤسسات التطبيعية وهذا ينطبق على عدد كبير جداً من المؤسسات والمبادرات والأنشطة التطبيعية.

كل يوم نلاحظ أن هناك مؤسسات جديدة تتشكل وتقوم بذات الدور المشبوه، لأن التمويل كله ذاهب باتجاه دعم هذه المؤسسات وطبيعة عملها.. حتى أن هناك بعض الممّولين يشترطون أن يكون العمل بهذه الطريقة.

في الجانب الآخر هناك بعض الأنشط التطبيعية لم ننجح بإفشالها.. بشكل أساسي. الانشطة التي لم ننجح بإفشالها على سبيل المثال يتمثل في قدوم فنانين أو رياضيين عرباً من دون أن يستجيبوا لنداء حركة المقاطعة، حيث يندرج قدومهم من خلال السفارات الإسرائيلية كنشاط تطبيعي، لكن العقاب الذي يلحقهم بعدها يكون كبيراً، من ناحية مقاطعة الشعوب العربية لهم.

حركة المقاطعة تنتهج رد الفعل الشعبي على الأنشطة التطبيعية التي تظهر، ولذلك لا يمكن القيام به دون تجريم هذه الأعمال، من خلال رفع الوعي بضرورة رفضها وعدم التساوق معها، ذلك لأن الهدف من التطبيع، هو استخدام الفلسطينيين والعرب من أجل تبييض صفحة جرائم الاحتلال والتغطية عليها، أي أننا نحن أصبحنا أوراق التوت.

بالتأكيد هناك العديد من التحديات التي تواجه مناهضة التطبيع عربياً وفلسطينياً، حيث نرى اليوم بأن هناك أنظمة عربية تأخذ منحى التطبيع بعلاقاتها مع الاحتلال، حيث تحاول طبعنة هذه العلاقة من خلال مؤتمرات تدعي أنها دولية وتقام على أراضٍ عربية، أو مسابقات رياضية أو فنية وغيرها، مثل قطر والإمارات والبحرين، وميول السعودية الواضح للتطبيع بعد السماح للطيران الهندي باستخدام الأجواء السعودية للمرور الى مطارات الاحتلال.

بالإضافة الى كل ذلك نجد أن التنسيق الأمني هو أخطر أشكال التطبيع فلسطينياً مع الاحتلال يليه لجان خصصت من أجل التطبيع والعلاقات الناشئة الاقتصادية التي تعمل على طبعنة العلاقة مع الاحتلال، مثل شركات تكنولوجية فلسطينية في مدينة روابي، التي هي بالأساس بنيت من خلال علاقات تطبيعيه وتدخل فيها شركات إسرائيلية، وكانت أهدافها واضحة من خلال تصريحات المسؤولين عنها.

أما حول أثر المقاطعة على الاقتصاد الإسرائيلي.. فقد كانت المقاطعة عاملاً أساسياً وراء انخفاض الاستثمار الأجنبي المباشر في الاقتصاد الإسرائيلي بنسبة 46% سنة 2014، وذلك وفقاً لتقرير صادر عن الأمم المتحدة. وتتوقع مؤسسة راند الأمريكية بأن تلحق حركة المقاطعة خسارة بإجمالي الناتج المحلي الإسرائيلي تتراوح بين 1% إلى 2% – أي ما بين 28 إلى 56 مليار دولار خلال السنوات العشر القادمة. كما كشف تقرير للبنك الدولي بأن الصادرات الإسرائيلية إلى السوق الفلسطيني انخفضت بنسبة 24% في الربع الأول من سنة 2015.

كذلك انسحبت شركة فيوليا الفرنسية بشكل كامل من الاقتصاد الإسرائيلي في سنة 2015، بعد أن تكبدت خسائر فادحة تقدر بمليارات الدولارات نتيجة حملة المقاطعة ضدها، بسبب تورطها في الاستعمار الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية. وبعدها انسحبت كل من شركة أورانج (Orange) وCRH بالكامل. وقد أعربت إحدى أكبر شركات تصنيع السلاح الإسرائيلية عن شكواها من أزمة التصدير التي تواجهها السوق الإسرائيلية بشكل عام؛ حيث عزت أحد أسباب هذه الأزمة الى انخفاض الرغبة العالمية في استيراد “بضائع ومنتجات مصنوعة في إسرائيل”. إعلان شركة جي فور إس (G4S) ويونيليفر (Unilever) عن اتخاذ خطوات لوقف تورطها في جرائم إسرائيل.

إعلان مئات السلطات المحلية (البلديات) في إسبانيا عن نفسها “مناطق خالية من الابرتهايد الإسرائيلي”، وتبني بلديات في فرنسا وبريطانيا والنرويج وغيرها قرارات مختلفة لمقاطعة الشركات المتورطة في الاحتلال الإسرائيلي. رفض الآلاف من الفنانين والفنانات مثل روجر واترز، وفرقة فايثلس، ولورين هيل، وبراين إنو، والفيس كوستيلو وغيرهم إقامة حفلات فنية في مدن إسرائيلية، كتل أبيب.

تبني مؤسسات أكاديمية واتحادات طلابية حول العالم في أمريكا الشمالية واللاتينية وجنوب أفريقيا وبريطانيا وقطر وغيرها لحركة مقاطعة إسرائيل ، وكذلك سحْب عدد من الكنائس حول العالم، بالذات في الولايات المتحدة، استثماراتها من الشركات المتورطة في جرائم الاحتلال. وفقاً للتصريحات الرسمية للحكومة الإسرائيلية فإن حركة مقاطعة إسرائيل BDS تعد “خطراً استراتيجياً” على منظومتها الاستعمارية.

قبل أيام قليلة، ومن خلال استطلاع للرأي أجرته الخارجية الأمريكية، وجدت أن أكثر من نصف طلاب الجامعات يدعمون حركة المقاطعة مما أثار الهلع في صفوف قيادة الاحتلال، وحسب استطلاعات رأي أخرى، فإن تنامي الدعم غير مسبوق لحركة المقاطعة في صفوف اليهود التقدميين، والناخبين للديمقراطيين. وهذا أيضا ينسحب على كل مكان في العالم، على الرغم من كل محاولات التجريم والتشويه والضخ بمئات ملايين الدولارات في الموازنة لمواجهة الحركة، لا زالت حركة المقاطعة قادرة على إحداث تغيير جذري في الرأي العام العالمي، وبالتالي تقوم الآن بتحويل هذا التغيير الى عقوبات على منظومة القهر والاضطهاد الفاشية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني.

*المداخلة التي ألقاها ممثل حركة مقاطعة اسرائيل BDS الاستاذ سهيل السلمان في منتدى عبد الرحمن النعيمي الفكري في دورته السابعة ـ بيروت 16 كانون الاول 2022.

Leave a Comment