صحف وآراء مجتمع

مؤشرات على تزايد العنف الأسري في لبنان فهل من منصف للضحايا؟

بشير مصطفى* 

لم تعد مشاهد العنف الأسري أمراً عابراً في لبنان، وإنما باتت جزءاً من يوميات المواطن الذي يعيش تحت وطأة الصدمات المتكررة، قد يكون لانتشار وسائل التواصل الاجتماعي دور في فضح المستور والمسكوت عنه داخل الجدران وفي الأحياء الضيقة، ولكن ذلك لا يقلل من أهمية تزايد الجرائم التي يذهب ضحيتها النساء والأطفال، تتعدد القصص والمعاناة واحدة من الطفلة دلال أندوري التي ذهبت ضحية عنف زوج الأم، إلى نبيلة عيدان التي ما زال الغموض يظلل ظروف موتها في قرية السنداية بقضاء عكار شمالاً، وصولاً إلى هناء خضر التي أضرم زوجها النار فيها وبجنينها.

إنها صور قاسية بالتأكيد، لا تترجمها الكلمات، ولكن لا ترقى إلى مستوى العنف والألم الذي تعرض له ضحاياها من الشرائح الاجتماعية المستضعفة، وفيما تتكرر وتتزايد حوادث العنف، تنتظر عائلات الضحايا العدالة وتبحث عمن ينصفها في ظل انهيار الهيكل المؤسساتي في الدولة اللبنانية.

هناء خضر رحلت بعد عذاب شديد

في الـ17 من أغسطس (آب) الحالي، أسلمت الشابة هناء خضر البالغة 21 سنة والأم لولدين، الروح داخل غرفة العناية المشددة في مستشفى السلام بطرابلس شمال لبنان، بعد صراع مرير مع حروقها.

قضت هناء أوقاتاً عصيبة إذ عانت حروقاً من الدرجة الثالثة، بفعل ما قام به زوجها الموقوف على ذمة التحقيق، بعدما تركها وهي حامل بشهرها الخامس تحترق داخل المنزل بعد أن فتح قارورة الغاز وأشعل فيها النار.

يرفض والد الضحية، محمد خضر، إطلاق تسمية الزوج على المتهم، ويصفه بـ”المجرم” لأن ما قام به لا يمكن أن يقترفه إنسان، فقد أضرم الغاز بالشابة وجنينها “عن سابق إصرار وتصميم”، ولم يسعفها كي تصل  إلى المستشفى لتلقي المساعدة الطبية، وفق الوالد الذي يروي أن ابنته لم تذق النوم طوال 12 يوماً قضتها في المستشفى، وكانت تتلقى خلالها العلاج عبر نقل دم البلازما لتخفيف بعض أوجاعها.

ويرجو الوالد محمد “ألا يصيب البلاء الذي أصاب ابنته أحداً، لأن العذاب لا يقاس”، مضيفاً “نحن في آخر النهار نخلد إلى النوم، ولكن المصاب بحروق لا تغمض له عين، يعيش مع عذاباته وآلامه بسبب الحروق التي أصابت 100 في المئة من جسدها”.

ويأسف محمد لعدم تطييب أي من أفراد عائلة الجاني خاطر أهل الضحية، ويؤكد أن القضية لم تعد قضيته الشخصية، وإنما قضية عشائر العرب في وادي خالد، مطالباً بإعدام المجرم، ويوضح أن العائلة تعول على موقف القضاء اللبناني، وأنه على السلطات أن تنصف الضحية وتقتص من المجرم.

12 يوماً من المعاناة

والأربعاء، عادت هناء إلى مسقط رأسها في وادي خالد جثة هامدة، وقد فتحت العائلة أبواب دارها لاستقبال المعزين، إلا أن لوعة الوالدين مستمرة في انتظار أخذ الحق بالقانون، وإلا من خلال العرف الاجتماعي.

الطبيب غابريال السبع رئيس مجلس إدارة مستشفى السلام، أكد من جهته أن “هناء سيدة معنفة على يد الزوج”، وكشف أنها كانت حامل في شهرها الخامس، وتعرضت لحروق من الدرجة الثالثة بنسبة 100 في المئة من الجسد، موضحاً أن “المصاب بحروق 100 في المئة ليس لديه فرصة للبقاء على قيد الحياة من وجهة نظر طبية”.

وخلال فترة إقامتها بالمستشفى خضعت هناء لحالة الإنعاش القصوى، من خلال إنعاش التنفس والدم والكلى، وكذلك الجراحات اليومية الطويلة، إضافة إلى عمليات الزرع، وبقاؤها على قيد الحياة لمدة 12 يوماً يعد من الأمور النادرة في الحالات المشابهة، وأشار السبع إلى أن الجنين توفي في اليوم الثاني بعد دخولها المستشفى، وتأكد الفريق من ذلك عبر الفحوص التشخيصية والمخبرية.

ومن المرتقب أن يضع قضاء التحقيق في محافظة الشمال يده على الملف الإثنين الـ22 من أغسطس، تمهيداً للتوسع في التحقيقات مع الجاني، وتقرير إجراءات الملاحقة.

قضية نبيلة عالقة

قصة هناء خضر ليست قصة العنف الأسري الوحيدة التي شغلت الرأي العام اللبناني أخيراً، فقد سبقتها بأيام حادثة مقتل الطفلة دلال أندوري، ابنة خمس سنوات، على يد زوج والدتها في منطقة القبة طرابلس، حيث أوقف الفاعل الذي قام بتعنيفها هي وشقيقها تمهيداً لمحاكمته.

كما شغلت قصة نبيلة عيدان البالغة 34 سنة الرأي العام، فيما لا تزال قريتها السنديانة تنتظر تقارير الأدلة الجنائية لتحديد أسباب الوفاة الغامضة، في ظل روايات متناقضة بين أهل الضحية الذين يشكون بضلوع الزوج في مقتلها بسبب خلافات سابقة، مقابل الزوج الذي تحدث عن انتحار نبيلة برصاصة في الصدر.

ويكرر الحاج أبو نبيل، والد الضحية، المطالبة بتحقيق شفاف وصادق من دون أي تدخلات، من أجل كشف ملابسات الجريمة التي جعلت أحفاده الأربعة أيتام، متحدثاً عن ظروف قاسية عاشتها الضحية وأطفالها خلال فترة زواجها.

رئيس بلدية السنديانة علي حمد، يتحدث من جهته عن محاولات لتطويق الفتنة داخل القرية، ومنع إهراق مزيد من الدماء بين الأهالي الذين تربطهم صلات قربى، ويقر حمد بأن الإجراءات تسير ببطء بعد مرور ثلاثة أسابيع على مقتل نبيلة، لافتاً إلى أنه لم يتم توقيف الزوج المنتمي إلى مؤسسة عسكرية، وأشار رئيس البلدية إلى أن استدعاء الزوج للتحقيق لم يكن على خلفية مقتل نبيلة، وإنما بسبب نشره فيديو لعملية تدريب ابنه البالغ من العمر 13 سنة على الرماية، ورداً على الاتهام بوجود تدخلات لتمييع الحقيقة في القضية، نفى حمد هذه المزاعم مؤكداً أن لا حماية لمرتكب جريمة.

وتختلف رواية العائلتين عن مقتل نبيلة، ولكنهما يتفقان على مركزية دور القضاء في حل هذه المسألة التي تحولت إلى قضية رأي عام، لأن خلاف ذلك سيؤدي إلى قيام كل طرف باستيفاء حقه بنفسه.

لماذا تتكرر هذه الجرائم؟

في الآونة الأخيرة، شهد لبنان تزايداً في جرائم العنف الأسري، ويعزو بعض المتابعين ذلك إلى أسباب محض اقتصادية في ظل أزمة خانقة، فيما يرى آخرون في ذلك مؤشراً إلى تراجع سلطة القانون، بينما يعده بعضهم جزءاً من عوامل ثقافية.

وتعتبر المحامية والناشطة الحقوقية عتيبة مرعبي أن السبب الأول لتزايد جرائم العنف الأسري بحق المرأة والطفل هو “سهولة الإفلات من العقاب السائدة، إذ يقوم الناس بخرق القوانين من دون عقوبات تذكر”، وتضيف “لو كانت هناك عقوبات حقيقية للقتلة لما تجرأ أحد على ذلك”، أما السبب الثاني بحسب مرعبي فهو العامل الثقافي – الاجتماعي، فالعنف موجود في الثقافة الاجتماعية للأفراد، وكذلك العنف من الدولة ومن أصحاب السلطة بوجه “غير المدعومين”، أي أولئك الذين لا مرجعية سياسية تساندهم أو تغطي أفعالهم، بالتالي يمارس العنف من قبل الطرف الأقوى ضد الأضعف، وفي الحالة الراهنة “يمارس الرجل العنف على المرأة فعندما تنتهي لغة الحوار يسود العنف والأقوى ينتصر”.

وتحدد عتيبة مرعبي سبباً ثالثاً لتزايد هذه الجرائم، ألا وهو السبب الاقتصادي في حال عدم الاستقرار النفسي للفاعل، موضحة “الفقر لا يولد العنف إذا كان هناك توازن نفسي اجتماعي لدى الأشخاص، ولكن الشخص العنيف يجد في التدهور الاقتصادي سبباً لممارسة العنف”.

  اندبندت العربية /  الجمعة 19 أغسطس 2022

Leave a Comment